هجوم "كروكوس" يجدد نقاشات تفعيل عقوبة الإعدام في روسيا

هجوم "كروكوس" يجدد نقاشات تفعيل عقوبة الإعدام في روسيا

14 ابريل 2024
إقامة حفل تأبيني لضحايا الهجوم على قاعة "كروكوس سيتي هول" (صفا كاراكان/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عاد النقاش حول تطبيق عقوبة الإعدام في روسيا إلى الواجهة بعد هجوم إرهابي في موسكو أسفر عن مقتل 140 شخصاً، مما أثار جدلاً بين مؤيدي إعادتها كرادع ومعارضين يرونها غير إنسانية.
- تواجه روسيا تحديات قانونية ودستورية تحول دون إعادة تفعيل عقوبة الإعدام، حيث أكدت المحكمة الدستورية ورئيسها ضرورة إصدار دستور جديد لإلغاء تعليق العقوبة.
- عقوبة السجن المؤبد تعتبر الحد الأقصى للعقوبات في روسيا للجرائم الخطيرة، مع تجنب الإعدام للأخذ بعين الاعتبار الأخطاء المحتملة في التحقيقات وإتاحة فرصة التوبة، بينما تظل بيلاروسيا الدولة الوحيدة في المنطقة التي تطبقها.

عاد النقاش حول تطبيق عقوبة الإعدام في روسيا على خلفية الهجوم الإرهابي على قاعة "كروكوس سيتي هول" للحد من هجمات مماثلة، وهو ما لا يزال موضع خلاف.

منذ واقعة الهجوم الإرهابي على قاعة العروض "كروكوس سيتي هول" على أطراف موسكو في 22 مارس/ آذار الماضي، والذي راح ضحيته نحو 140 قتيلاً، لم يتوقف الجدال في روسيا بسبب تعالي الأصوات المنادية بإعادة تفعيل عقوبة الإعدام بين من يرون فيها عاملاً رادعاً لمن يفكر في ارتكاب جريمة بالغة الخطورة وآخرين يعتبرونها ممارسة غير إنسانية لا تساهم في الحد من ارتكاب الجرائم. 
وبعد الهجوم الإرهابي، انهال سيل من المقترحات من بعض السياسيين الروس لإعادة تفعيل عقوبة الإعدام، وكان في طليعتهم نائب رئيس مجلس الأمن الروسي والرئيس السابق، دميتري مدفيديف، الذي عُرف سياسياً ليبرالياً في سنوات رئاسته من عام 2008 إلى عام 2012، متحولاً بعد بدء الحرب الروسية في أوكرانيا في عام 2022 إلى أحد أبرز أنصار الخط المتشدد.
وفي وقت لاحق، صرح رئيس كتلة حزب "روسيا الموحدة" في مجلس الدوما (النواب) الروسي، فلاديمير فاسيلييف، بأن المجلس سينظر في قضية تطبيق عقوبة الإعدام في قضايا الإرهاب، معتبراً أن "القرار المتخذ سيلبي تطلعات المجتمع"، فيما أعربت مستشارة النائب العام الروسي، ناتاليا بوكلونسكايا، هي الأخرى عن دعمها لإلغاء الحظر المفروض على عقوبة الإعدام.
مع ذلك، لا يمكن للدوما ومجلس الاتحاد تجاوز قرار المحكمة الدستورية بشأن عقوبة الإعدام، وفق ما أشار إليه رئيس لجنة القانون الدستوري وبناء الدولة في مجلس الاتحاد، أندريه كليشاس. كما سبق لرئيس المحكمة الدستورية، فاليري زوركين، أن أكد في عام 2022 أنه من وجهة النظر القانونية، لا يجوز إلغاء تعليق عقوبة الإعدام في روسيا إلا عن طريق إصدار دستور جديد.

جدل قانوني وحقوقي

ثمة جدال حول الآلية القانونية الواجب اتباعها لإعادة تفعيل عقوبة الإعدام التي لا يزال يتضمنها القانون الجنائي الروسي، رغم تعليق تطبيقها حين انضمت موسكو إلى مجلس أوروبا عام 1996 واستمرت في عضويته حتى الانسحاب منه إثر تدهور علاقاتها بصورة غير مسبوقة مع الغرب مع بدء حربها المفتوحة في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022.

ويجزم المحامي دميتري أغرانوفسكي بأن موقف المحكمة الدستورية لا يشكل سوى عقبة فنية يمكن تجاوزها على ضوء تغير الظروف الجيوسياسية، معتبراً في الوقت نفسه أن تطبيق عقوبة الإعدام يجب أن يقتصر على حالات استثنائية حتى يكون وسيلة ردع لا ممارسة عامة.
ويقول أغرانوفسكي الذي تقارب خبرته في مجال المحاماة ثلاثة عقود، في حديث لـ "العربي الجديد": "موقف المحكمة الدستورية ليس سوى عقبة فنية يمكن تخطيها نظراً إلى تغير الظروف الجيوسياسية بعدما أصبحت البلاد في حالة نزاع خارجي. أعتقد أنه لا بد من تفعيل عقوبة الإعدام على أن تقتصر على حالات استثنائية حتى تصبح عاملاً رادعاً يحول دون وقوع جرائم فائقة الخطورة". 
ويستشهد بنص المادة 43 من القانون الجنائي الروسي التي تلخص أهداف العقوبات في استعادة العدالة الاجتماعية ومنع وقوع جرائم جديدة، موضحاً: "أضع نفسي محل ذوي ضحايا هجوم كروكوس، وبصراحة لا أرى سبيلاً آخر لتحقيق العدالة إلا بتطبيق الإعدام في حق الجناة". ويذكّر بأن الإعدام هو واحد من أقدم العقوبات على الإطلاق في التاريخ، آسفاً لكونه عقوبة أثبتت فاعليتها، ولذلك لا يزال تعتمدها العديد من دول العالم، وفق اعتقاده.
من جهة أخرى، يرى المحامي دميتري دينزه أن الدعوات إلى إعادة تفعيل عقوبة الإعدام لا تستند إلى أي دراسات تؤكد جدواها في الوقاية من حدوث جرائم بالغة الخطورة، بل لا تنبع إلا من مشاعر الكراهية حيال مرتكبيها. ويقول لـ "العربي الجديد": "من يدعو إلى تطبيق عقوبة الإعدام لا يشعل سوى الكراهية والبغض من دون جلب أي نفع، ولا يستند في دعواته إلى أي دراسات رغم أن أبحاثاً عديدة تظهر أن خطر الإعدام لا يثني مرتكبي الجرائم بالغة الخطورة. تطبق روسيا عقوبة السجن المؤبد، ويؤدي الصادرة في حقهم مثل هذه الأحكام العقوبة في ظروف بالغة القسوة". ويلفت إلى أنه "من وجهة نظر إنسانية، يجب ترك المجال لأي شخص للتوبة، كما أنه في حال حدوث خطأ عند التحقيقات، لن يتسنى تداركه في حال أعدم المدان".

ما بقي من قاعة "كروكوس سيتي هول" إثر الهجوم (Getty)
ما بقي من قاعة "كروكوس سيتي هول" إثر الهجوم (Getty)

ويقلّل من أهمية مزاعم المروجين لدعوات الاسترشاد بالولايات المتحدة التي تطبق عقوبة الإعدام، مضيفاً: "يتطلب تطبيق عقوبة الإعدام التزاماً بمعايير عالية للغاية للعدالة وتشكيل الوعي القانوني. وفي الولايات المتحدة، هناك فترة زمنية طويلة تمر بين صدور الحكم وتطبيقه، وتمتد في بعض الأحيان إلى عقود".

المؤبد عقوبة قصوى

تتجدد في المجتمع الروسي مناقشة مسألة إعادة تفعيل عقوبة الإعدام، بعد حدوث جرائم تثير ضجة كبيرة في الرأي العام في حال أسفرت عن سقوط ضحايا أطفال، أو جرائم قتل جماعية، لكنها تظهر في كل مرة انعدام الإجماع في هذه المسألة. وحالياً، يحكم على من ينجو من بين المشاركين في الأعمال الإرهابية بالسجن لفترات طويلة بما يصل إلى السجن المؤبد، وهي العقوبة القصوى المطبقة حالياً.
وحكم على منفذي تفجير مترو سانت بطرسبورغ في 3 إبريل/ نيسان 2017 بالسجن لفترات تراوحت ما بين 19 عاماً والمؤبد. وصدرت في حق ستة من معاوني المشاركين في احتجاز رهائن المسرحية الموسيقية "نورد أوست" في منطقة دوبروفكا بالقرب من وسط موسكو في عام 2002 أحكاماً بالسجن لفترات ما بين 8.5 أعوام و22 عاماً. وأدين حينها رائد شرطة يدعى إيغور أليامكين على خلفية استخراجه أوراق تسجيل بمحل الإقامة بصورة غير قانونية للإرهابية لويزا باكويفا التي شاركت في احتجار الرهائن.

قضايا وناس
التحديثات الحية

أما القضية الجنائية في حق المنفذين المباشرين للعمل الإرهابي في دوبروفكا، فأغلقت بسبب مقتلهم أثناء اقتحام المسرح. والإرهابي الناجي الوحيد من احتجاز الرهائن بالمدرسة رقم 1 في بيسلان في سبتمبر/ أيلول 2004، وهو شيشاني يدعى نور باشا كولايف، حكمت عليه المحكمة العليا في جمهورية أوسيتيا الشمالية بالسجن المؤبد. مع ذلك، قال القاضي أثناء النطق بالحكم إن المجرم جدير بعقوبة الإعدام. وفي عام 2016، طلب كولايف من المحكمة تخفيف العقوبة وتحديدها بمدة معينة، ولكن طلبه قوبل بالرفض. ويؤدي المدان العقوبة في الإصلاحية رقم 18 "البومة القطبية" ذات النظام الخاص في مدينة خارب في دائرة يامالوـ نينتس ذاتية الحكم في أقصى شمال روسيا، وهي الإصلاحية نفسها التي توفي فيها المعارض السياسي، مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، أليكسي نافالني، في منتصف فبراير/ شباط الماضي.
وعلق الرئيس الروسي الراحل، بوريس يلتسين، عام 1996 تطبيق عقوبة الإعدام، وهو قرار أكدته المحكمة الدستورية عام 2009. ورغم توقف روسيا عن إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها، لكنه لم يستبعد من قانونها الجنائي، في وقت يطالب بعضهم بالعودة إلى تطبيقها بعد حوادث إرهابية وجرائم مروعة أخرى.
وتعتبر المادة 59 من القانون الجنائي الروسي عقوبة الإعدام "إجراءً استثنائياً ينطبق على جرائم بالغة الخطورة تشهد اعتداءات على الحياة" علماً أنها لا تطبق على نساء وقصّر ورجال فوق سن الـ 60 عاماً.
وحالياً، تعتبر بيلاروسيا الدولة الوحيدة في أوروبا والجمهوريات السوفييتية السابقة التي تطبق عقوبة الإعدام على أرض الواقع، وذلك عبر الرمي بالرصاص وسط تعتيم كامل وعدم تسليم جثث المعدومين إلى ذويهم. كما أنها مع الولايات المتحدة البلدان الوحيدان في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) اللذان يستمران في تطبيق الإعدام.

المساهمون