روسيا: هجوم كروكوس يُوقظ الإسلاموفوبيا

روسيا: هجوم كروكوس يُوقظ الإسلاموفوبيا

29 مارس 2024
بعد الهجوم الإرهابي على كروكوس (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في رمضان هذا العام، شهدت روسيا هجومًا إرهابيًا داميًا في "كروكوس سيتي هول" بضواحي موسكو نفذه مسلحون من طاجكستان، مخلفين نحو 140 قتيلاً، مما أثار حزنًا عميقًا بين المسلمين هناك.
- تبنى تنظيم "داعش خراسان" المسؤولية عن الهجوم، مما أثار مخاوف من تفاقم الإسلاموفوبيا واستغلال الحادث لمضايقة المسلمين، بينما أظهرت الأحداث قدرة السكان على التوحد وتبرع أكثر من 24 ألف شخص بالدم لمساعدة المصابين.
- على الرغم من المخاوف، هناك توقعات بأن الهجوم لن يؤدي إلى موجة كبيرة من الإسلاموفوبيا، لكنه يثير أسئلة حول ضرورة تنظيم حركة الهجرة ويعكس التحديات المعقدة التي تواجه روسيا في التعامل مع التنوع الثقافي والديني.

تختلف الأجواء الرمضانية التي يعيشها مسلمو روسيا خلال العام الجاري عن أي وقت مضى، وبات الحزن يخيم على تجمعاتهم بعد الهجوم الإرهابي الذي نفذه مسلحون يتحدرون من جمهورية طاجكستان السوفييتية السابقة، واستهدف قاعة العروض "كروكوس سيتي هول" في ضواحي موسكو، وأسفر عن سقوط نحو 140 قتيلاً في ما يعد أعنف عمل إرهابي يقع داخل الأراضي الروسية منذ قرابة عقدين.
وبموازاة تبني تنظيم "داعش خراسان" المسؤولية عن الهجوم الذي وقع بعد نحو ساعة على موعد الإفطار يوم الجمعة الماضي، يتخوف مسلمو روسيا من أن تؤدي الواقعة إلى تفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) وتوفر ذريعة لحركات اليمين القومية وأرضية لمضايقتهم، فيما بدأت تتعالى أصوات مطالبة بفرض قيود على حركة الهجرة من الجمهوريات السوفييتية السابقة ذات الغالبية المسلمة.  
يقول مفتي موسكو إلدار علاء الدينوف إن واقعة "كروكوس" جرحت قلوب مسلمي روسيا خلال شهر رمضان، معتبراً في الوقت نفسه أن الإسلاموفوبيا هي أداة تستخدم لتدمير الأسس الروحية والأخلاقية للمجتمع. ويقول لـ"العربي الجديد": "أثارت فاجعة كروكوس سيتي هول ألماً في قلوب المؤمنين، ومن الصعب الاستيعاب أن الواقعة حدثت خلال شهر رمضان. وفي مرات كثيرة، أقامت الإدارة الدينية لمسلمي موسكو فعاليات دينية وتثقيفية بقاعة عروض كروكوس سيتي هول بحضور ما لا يقل عن 6 آلاف مشارك من المسلمين في كل مرة. لذلك، تأثر مسلمو العاصمة بالفاجعة وكأنها شخصية".
ويأسف لتحول مثل هذه الحوادث المأساوية إلى ذرائع لإشعال الفتنة بين الأديان والقوميات في روسيا، مضيفاً: "لا تزال هناك مظاهر للإسلاموفوبيا وستظل كونها أداة تستخدم لتدمير الأسس الروحية والأخلاقية لبلادنا".
مع ذلك، يلفت إلى أن أحداث "كروكوس" بينت أيضاً قدرة السكان بصرف النظر عن ديانتهم على توحيد جهودهم في الأوقات الصعبة من جهة معاونتهم بعضهم بعضاً، ضارباً مثلا على ذلك بمشاهد اصطفاف الطوابير للتبرع بالدم. وتشير بيانات الوكالة الفيدرالية الروسية للطب البيولوجي إلى أن أكثر من 24 ألف شخص من 86 إقليماً روسياً تبرعوا بالدم لإغاثة مصابي هجوم "كروكوس".
من جهته، يتوقع عضو مجلس العلاقات بين القوميات التابع للرئاسة الروسية بوغدان بيزبالكو ألا يثير هجوم كروكوس موجة كبيرة من الإسلاموفوبيا، مقراً في الوقت نفسه بأن الواقعة تفرض أسئلة بشأن ضرورة تنظيم حركة الهجرة إلى البلاد.

ويقول بيزبالكو في حديث لـ"العربي الجديد": "كنّت روسيا دائماً احتراماً لجميع الشعوب والقوميات والأديان، ولكن العمل الإرهابي الذي نفذه أبناء للشعب الطاجيكي سيطرح بعض الأسئلة على من يتولى السياسات في مجال الهجرة في البلاد".
ويقر بوجود مخاوف لدى الروس من تزايد حصة السكان من أصول أجنبية، مضيفاً: "لا أرجح صعودا لموجة الإسلاموفوبيا، ولكن هناك مخاوف من أن يحل المغتربون الوافدون من آسيا الوسطى محل السكان المحليين، لا سيما على ضوء تزايد الحوادث بضلوعهم. ولا شك أن الهجوم الإرهابي الأخير سيفرض أسئلة حول حركة الهجرة الوافدة وأوضاع الجاليات".
يأسف الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية المستشرق كيريل سيميونوف لما يعتبره نجاحاً لمدبري هجوم كروكوس في نسف السلام المجتمعي في روسيا وتحريض الحركات القومية على المسلمين. ويقول سيميونوف الذي يعتنق الإسلام، في حديث لـ "العربي الجديد": "كان من أهداف العمل الإرهابي نسف السلام المجتمعي وتحريض الحركات القومية الأكثر راديكالية على استهداف المهاجرين والمسلمين، وربما نجح المدبرون في إثارة موجة من الإسلاموفوبيا".

أدى الهجوم إلى زيادة الخوف من المسلمين (صفا كاراخان/ الأناضول)
أدى الهجوم إلى زيادة الخوف من المسلمين (صفا كاراخان/ الأناضول)

مع ذلك، يعتبر أن الروس يتفهمون أن منفذي الهجوم الإرهابي ومدبريه لا يمتون إلى الإسلام بصلة، مضيفاً: "هناك قناعة سائدة بأن الجهة التي تقف وراء الهجوم هي إما أوكرانيا وإما طرف آخر لا علاقة له بالإسلام". وتحولت قضية الهجرة الوافدة في الأيام الأخيرة إلى الشغل الشاغل لمواقع التواصل الاجتماعي، وسط تزايد الدعوات إلى وضع قيود صارمة على تدفق المهاجرين. وفي منشور بعنوان "هل هناك قومية لإرهابيي كروكوس سيتي؟" نشره على قناته على "تليغرام"، تناول المراسل الحربي لـ"صحيفة كومسومولسكايا برافدا" ألكسندر كوتس دلالات انحدار المنفذين من طاجكستان، معتبراً أن ضعف تنظيم حركة الهجرة الوافدة شكل قنبلة موقوتة كانت ستنفجر عاجلاً أم آجلاً. وكتب كوتس البالغ عدد متابعي قناته نحو 580 ألفاً: "حدث ما كنت أحذر منه على مدى السنوات الـ15 الماضية. كل مرة توجهت فيها في مهام صحافية إلى مدن روسية شهدت انفجارات اجتماعية بسبب توترات إثنية، حذرت من أن هذه قنبلة موقوتة ستنفجر عاجلاً أم آجلاً. لا نواجه (ثورة ملونة)، ولكن نموذج التعددية الثقافية الأوروبية أظهر أن ضعف السياسات في مجال الهجرة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة". أضاف: "أدت حركة الهجرة العشوائية إلى روسيا، على مدى سنوات طويلة، مجتمعة مع انعدام العمل على اندماج الوافدين، إلى إنشاء التجمعات والبنية التحتية القومية، بدءاً من صالونات حلاقة وعيادات أسنان وصولاً إلى نوادي فنون قتال ومساجد غير قانونية وحركات ثقافات فرعية مغلقة، وذلك كله ضمن واقع قانوني ومالي مواز، ولكن هذا العالم يتقاطع مع عالمنا في أحيان كثيرة".             

وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، لا يجد ملايين الشباب بديلاً عن التوجه إلى روسيا، التي لا تفرض عليهم تأشيرات الدخول، بحثاً عن مصدر رزق وحياة أفضل، مساهمين بتحويلاتهم المالية بحصة مهمة من الناتج المحلي الإجمالي لبلدانهم الأصلية، ولكن خالقين أيضاً بؤر توتر إثنية في البلد المضيف. والإسلام هو الديانة الثانية الأكثر انتشاراً في روسيا بعد المسيحية الأرثوذكسية، إذ يقدّر عدد المسلمين فيها بنحو 20 مليوناً تتركز غالبيتهم في جمهوريات شمال القوقاز وتتارستان وبشكيريا، بالإضافة إلى موسكو التي يقطنها مليونا مسلم على الأقل، بمن فيهم المغتربون القادمون من الجمهوريات السوفييتية السابقة، وفي مقدمتها أوزبكستان وطاجكستان وقرغيزستان. وفي شهر رمضان، تنظم الإدارات الدينية لمسلمي روسيا موائد إفطار ومختلف الفعاليات الثقافية، ولعل من أبرزها الخيمة الرمضانية المقامة سنوياً في حرم المسجد التذكاري بتل بوكلونايا غورا بالقرب من وسط موسكو، التي لا تقدم وجبات إفطار مجانية فحسب، بل تطلع روادها على تاريخ الشعوب المسلمة داخل روسيا وخارجها، وتشارك فيها بعض الدول العربية مثل السعودية وتركيا وقطر.

المساهمون