الاستثناء التونسي: ثورة فعل مستمر للإصلاح

الاستثناء التونسي: ثورة فعل مستمر للإصلاح

02 يوليو 2015
تمثل تونس الاستثناء بين بلدان الربيع العربي (Getty)
+ الخط -
كثيرة هي الأشياء التي تجمع عبير ونادية وسيف الدين، أبرزها إيمانهم بالثورة التونسية التي انطلقت في 17 من ديسمبر/ كانون الأول سنة 2010، لكن تجمعهم، أيضاً، ضبابية الصورة الخاصة والعامة للبلاد على الرغم من مسحة التفاؤل الممزوجة بتردد وحيرة. يمكن تلخيص حديثهم لـ "جيل العربي الجديد" عن المستقبل، في مراوحة بين الشكوك والتساؤلات والقتامة طوراً والتفاؤل والاعتقاد بـ "الاستثناء التونسي" طوراً آخر.

وضع صعب

تقول عبير بوعزيزي، وهي طالبة جامعية في العاصمة التونسية، لـ "جيل العربي الجديد" إن "العمل في تونس غير متاح وإنها تميل إلى البحث عن عمل خارج البلاد متى أتمت دراستها". تشاطرها الرأي الطالبة نادية الفالح، أصيلة محافظة بنزرت في الشمال التونسي، التي تؤكد حجم الصعوبات التي يجدها أصحاب الشهادات العليا في تونس خلال رحلة بحثهم عن عمل لائق. وهكذا يرى جزء كبير من الشباب التونسي مستقبله خارج حدود البلاد، في اتجاه القارة الأوروبية أو بلدان الخليج أساساً. ويُترجم ذلك من خلال ارتفاع عدد "رحلات الموت" عبر البحر المتوسط خلال العشرية الأخيرة وتعدد الاحتجاجات المطالبة بالتشغيل. 
تُفسر هذه الحالة من الإحباط بأن جزءاً مهماً من الشباب التونسي لم يلمس انعكاساً إيجابياً للثورة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، خلال الأربع سنوات الأخيرة، وهذا ما دعّم الإحساس بأن المستقبل الزاهر لا يبنى في تونس بل خارجها، لكن تجربة الديمقراطية والحرية والتعددية التي عاشها شباب تونس ساهمت في بعث الأمل فيهم على الرغم من كل الانتكاسات التي عرفتها البلاد وثورتها، حسب كثيرين.


وتعتبر نسبة البطالة والتي كانت قادحاً مهما للثورة مرتفعة، خصوصاً في صفوف أصحاب الشهادات العليا إذ يتجاوز معدلها في المناطق الغربية للبلاد 25 في المائة وتتراوح بين 31 و57 في المائة بالنسبة لخريجي الجامعات خلال سنة 2014 في محافظة سيدي بوزيد على سبيل المثال، كما أنها تصل إلى قرابة 42 في المائة لدى النساء خلال السنة نفسها.
وتعاني تونس من وضع صعب على المستوى الاقتصادي، إذ تفاقمت المديونية الخارجية وتراجع سعر صرف الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية، كما تفاقم عجز الميزان التجاري. وإلى جانب العوائق الاقتصادية، برزت المشاكل الأمنية المتصلة بظهور الجماعات المسلحة، التي شنت عمليات عديدة داخل التراب التونسي، مما زعزع الأمن الداخلي وساهم في تنفير المستثمرين الأجانب.

استثناء هش

وعلى الرغم من عدم تفاؤلها الواضح، ترى الطالبة عبير بوعزيزي أن تونس تمثل "الاستثناء" مقارنة بكل الدول العربية وبلدان الربيع العربي. وتضيف في حديثها لـ "جيل العربي الجديد"، أن "تونس هي البلد الذي خرج بأخف الأضرار خاصة في ما يتعلق بتخطي مشاريع عرقلة الربيع العربي بمساع انقلابية سياسية ودموية أو بصراعات داخلية".
من جانبه، يعتقد سيف الدين البريكي، وهو طالب جامعي حاوره "جيل العربي الجديد"، أن "الاستثناء التونسي هش ويمكن أن ينتكس في أي لحظة"، لكن الشاب التونسي الذي ساهم في التحركات الاحتجاجية أثناء الثورة يعتبر ما حققه المسار السياسي في بلده دون مستوى الآمال التي علقها الشباب مطلع 2011.

ولا يعول طيف واسع من الشباب التونسي على الأحزاب والنخب السياسية التي تقود الحياة السياسية في بلاده. تفسّر عبير البوعزيزي ذلك بأنها "كغيرها من الشباب لم تلمس استراتيجية واضحة لدى أي حزب للخروج من المأزق الذي تعيشه البلاد". كما أن الأحزاب لا تتقيد بوعودها التي قطعتها مع الناخبين أثناء الحملات الانتخابية وفق رأيها.
أما سيف الدين البريكي فيرى أن "ضعف النخب السياسية في تونس ساهم في انتشار حالة من الغبن الاجتماعي"، كما أن الإشكالات الحاصلة في الدول المجاورة لتونس انعكست على الوضع الداخلي للبلد.

المستقبل ثورة

تسببت الصعوبات التي تمر بها تونس في نشر حالة من اليأس والإنكار للثورة لدى شرائح واسعة من الشباب، لكن عبير البوعزيزي ترى أن "الثورة ليست فعلاً ينتهي بتاريخ محدد، وإنما هي صيرورة لا تتوقف إلا ببلوغ الهدف والثورة مستمرة والمستقبل ثورة".
وعن دورها في المستقبل، تقول عبير إنها "لن تكتفي بالمتابعة وستواصل اندماجها في مختلف أنشطة المجتمع التونسي آملة أن تساهم في إصلاح تونس المستقبل".
يوافق سيف الدين عبير مؤكداً أنه "لم يؤمن يوماً بما وصفه بالاستقرار الكاذب الذي كان يروج له نظام بن علي". قناعته هذه ستجعله مسانداً دائماً خيار الثورة في الحاضر والمستقبل حسب تعبيره، لكنه لا يخفي قناعته بأن دوره ضئيل جداً في التغيير والمساهمة في صناعة مستقبل بلده. ويفسر سيف الدين ذلك بأن "البلد يدار من حزبين وأحيانا ينحصر القرار في شخصين في ظل غياب للمؤسسات كما أن الشباب مغيب عن صنع القرار".
أما الطالبة نادية الفالح فتبدو أكثر تشاؤماً، إذ ترى أن الشعب التونسي "لا يحب العمل ولا الاجتهاد …" وتقول "إن هذه العقلية ستتسبب في تعطيل عملية الإصلاح التي ستستغرق وقتاً طويلاً جداً".

وأعادت التحركات الاحتجاجية والمطلبية المتواصلة في تونس، منذ أشهر، إلى السطح التساؤلات بشأن إمكانية قيام ثورة ثانية إذا لم تتحقق مطالب وأهداف ثورة يناير 2011.

(تونس)

المساهمون