سكن الطالبات في الأردن.. صعوبات التكيف وقسوة اجتماعية

سكن الطالبات في الأردن.. صعوبات التكيف وقسوة اجتماعية

01 يناير 2015
لا تتوقف التعليقات من الشباب الذين يجتمعون أمام السكن(Getty)
+ الخط -

لم تحسب وفاء البرغوثي حساب ما يخبئه لها الزمن من لقب ألصقه بها وبكثيرات مثلها مجتمع اعتاد أن يثبت كل يوم صفته الذكورية، فلم تحسب أن الأربعة أعوام التي عاشت خلالها في سكن للطالبات سيجعلها ضحية لقب "بنت السكن". فلقب "بنت السكن" الذي يحمل في طياته اتهاما من دون وجود أي وجه حق لدواعيه، يوجه لكثير من الطالبات اللواتي يعشن في سكنات خاصة للطالبات في مختلف المحافظات الأردنية. وهو واحد من الألقاب التي تكشف الغطاء عن النظرة للفتيات الأردنيات اللواتي يعشن بعيدا عن عائلاتهن، حتى لو كان بسبب الدراسة الجامعية فقط.

وتروي البرغوثي قصة لقب "بنت السكن" التي ما تزال تعيش معها، رغم مرور أكثر من ثلاثة أعوام على تخرجها من جامعة اليرموك في محافظة إربد شمال الأردن، مبينة أن هناك نظرة مجتمعية قاسية في الأردن لكل فتاة تعيش خارج منزل ذويها، حتى لو كان لغايات دراسية. "مجتمعنا اعتاد على توجيه كيل الاتهامات للطالبات اللواتي يعشن في سكنات، من دون أن يكلف أي شخص جهده في البحث وراء هذه الأسباب التي ترغمنا أن نعيش خارج منازل عائلاتنا، وكأننا نكون سعداء أصلا ونحن لسنا معهم".

وتعود أسباب صفة "بنت السكن" التي تسند لكثير من الطالبات، بحسب البرغوثي، إلى أنها تعبير عن حالة الرفض المجتمعي للطالبة المستقلة، من خلفها أفكار تنتقد الفتاة التي تتحرك بحرية بعيدا عن أهلها وتعيش باستقلالية عنهم، و"بتطلع وبتيجي زي ما بدها ولا حدا داري عنها"، بحسب ما يقال.

فالفتاة "محرّم عليها أن تعيش باستقلالية. هذا التخلف يجعل كل فتاة تعيش باستقلالية، حتى لو كانت الدواعي دراسية، منبوذة؛ لذلك ليس من الغريب أنني ما زلت أسمع لقب بنت السكن من المجتمع" تقول وفاء.

وتروي البرغوثي حادثة تعرضت لها قبل أكثر من عام، عندما جاء شاب لخطبتها، وعندما علم ذووه أنها كانت تعيش في سكن طالبات في محافظة إربد، بعيدا عن أهلها في العاصمة عمّان، رفضوا، بداعي أنها "بنت السكن".

النظرة المجتمعية القاسية لطالبات السكنات، واحدة من المشاكل الكثيرة التي تعاني منها الطالبات في الأردن، فهناك صعوبات إضافة إلى النظرة المجتمعية القاسية بحقهن، تتعلق بأنماط الحياة الصعبة في بعض السكنات.

فمواعيد الإياب إلى السكن، واحدة من المشاكل التي تعاني منها الطالبات، لا سيّما في السكنات الداخلية في الجامعات، خصوصا أن مواعيد الإياب تكون في أحيان كثيرة مبكرة جدا، ما يعرقل تدبير مستلزمات تحتاجها الطالبات، يصعب إنجازها؛ نظرا لضيق الوقت.

وهي واحدة من المشاكل التي تعاني منها الطالبة مي اللوزي، التي وبحسب روايتها "مضطرة إلى العيش في السكن الذي يتبع جامعة مؤتة في محافظة الكرك جنوب الأردن؛ نظرا لتواضع رسوم تكاليفه مقارنة بتكاليف رسوم السكنات الخاصة".

وتضيف اللوزي "إن إدارة السكن تشترط عودة الطالبات إليه الساعة الثامنة مساء في فصل الشتاء، والساعة التاسعة في فصل الصيف"، ذاهبة إلى أن "هذا التضييق في العودة إلى السكن يعرقل الكثير من الواجبات الخاصة للطالبات، وفي كثير من الأحيان لا يستطعن إنجازها".

وتضيف، أنه أحيانا تكون الطالبة خارج سكنها طوال النهار؛ نظرا لطول دوام محاضراتها في الجامعة، وما تبقى من ساعات قليلة لها يمنعها من إنجاز متطلبات خاصة بها، مثل شراء المواد التموينية.

فيما تعاني طالبات يعشن في سكن خاص للطالبات في العاصمة عمّان من مشاكل من نوع آخر، وهي التضييقات التي يتعرضن لها من سكان الشارع المتواجد فيه السكن، وهو ما يعرف بشارع الجامعة الأردنية.

ويعد شارع الجامعة الأردنية من أكثر الأحياء حيوية في العاصمة عمّان، حيث تتواجد فيه نسبة عالية من المطاعم والمقاهي، خصوصا تلك المقاهي المخصصة للشباب دون الفتيات.

وهذه إحدى الصعوبات التي تعاني منها طالبات السكنات في تلك المنطقة، حيث رصد "جيل العربي الجديد" آراء خمسة من الطالبات اللواتي يسكنّ هناك، وجميعهن أجمعن على أنهن يتعرضن لمضايقات من شباب في تلك المنطقة.

وتقول إحداهن: "أسوأ وقت في يومي عندما أخرج من السكن، خصوصا مساء، حيث من اللحظة التي أخرج فيها من مبنى السكن لا تتوقف التعليقات من الشباب الذين يجتمعون أمام السكن؛ سواء في سياراتهم أو على شكل مجموعات خارج سياراتهم". وتضيف: "قدمنا شكوى أكثر من مرة للشرطة، وكانوا باستمرار يلبوا شكوانا، لكن بعد فترة وجيزة يعود الحال كما كان في السابق، وكأنه لا حياة لمن تنادي". وتستكمل: "هذه المضايقات تمنعني وكثيرات من زميلات لي في السكن من الخروج في ساعات المساء، حتى لو كنا مضطرات لذلك؛ تحسبا وخوفا من المضايقات اللفظية التي من غير المستبعد أن تتحول إلى أكثر من ذلك".

من جانب آخر لا تنحصر المشاكل التي تعاني منها طالبات السكن فيما يحدث خارج جدران سكناتهن فقط، بل تطالهن أيضا داخل تلك الجدران، بحسب مشرفة واحدة من سكنات الطالبات الخاصة في العاصمة عمّان، مروة المالحي.

وتشير المالحي إلى أن مهنة الإشراف على سكن الطالبات، واحدة من أصعب المهن، موضحة أن سكنات الطالبات هي بمثابة حاضنة لفتيات من مختلف البيئات المجتمعية ومختلف الطباع، الأمر الذي يخلق حالة من الصعوبة في إمكانية المزج بين هكذا خليط.

وتستعرض المالحي جملة من هذه المشاكل التي تحدث داخل أروقة سكنات الطالبات، مشيرة إلى أن هناك طالبات يجدن صعوبة في الاندماج مع زميلات لهن، وذلك، بحسب قولها، يعود إلى اختلافات في خلفياتهن الأسرية والاجتماعية.

هذه "الفجوة" بين بعض الطالبات تحفز عدم التناغم والتباين بينهن، الأمر الذي تضطر فيه إدارة السكن إلى الفصل بينهن في الغرف، خصوصا أن هناك الكثير من المشاكل التي تحدث وأدت في أحيان كثيرة إلى تدخل أهالي الطالبات والطلب من إدارة السكن الفصل بينهن.

مشاكل أخرى تعاني منها طالبات السكنات، كما تضيف المالحي، وهي صعوبة التأقلم، خصوصا في المرحلة الأولى من حياتهن في السكن، مع شعور الاستقلالية، لا سيّما فيما يتعلق بتدبير شؤونهن الخاصة من تحضير الطعام وتنظيف ملابسهن.

وتضيف: "المشاكل في سكنات الطالبات لا تنتهي، سواء داخل السكن أو ما يتعرضن له في الخارج، لكن التحدي الأبرز هو القضاء على النظرة المجتمعية القاسية تجاههن"، في إشارة إلى صفة "بنت السكن" التي تلتصق بهن.

المساهمون