سكان مصر "هبة النيل" يعانون من العطش

سكان مصر "هبة النيل" يعانون من العطش

05 اغسطس 2015
النيل الملوث ينكب المواطنين (Getty)
+ الخط -
قديماً، قال المؤرخ اليوناني، هيرودوت، أن مصر هبة النيل، ليسجل إعجابه الشديد بالنيل في المحروسة. لكن هل فعلاً مصر هي هبة النيل؟ وإن كانت كذلك فهل استطاعت الحكومات والأنظمة المتتالية أن تستغل تلك الهبة؟ أم أن الأمر كله محض أوهام حاولت الحكومات أن تتباهى به أمام العالم في حين يعاني الشعب من العطش والمرض؟

وبالقرب من منزله بقرية "مشلة" الواقعة على ضفاف النيل والمعروفة إعلامياً بقرية "السرطان"، يقف سيد أبو ليلة، عامل يومي، رافعاً "جركن" مياه (إناء لتعبئة المياه)، منتظراً أن تأتي عربة تبيع المواطنين المياه الصالحة للشرب مقابل خمسة جنيهات للجركن الواحد. ويقول سيد: "فعلاً مصر هبة النيل وأم الدنيا، وسيناء أرض الفيروز، والإسكندرية عروس البحر المتوسط، والصعيد أرض الخير، لكن ليس للفقراء، بل للكبار فقط."

اقرأ أيضا: اقتصاد العطش... مصر نموذجاً

يظهر مقصد سيد جلياً حين الاطلاع على مأساة أهالي القرية، الذين يعانون من الموت البطيء نتيجة تلوث مياه الشرب من جهة، واختلاط مياه الصرف الصحي بمياه ري الأراضي الزراعية. في نفس الوقت، تقع على الجانب الآخر من النيل فيلات وشاليهات وقصور وفنادق خاصة بالمسؤولين في الدولة ورجال الأعمال.

"كيف يمكن أن تكون مصر هبة النيل وأكثر من نصف سكانها يعانون من العطش وندرة المياه؟"، بهذا التساؤل يبدأ الباحث في مركز الأرض لحقوق الإنسان، عبد المولى السيد، حديثه عن الأوهام الاقتصادية التي رسخت في عقول المصريين على مدار مئات السنوات الماضية.

يشير عبد المولى إلى أن دراسة حديثة أجرتها مجموعة "مين بحب مصر" وجدت أن 50% من قرى مصر محرومة من مياه النيل. وأن هناك ما يقرب من 80% من السكان لا تصلهم مياه صالحة للشرب. ويضيف في حديث مع "العربي الجديد" أنه "للأسف هناك مجموعة من الأوهام، التي تتم صياغتها عن بلدان لا تعرف شعوبها عنها شيئاً". ويوضح ذلك بمقولة أن مصر "أم الدنيا"، إذ "كيف لدولة يقال عنها أم الدنيا أن يعاني أبناؤها من الموت جوعاً؟ وكيف لدولة يقال إنها بلد الاستقرار والتنمية أن تنهار بها الصناعة والزراعة والاقتصاد، وينتشر بها الفساد بهذه الطريقة؟".

اقرأ أيضا: الفقر "أُمُّ الأزمات" في مصر ولو بعد عشر سنوات

يؤكد عبد المولى أن استثمارات الدولة في مياه النيل في انهيار مستمر، وأن الدولة رفعت يدها وتركت توليد الكهرباء من مياه النيل فريسة سهلة لصندوق النقد الدولي وغيره من المشاريع الأجنبية، التي تلوث مياه النيل لإنتاج الكهرباء، ثم ترفع الأسعار على فقراء المصريين، وتتركهم أياماً ولياليَ يعيشون في الظلام الدامس.

يعدد عبد المولى أشكال إهدار ثروة النيل من قبل الحكومة، فيقول إنه "على سبيل المثال لا الحصر الدولة تركت التماسيح تتزايد في مياه النيل في بحيرة ناصر خلف السد العالي، ففاقت أعدادها 30 ألف تمساح، يلتهم الواحد منها 20 كيلوغراماً من أجود الأسماك في العالم يومياً، مما يعني إهدار 60 طنّاً من الأسماك يومياً، هي مصدر رزق صيادي بحيرة ناصر. إضافة إلى أنها تمثل إهداراً للدخل القومي، الذي تنفق منه الحكومات لاستيراد 135335 طن من الأسماك بقيمة 795 مليون دولار سنوياً".

اقرأ أيضا: ضريبة الفول: هدية النظام المصري لآكلي "الفراخ"

بدوره، يقول أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية التجارة جامعة عين شمس، عبد المجيد علي، إن الرقعة الزراعية في مصر تتآكل بصورة مرعبة. يدل على ذلك بضياع 12 ألف فدان سنوياً بسبب نقص المياه والتصحر. ويضيف أن خسائر مصر الاقتصادية من إهدار مياه النيل، لا يمكن حسابها لأنها في الحقيقة تصيب جميع مناحي الحياة، بدءاً من الاضطرار لاستيراد الكهرباء والأسماك والمحاصيل من الخارج، مروراً بتصحر الأراضي الزراعية ونقص الغذاء، وانتهاء بكارثة يعاني منها المصريون يومياً وهي تسمم الأغذية والمياه، نتيجة اختلاط المياه بالصرف الصحي. ويشرح لـ "العربي الجديد" أن مصر تنفق سنوياً ما يزيد عن 4 مليارات جنيه لعلاج فيروس سي، وسببه تلوث مياه النيل.

دلالات

المساهمون