وكان يرى الخرابَ ماثلاً ..

وكان يرى الخرابَ ماثلاً ..

19 يوليو 2016
من أعمال روبير دولوني(Getty)
+ الخط -
حامد عبدالهادي بن عقيل، ولد جنوبي مدينة الطائف في 20 /7 /1974 . درس الأدب العربي بكلية اللغة العربية بجامعة أم القرى. تقلد عدة وظائف في مجالي التعليم والتربية. صدر له: قصيدتان للمغني / مرثيتان توغلان في دمي – دار الجديد ببيروت 1999، و"يوم الرب العظيم" عن دار الحداثة 2005.

كان صياداً ماهراً
مزاجه معتدل،
ويداه تعرفان ما يتوجب عليه فعله؛
لكن غزالاً وحيداً نَفَر من شِراكه
كان هذا في مقتبل العمر،
الفتيات هن من يكبرُ
فجأة ثم يختفين،
وبهذه النازلة لم يخبر
من أحاطوه طيلة سنوات عديدة
كانت أمه فضاءً محتَملا
ليبوح بسره القديم،
أو ما كان يسميه حقيقةً
ليست متداولةً على نطاق عام،
ثم زوجته
وحتى ابنته البكر،
استمر في صمته
وفي نصب شِراكه الملعونة
واحداً إثرَ آخر
وعندما بات على فراش الموت..
بكى.
***
يجمع الكرات من ملعب الحي
ذات يوم شاهد نصلاً يعبر خاصرته
سماه حبيبته
وقطف الكثير من اللوز
في طريقه الخالية من منزله
إلى ملعب الحي
كبُرَ
لكنه لا يزال ينزف
سبعون سنة، أو تزيد قليلا،
لم تضمّد جِرحه.
لم يكتشف أمره الا من أنزله إلى القبر
وكان رجلا صالحاً من رجال الحي
أقسم في تلك الليلة
أن دماً كان يسيل من الكفن،
ويتسرب إلى الأرض
وكان برائحة اللوز.
***
الغريقُ الذي انتشلوه ليلة البارحة
من حوض سباحة واسع وعميق
كانت يداه متعامدتين على صدره
ووشمه الصغير المنقوش
في آخر فقرة من فقرات ظهره
كان يعبّر عن مملكة تغرق.
الفتاة العقيم في قريتنا قالت إن هذا صغيرها،
وإن بحاراً اختطفه قبل ثلاثة أيام
وأضافت:
لم يكن كبيراً إلى هذا الحد
ويداه كانتا مبتورتين.
عجوزٌ في القرية المجاورة
أخبرت أحفادها أن هذا هو ملك نهاية الزمان
عاد من جديد
ليشعل حروباً لا نهاية لها..
وينتصر بعد أن يفني شعبَه المسكين.
جميعنا صدقناها
فقد كانت عينه اليمنى طافية
وفي فمه فراخ حمام مصاب بالجدري.
***
ما لا يجدرُ بي قوله الآن له علاقة
بالمجد
كيفية ولادة ملك بأذن وحيدة
عيناه شظايا حادة
ويحيك أغنيةً عن الفِطنة
يريد أن يسمعها ليلة تتويجه ملكا
على كل هذه الجثث.
إرادته عرجاء
لكن شيطاناً حزيناً
يؤيدُ طريقته في الضحك.
ليس تعريفاً مختصراً للمجدِ
ما ستنتهي إليه سيرته
ولا حتى أيقونة يتذكرُ
بها الشعبُ ما سيمر به من ويلات.
***
وقف صبيٌ جاوز الستين من عمره أمام السفن
التي تمر بميناء مشوّه الأرصفة
لم يكن قرصاناً،
لكنه كان يدّعي الشعرَ ويحلم بالخلاص
في قصيدته الأولى كتبَ عن الخرائب
رآها ماثلةً في كلّ الأزقة الضاجة بالحياة،
وفي قصيدته الثانية تحدّث عن رجلٍ،
لم يكن من فرقة الحشاشين،
كلما خرج من بيته دخل إلى المدينةِ
لكن قصيدتَه الأخيرة كانت حمراء
لا تشبه الحجرَ الأسودَ الذي نهبوه
كما أنها لا تمرّ بالحطيم؛
ولا بأيٍ من الأماكن المقدسة..
كانت مدينته بعيدة
وفيها أشلاء طيورٍ نارية
ومعاول صدئه..
نعم، في قصيدته الأخيرة صار اصطبلاً لذكرياتٍ ممزقة
وكان هو، وهنا مكمن الحكاية،
من يتحوّلُ في النهاية إلى مرفأ مهجور.
***
في مساء بعيد
كتبتْ فتاةٌ خرساء اسمَها على ساعد حبيبها.
في ابتسامتها رياحٌ وفي ثغرها قمح.
حين حطّ طائرٌ خرافيٌ على شفتيها
وجدَ حبيباً يروّض حصاناً نافقا
ووجد صيادا ينصب الشِراك الملعونة واحدا تلو آخر..
لكن ملكاً شديد الغموض لم يكن هناك
لم يبقَ من مملكته إلا سيرته الهشّة..

.........
مقاطع من "يوم الرب العظيم"

أكتب قصة للماء
يخالطني - أظن - ويعتري صفة ولوداً....

فتعلوه السنابل من جحيم الروح لا حمراء ولا صفراء

ولا خلواً من التعتيم.

.....

ها إنني علم

وكل قصائدي ألم

وفواصلي جثث يحيط بها الرواة مسربلين بغيّهم.

.......

كبياض الكفن

كان قلبك بالأمس أبيض

أبيض

أبيض

أيهذا البسيط - المطرز بالأبرح الأموي

......

وقد كنت هزجاً لقافية لا تمرر بهجتها للغريب

لتجعل منك

نهاراً من النور

أو مظنة من بهاء

أيهذا المنير

...

...



إنني وطن

إنني لثغة في شفاه الصبايا

وجع يستعيد زواياه

تغريبة للجنون

حين ترقى الطيور

أعود لنسيج يضيء

حالماً بالبياض

حالماً بالسواد يصير بعيداً

...



كفى حلماً..

حين يأتي المساء بغاراته

ستجود السنابل بالشعر

وسيكفي القليل من الماء

لنعلن أنه هنا!

والقليل من الضوء في وطن من بياض

لنفتح تاريخ أمتنا

......

في هذه الرقعة البيضاء التي تفصل مؤخرة

رأس عن كل الأفياء المضيئة والسارة

والنادرة الحدوث أيضاً

أكتب حقلي المجيد


*شاعر وناقد سعودي

دلالات

المساهمون