شركس روسيا يبحثون عن حفظ الهوية

شركس روسيا يبحثون عن حفظ الهوية

13 سبتمبر 2021
سائح يصوّر شركسية على ثور (ديميتري فيوكتيستوف/ Getty)
+ الخط -

يتمركز أبناء الجالية الشركسية في روسيا تاريخياً في كيانات إدارية تقع في جنوب البلاد، ويواجهون اليوم مجموعة تحديات في مقدمها إبقاء ثقافتهم ولغتهم حاضرة بين الأجيال الجديدة، وتأمين حق عودة أشخاص ينتمون إلى مجموعتهم العرقية عالقين في سورية، وانتزاع الاعتراف بأن تهجير أسلافهم في عهد الإمبراطورية الروسية خلال القرن التاسع عشر كان "إبادة جماعية". 
حدد تعداد سكاني أجري في روسيا عام 2010 عدد أبناء مجموعة شعوب الأديغة (الأديغ والقبردين والشركس والشابسوغ) بـ 718 ألفاً، من بينهم حوالى 73 ألفاً عرّفوا أنفسهم بأنهم شركس، ويتمركزون في جمهورية قراتشاي - شركيسيا، وإقليمي ستافروبول وكراسنودار، وأيضاً في جمهوريتي أديغيا وقبردينو - بلقاريا، وجميعها في جنوب البلاد.   
يوضح الصحافي والناشط الشركسي مراد تيميروف لـ"العربي الجديد" أن الشركس يقطنون منذ أزمنة بعيدة في مناطق بشمال القوقاز، لكنهم فعلياً شعب مشتت بين دول عدة في العالم، ويبحث منذ عهود عن حق العودة إلى أراضيه التاريخية، من دون أن يحقق تقدماً كبيراً في هذا المجال. يتابع: "الشركس من أقدم شعوب شمال القوقاز. وتعيش أكبر جالياتهم في تركيا والتي تضم 3 ملايين شخص. كما تتواجد جاليات كبيرة أخرى في ألمانيا والأردن، وحتى في أستراليا والولايات المتحدة. أما تقديرات إجمالي عدد أبناء جاليتنا في العالم فتتراوح بين 7 و10 ملايين".  

وفي شأن مبادرات الشركس للحفاظ على ثقافتهم وسط ظروف التشتت في بقاع الأرض، يكشف تيميروف أنها "تندرج ضمن مخططات تنفذها حركات ومنظمات اجتماعية تعنى بالحفاظ على اللغة، وتلحظ إنشاء مجموعات وتطبيقات للهواتف الذكية ومدارس لتعليم اللغة، لكن يصعب تحقيق ذلك في أجواء اضطهاد اللغات الأصلية في روسيا (شمل أخيراً اللغة الأوكرانية وتلك الخاصة بعرقية التتار في شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو إلى أراضيها أحادياً عام 2014) واستبعادها اللغة الشركسية أيضاً من مناهج مدارس الأقاليم التي تقطنها أقليات إثنية. من هنا يجب توجيه الجهود الرئيسية لإعادة الدروس الإلزامية إلى المناهج، أو من الأفضل العودة إلى التدريس باللغات الأصلية، على غرار بعض الفترات في عهد الاتحاد السوفييتي". ويتابع: "حالياً، أبعدت الحكومة المركزية الروسية اللغات الأصلية من أجل جعل اللغة الروسية أساسية ووحيدة. وأنا لا أعتقد بأن ذلك يحصل لدوافع قومية، بل براغماتية من أجل زيادة التحكم بالناس".   
وإلى جانب حفظ ثقافتهم، يبحث أبناء الجالية الشركسية عن نيل اعتراف دولي بأن تهجيرهم في عهد الإمبراطورية الروسية إثر حرب القوقاز التي استمرت حتى عام 1864، كان إبادة جماعية تمثلت إحدى نتائجها في تهجير قسم منهم إلى الإمبراطورية العثمانية، ثم تشتتهم في أكثر من 50 بلداً اليوم. 

وتعتبر جورجيا المعروفة بسياساتها المعادية لموسكو البلد الوحيد الذي اعترف بالإبادة الجماعية للشركس حتى الآن، وذلك قبل نحو عشر سنوات، ما مهّد لفتح مركز ثقافي شركسي فيها، وتشييد نصب تذكاري خاص بالإبادة في مدينة أناكليا التي تحتضن مراسم سنوية لإحياء ذكرى الضحايا.  
لكن تيميروف يعتبر بأن نيل الاعتراف بالإبادة الجماعية للشركس "مسألة ثانوية حالياً". يضيف: "رغم المبادرات الاجتماعية لرفع الصوت في شأن هذه القضية، وتقديم طلبات في بلدان وأمام محافل الدولية، اعترفت جورجيا وحدها بالإبادة الجماعية، ونظر البرلمان البولندي في هذا الطلب، في حين يتوقع أن تتبنى أوكرانيا وثيقة ما في شأنه، وكذلك ألمانيا في حال فوز ائتلاف الخضر والأحزاب اليسارية بالانتخابات. لكنني شخصياً لا أعتبر الاعتراف بالإبادة هدفاً مهماً لشعبنا كونه لن يمنحه أي ميزات. والأهم الحفاظ على اللغة الأصلية، ونيل حق العودة لزيادة عدد الشركس في وطنهم التاريخي بروسيا، قبل محاولة حل قضايا أخرى". 
ومع احتدام القتال في سورية قبل نحو عقد، لم يعد حق عودة شركس هذا البلد مجرد مسألة لتحقيق العدالة التاريخية، بل قضية إنسانية للهرب من أتون الحرب، والذي لم تستجب السلطات الروسية لدعواته حتى الآن. ويعلّق تيميروف على أوضاع شركس سورية، بأنها "معقدة، في وقت ما زالت مسألة عودتهم عالقة في ظل رفض روسيا الاعتراف بشركس المهجر كمواطنين في أراضيها، وتتحجج بأن أسلافهم لم يحملوا وثائق هوية روسية لدى مغادرتهم الإمبراطورية الروسية، ما يحرمهم من حق العودة". 

ومنذ اندلاع الحرب في سورية في العام 2011، تقدمت الجالية الشركسية في البلاد بطلبات متكررة إلى القيادة الروسية لتقديم العون في إجلاء أبنائها إلى وطنهم التاريخي، مستندة في ذلك إلى البند 99 في الدستور الروسي والقانون الفيدرالي، والذي يتناول سياسة دولة روسيا الاتحادية تجاه المغتربين، علماً أن موسكو لم تحسم حتى اليوم موقفها من قضيتهم. لكنّ ذلك لم يمنع جمهوريات يقطنها الشركس من وضع برامج لتقديم عون للمغتربين الراغبين في العودة، من دون أن يثير ذلك اهتماماً كبيراً بسبب الأعداد الضئيلة للراغبين في العودة، والذين تستطيع هذه البرامج استيعابهم.

المساهمون