الحكومة الفرنسية تتراجع عن "سنّ التوازن" تحت ضغط الشارع

الحكومة الفرنسية تتراجع عن "سنّ التوازن" تحت ضغط الشارع

باريس

محمد المزديوي

avata
محمد المزديوي
11 يناير 2020
+ الخط -
في خطة طال انتظارها من طرف النقابات الإصلاحية، وعلى رأسها "سي إف دي تي" و"الاتحاد الوطني للنقابات المستقلة" والتي جعلت منها شرطاً لقبولها بمشروع إصلاح نظام التقاعد ووقف الإضرابات، أعلن رئيس الحكومة الفرنسية، إدوار فيليب، بعد ظهر السبت، عن استعداد حكومته لسحب مؤقَّت لـ"سنّ التوازن" وهو أحد البنود الجدالية، من مشروع القانون، الذي سيصل إلى مجلس الوزراء في الرابع والعشرين من هذا الشهر، فيما استمرت التظاهرات في أنحاء عدة من البلاد. و"سنّ التوازن" كان يُنتَظر منه أن يحثّ الفرنسيين على الحصول على التقاعد ابتداء من سن الرابعة والستين، بدلاً من سنّ الثانية والستين، وهو السن القانوني للتقاعد في البلاد.

ليس سراً أنّ الحكومة تراهن على هذا الإجراء لوضع حد للاحتجاجات والإضرابات المتواصلة منذ 38 يوماً، إذ سيضع بعض النقابات العمالية خارج دائرة الإضراب. لكنّ رئيس الحكومة يعترف أنّه لا يسحب هذا الإجراء بصفة نهائية، بل لأجل قصير، أي في انتظار نتائج المفاوضات التي ستنطلق، قريباً، بين النقابات وأرباب العمل والحكومة وتنتهي أعمالها في نهاية إبريل/ نيسان المقبل، للوصول إلى إجراءات تتيح تحقيق التوازن بحلول عام 2027. ويحذر من أنّه في حال الفشل في الاتفاق على إجراءات قادرة على تأمين التوازن، فإنّ الحكومة ستلجأ إلى فرض مراسيم، وهو ما يعبر عنه بـ"تحمل المسؤوليات".




على الفور عبّر الأمين العام لنقابة "سي في دي تي" لوران بيرجي، عن ابتهاجه بهذا القرار الحكومي، واعتبره "إرادةً حكومية في الوصول إلى حلّ وسط"، في حين عبر فيليب مارتينز وإيف فيريي، زعيما نقابتي "سي جي تي" و"قوة عمالية"، عن رغبتهما في سحب الحكومة لهذا المشروع، وعودة التفاوض من جديد. واستبق زعيم نقابة "قوة عمالية" إعلانات رئيس الحكومة، معتبراً أنّ أيّ تنازل بخصوص "سن التوزان"، سوف "يعزز موقفنا"، وتصميمنا على التخلص من هذا الإصلاح"، الذي لم يتردد في اعتباره "أسوأ فكرة في ولاية ماكرون". 

وفي انتظار تحسن الأوضاع، يتواصل الإضراب لليوم الثامن والثلاثين، كما شهدت باريس ومدن فرنسية عديدة، تظاهرات، بعضها لم يَخْلُ من عنف، كما في مدينة نانت، منددة بمشروع الإصلاح، ومطالبة بالعودة إلى سن الستين للتقاعد. وقدرت نقابة "سي جي تي"، عدد متظاهري اليوم، في باريس، بـ150 ألف شخص. وقد شارك العديد من أصحاب السترات الصفراء في التظاهرة، التي شهدت عنفاً وشغباً وتخريباً لواجهات بعض المتاجر، واستخدمت فيها القوى الأمنية الغازات المسيلة للدموع. وندّد المتظاهرون بالإصلاح الذي تريد الحكومة فرضه، كما نددوا بالعنف البوليسي، وحملوا لافتات وأطلقوا شعارات وحملوا وروداً إكراماً لذكرى بائع البيتزا، سيدريك شوفيات، الذي قضى بعدما أوقفه رجال الأمن، وكشف تقرير طبي أنّه مات بسبب الاختناق بعدما أسقطه أرضاً العديد من رجال الشرطة. وقد بادر "المحامي عن الحقوق" آلان توبون، لتبني هذه القضية، مطالباً الدولة بكشف الحقيقة. وقد وعد وزير الداخلية كريستوف كاستانير باستقبال أرملة شوفيات، واثنين من أبنائها مع محاميها، يوم الثلاثاء المقبل، وهي أول مرة تحظى فيها عائلة ضحية للعنف البوليسي باستقبال وزير الداخلية.

كذلك، طالب متظاهرون بوقف استخدام سلاح "إل بي دي" أو بندقية الشغب، التي تعرف بأنّها سلاح أقلّ ضرراً (تصرّ الحكومة على طابعه الدفاعي، بالرغم من تسببه في فقء عيون كثيرة وبتر أعضاء متظاهرين)، والذي طالبت منظمات حقوقية وطبية فرنسية وأوروبية، بوقف استخدامه، خصوصاً مع انتشار مقاطع فيديو كثيرة تكشف عن استخدامه، يوم الخميس الماضي، ومن مسافة متر واحد، من طرف الشرطة، وهو ما يخالف حتى توصيات وزارة الداخلية نفسها.

وفي الردود حول مقترحات رئيس الحكومة، بسحب "مؤقت"، لـ"سن التوازن"، طالب الأمين العام للحزب الاشتراكي، أوليفيي فور، بسحب مشروع القانون برمته، فيما اعتبرت القيادية الاشتراكية سيغولين روايال أنّ "البادرة جيدة" وهي "مرحلة أولى" و"يجب معاودة مفاوضات جدية". موقف "فرنسا غير الخاضعة" وهي أكثر التشكيلات السياسية تضامناً مع المضربين، لم يتغير، فقد اعتبر الرجل الثاني فيها، أدريان كاتنيس، أنّ الحكومة تتعامل مع الفرنسيين وكأنّهم "أغبياء" وطالَب بمواصلة التعبئة لأنّ التقاعد بالنقاط يعني "العمل لفترة أطول مقابل معاش أقل". ونفس الموقف الانتقادي عبّر عنه حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، فقد اعتبرت زعيمته، مارين لوبان، قرار رئيس الحكومة "مناورَة"، إذ إنّ الحكومة ما استحضرت "سنّ التوازن" إلاّ لتسحبه، من أجل "تمرير هذا الإصلاح، الذي سيجعل حياة ملايين الفرنسيين أكثر بؤساً".




وأخيراً، فإنّ أوبرا باريس، ما زالت في حالة إضراب، ضدّ مشروع قانون التقاعد. وهو إضراب تاريخي، بالرغم من أنّ الخسائر المسجلة منذ انطلاق الإضراب في 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تجاوزت 12 مليون يورو. وتشكو راقصات الأوبرا من رغبة الحكومة في تغيير سن تقاعدهن، أي دفعهن للعمل لما بعد سنّ 42 عاماً، علماً أنّ هذه المهنة تعتبر مهنة قاسية.

كذلك، فإنّ تظاهرات اليوم شهدت حضور ناشطات نسويات من حركة "أتاك" وجمعيات أخرى، على رأس التظاهرة، بمعاطفهن الزرقاء وقفازاتهن الصفراء ومناديلهن الحمراء، تعبيراً منهن عن رفض إصلاح التقاعد.

ذات صلة

الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.
الصورة
تظاهرة ضد "هيئة تحرير الشام" في إدلب وحلب (العربي الجديد)

سياسة

تظاهر الآلاف من الأهالي في مدن وبلدات ريفي حلب وإدلب، مطالبين بإسقاط زعيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، أبو محمد الجولاني.
الصورة

منوعات

تراجعت مجلة فوربس عن حفل تكريم أكثر 40 امرأة تأثيراً في فرنسا، وذلك بعد حملة تحريض في باريس، على المحامية من أصول فرنسية ريما حسن