أمهات بديلات في غزة

أمهات بديلات في غزة

28 ابريل 2019
إنّه وقت الواجبات المدرسية (محمد الحجار)
+ الخط -

في مدينة رفح الواقعة بأقصى جنوب قطاع غزة، واحدة من قرى الأطفال "إس أو إس" العالمية. في تلك القرية أمّهات بديلات يحاولنَ تعويض صغار كثيرين عطفاً لم يحصلوا عليه. وأطفال القرية ليسوا من الذين فقدوا أمهاتهم الأصليات، وقد توفّينَ، إنّما الظروف القاهرة في عائلاتهم وكذلك في القطاع المحاصر جعلتهم يعيشون هناك، حيث يحصلون على الرعاية اللازمة ويتابعون تعليمهم.

في قرية الأطفال برفح، كما هي الحال في كلّ قرى الأطفال المنتشرة حول العالم، يعيش كثيرون حتى بلوغهم الثامنة عشرة من عمرهم، حينها ينطلقون في الحياة بعيداً عن تلك الأمّهات البديلات اللواتي احتضنّهم كفلذات أكبادهنّ. لكنّ هؤلاء يبقون على تواصل دائم مع أمّهاتهم البديلات اللواتي رعينهم.

كفاح ياسين (43 عاماً) أمّ بديلة منذ عام 2010، ترى أنّ ما تقوم به يتطلّب جهداً أكبر من ذلك الذي تبذله الأمّ الأصلية. هي ترعى أطفالاً يكونون غرباء في البداية، وتخصّص حياتها لهم. تقول كفاح لـ"العربي الجديد" إنّها تحصل شهرياً على إجازة تمتدّ على أربعة أيام، "لكنّني أتخلّى عنها في بعض الأحيان لأنّني أحبّ البقاء مع أطفالي". وكفاح تعتني بسبعة أطفال من أعمار متقاربة، بالتعاون مع منشّطين ومتخصصين نفسيين في القرية. وتؤكد كفاح أنّ "الأمّ ليست تلك التي تنجب الطفل إنّما التي تربّيه"، وهذا أمر أدركته من جرّاء خبرتها ومراقبتها كيفيّة تصرّف الأمّهات من حولها. وكفاح، على مدى الأعوام التسعة، اعتنت بعشرين طفلاً، عدد كبير منهم تخطى السنّ المحدد للبقاء في القرية، "لكنّهم ما زالوا يتواصلون معي عبر الهاتف أو من خلال زيارات دورية. ونتناقش معاً حول الأمور الحياتية، ويسألونني عن رأيي في بعض قضاياهم". ولعلّ أكثر ما يسعدها هو أنّهم ما زالوا ينادونها "ماما". وتتابع أنّ "كل طفل يختلف عن الآخر لجهة احتياجاته النفسية، الأمر الذي يدفعني إلى التواصل مع المتخصصين النفسيين في القرية". وكفاح التي لطالما أحبّت الأطفال، تشدد على أنّها اعتمدت "الصراحة مع أولادي. فهذا يعزّز الثقة بيننا".



صابرين جوهر (37 عاماً) أمّ بديلة أخرى في قرية الأطفال، بدأت مهمّتها تلك في ديسمبر/ كانون الأول 2010. بالنسبة إليها، فإنّ "أصعب المواقف التي أواجهها هي مع الأطفال الذين يصلون إلى القرية وهم يحملون مشكلات نفسية تثقلهم". تضيف لـ"العربي االجديد" أنّ "ثمّة أطفالا لديهم أشقاء بعيدون عنهم، فيسألون كثيراً عن سبب وجودهم في القرية في حين أنّ أشقاءهم في مكان آخر"، مؤكدة أنّ "هذا الموقف ليس سهلاً ويضعني في كلّ مرّة في حيرة كبيرة، فأستعين بمتخصص نفسي".



وتعرّف صابرين الأمّ البديلة بأنّها "أمّ طبيعية لكنّ أمومتها صعبة لأنّها تتعامل مع حالات دقيقة لأطفال وقعوا ضحايا ظروف اجتماعية صعبة". في خلال عملها في القرية، اعتنت صابرين بتسعة أطفال، "ثلاثة منهم حصلوا على شهادات وصاروا شباباً. وهؤلاء يشاركونني تفاصيل حياتهم ومشاكلاتهم حتى يومنا هذا". وتقول: "جميل أن يبقى أولادي على اتصال بي ويسألون عنّي"، مشيرة إلى "ابنة تزوّجت ورافقتها، وهي تعرّف الجميع عليّ كأمّها. وأنا من جهتي ساعدتها في تجهيز حاجيات طفلها وكنت موجودة معها خلال الولادة".



في السياق، تقول منسّقة برنامج الرعاية الأسرية في قرية الأطفال "إس أو إس" بمدينة رفح، سمر زعرب، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القرية تستوعب 98 طفلاً، في حين نعدّ برامج أخرى تستهدف أطفالاً في حاجة إلى الدمج وكذلك برنامجاً خاصاً بالشبيبة (18 - 22 عاماً). وثمّة ثلاثة بيوت أخرى موزّعة في قطاع غزّة، ومجموع المستفيدين اليوم من برامج القرية 240 مستفيداً". وعن معايير قبول طفل في القرية، تشرح زعرب أنّ "الأمر يأتي بناءً على طلب من وزارة التنمية الاجتماعية، فيقوم الباحثون الاجتماعيون في القرية بزيارات عدّة للطفل وأسرته ويناقشون بعدها ملفّ الصغير مع اللجنة المعنية بقبول الأطفال".




أمّا معايير اختيار الأمّ البديلة، فتوضح زعرب أنّه "يتوجّب عليها أن تكون عزباء وأن تحمل شهادة الثانوية العامة على أقلّ تقدير ويتراوح عمرها عند تقديم الطلب ما بين 25 و35 عاماً، حتى تتمكّن من العطاء، بالإضافة إلى كونها في حالة صحية جيدة جسدياً ونفسياً". وتشرح زعرب أنّ "شرط العزوبية وُضِع حتى لا توزع عاطفتها بين أبنائها البيولوجيين والأطفال في القرية. فهؤلاء في حاجة إلى حنان كبير واحتضان استثنائي". تضيف أنّ في القرية 15 أمّاً بديلة وخالتَين. ومن مهام "الخالة" مساعدة الأمّ ومساندتها والإنابة عنها عندما تكون في إجازتها الشهرية.