الليبية رهينة تقاليد مجتمعها

الليبية رهينة تقاليد مجتمعها

29 نوفمبر 2019
ليبيتان ترتديان الزي التقليدي (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

تحرم التقاليد في ليبيا المرأة من حقوق عدة أقرها القانون. وإن كان عمل المرأة حقاً، إلا أن رجالاً كثيرين يعتبرون أن الرجل وحده المسؤول عن تلبية حاجات أسرته. وفي النتيجة، تتفوق التقاليد على القوانين 

منح القانون الليبي المرأة بعض الحقوق التي قد تفوق دولاً عربية أخرى. على سبيل المثال، منح القانون الليبي المرأة حق الترشح والانتخاب منذ عام 1951، وسمح لها بالعمل في مختلف قطاعات الدولة والجيش والشرطة. كما أنّ المرأة قادرة على قيادة السيارة والتدريس في الجامعات والعمل في السلك القضائي. لكن من جهة أخرى، تبدو المرأة غائبة، بحسب الباحثة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية في طرابلس بسمة الصيد. وتقول: "ربّما يتحدث الإعلام عن نساء تميزن في مجالات عدة، لكنها مجرد حالات فردية تشكل استثناء عن القاعدة"، مشيرة إلى أن المحرك الفعلي لمسار المجتمع هو التقاليد المتوارثة.

وتقول: "الأب أو الزوج لن يسأل عمّا إذا كان عمل المرأة مدربةً رياضية قانونياً أم لا، بل سيفكر في العادات والتقاليد. كما أن التربية تمنع المرأة من الالتحاق بمثل هذه الوظائف". تضيف: "تعاني المرأة بشكل عام من مشاكل مشتركة، لكن هناك خصوصية لنا، وهو ما أتحدّث عنه". وبحسب البنك الدولي، فإن واحدة من كل أربع ليبيات يلتحقن بسوق العمل في البلاد. لكنّ لم تصدر أية إحصائية حكومية منذ عام 2011 تبين النسب الحقيقية لالتحاق النساء بسوق العمل. وخلال حكم معمر القذافي، قيل إن نسبة النساء العاملات تتجاوز 12 في المائة من السكان في البلاد.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أظهر استبيان حول المرأة والعمل في ليبيا، شارك فيه 1354 ذكراً و4752 أنثى، أن 43 في المائة من الذكور يرون أن المرأة تتمتع بحقها في العمل فعلياً في ليبيا، في وقت يقول 14 في المائة من الذكور المستطلعة آراؤهم العكس. كما يتحدث 22 في المائة من الذكور عن حق المرأة في تولي مناصب قيادية، في وقت يرى آخرون أن الكفاءة هي الشرط الأساسي لتولي المناصب بعيداً عن الجنس.



ويعارض 55 في المائة من الذكور الاستقلالية الاقتصادية للمرأة لأنها مسؤولية الرجل، في وقت يتحدث 26 في المائة عن مساواة بين الرجل والمرأة في هذا الأمر. ويبرر معارضو استقلالية المرأة موقفهم، قائلين إنه قد "يشكل خطراً وحساسيات بين أفراد الأسرة، خصوصاً في حال كان راتب المرأة المتزوجة أعلى من راتب زوجها".

من جهته، يقول الطبيب أرحيم ميلاد: "مجتمعنا هو دليلنا. لكن حين نسافر إلى الخارج، نتيح لبناتنا وزوجاتنا هامشاً أكبر من الحرية. لكن الوضع يتغير هنا"، مؤكداً أن أسرته تعاني كثيراً بسبب قيود المجتمع. ويوضح أنه أقام خارج ليبيا لأكثر من عشرين عاماً حيث عمل طبيباً. لكن حين عاد إلى بلاده، اضطر إلى منع زوجته من العمل لأن أهالي قريته لن يتقبلوا الأمر. يقول: "المجتمع لا يقبل أي جديد يتعلق بالمرأة إلا تدريجياً. وعلى الرغم من أن زوجتي كانت تعمل في المختبرات الطبية، إلا أن هذا العمل مرفوض في قريتي لأنه سيجعلها تتعامل مع الرجال مباشرة. بالتالي، اضطررت إلى أن أطلب منها التوقف عن العمل إلى أن حصلت على فرصة عمل مدرّسة في إحدى المدارس". يضيف: "كان علي أن أقلها من المنزل إلى المدرسة والعكس يومياً، وينسحب الأمر نفسه على ابنتي التي ما زالت تدرس، الأمر الذي أرهقني". ويؤكد أن زيادة هامش حرية المرأة من شأنه أن يخفف الأعباء على أرباب الأسر ويزيد من ساعات إنتاجهم.

وتشير الصيد إلى أن عمل المرأة في ليبيا يتركز في المؤسسات الحكومية. فهي إما مدرسة أو موظفة في دائرة حكومية. وعلى الرغم من أنه يسمح للمرأة الليبية العمل قاضية، إلا أنه نادراً ما تختار الليبية دخول مجال المحاماة لأنه يتطلب الكثير من التنقل ولقاء الرجال وغير ذلك. وتذكر أن تقاليد المجتمع الراسخة في أذهان بعضهم جعلتهم يقبلون بدراسة بناتهم تخصصات مقبولة اجتماعياً لكنها غير مطلوبة في سوق العمل.



لكنها تعود وتؤكد أن المجتمع يشهد تغيّراً في ما يتعلق بعمل المرأة. تقول: "حتى وقت قريب، لم تكن المرأة تعمل مدرسة إلا في المدن. اليوم، نجدها في الأرياف، ما يعني إمكانية قبول المرأة في مجالات جديدة وبشكل كبير". وتلفت إلى أن توجه المرأة نحو مزاولة مهن منزلية مربوطة بشبكات الإنترنت كالطهي والحياكة وغيرها سيفرض نفسه في الواقع.

يشار إلى أن القانون الأساسي رقم 20 لعام 1991، الذي يعد بمثابة وثيقة دستورية في ذلك الوقت في ظل غياب دستور في البلاد، هدف إلى تعزيز الحرية، واحتوى على ثمانٍ وثلاثين مادة حرصت على المساواة بين الرجل والمرأة. ونصت المادة الأولى على أن "المواطنين في الجماهيرية العظمى، ذكوراً أو إناثاً، أحرار متساوون في الحقوق ولا يجوز المساس بحقوقهم".

المساهمون