ليلة سقوط النظام

ليلة سقوط النظام

20 أكتوبر 2019
فليسقط الجميع ولتكن ثورة (حسين بيضون)
+ الخط -
كسر الناس حاجز خوفهم وقرّروا أن ينتفضوا. وقف المواطن أمام الحريق الكبير. شاهد الحريق يصل إلى بيته ولم يجد من يطفئه. تفرّج على حاله وهو يستجدي الوظيفة والمدرسة والجامعة والمستشفى، وفوق هذا كله يحترق في قلب النار. كل هذا حصل ولم يأبه الزعيم. وقف اللبناني متأملاً حاله ووجد نفسه أمام خيارين، لا ثالث لهما. إما أن يترك النار تشتعل فيه وتأكله، مثل كل مرة. وإما أن يحاول إطفاءها بيديه. فاختار الحلّ الثاني. قرّر المواطن أن يقلب الطاولة على الزعيم. لا تصدقوا أن الزعماء يحاولون قلب الطاولة على بعضهم أو تلقّفها بصدورهم. هذا ليس صحيحاً. الناس هم من قلبوا الطاولة عليهم وبدأت بدحرجة الكراسي.

صرخ الناس من وجعهم، من اختناقهم. انفعلوا من دون خلفية سياسية ولا شحن مذهبي. لم يكونوا محتاجين إلى سبب يحرّكهم، فالأسباب لا تحصى. كل صاحب حق، كل مظلوم، كل منبوذ، كل قضية أغلقت السلطة أذنيها لها، كل عاطل عن العمل أقفلت الأبواب في وجهه، كل حالم بشقاء الهجرة، كل مواطن آدمي لم يجد مكاناً له في المنظومة المليشيوية، كل واحد من هؤلاء اعتبر نفسه معنياً بما يحصل وقرّر أن ينزل إلى الشارع. قرّر الناس أنهم لن يصمتوا بعد اليوم. فقد صمتوا كثيراً ولم يجنوا إلا الخراب. صرخ الناس من وجعهم.

الناس لم يعودوا خائفين. الشاب الأعزل، الأم، الأطفال، جميع هؤلاء، اليوم تحديداً، أقوى من الأزعر المسلح. الهاتف والطبل والريشة والراية والأغنية بيدهم أقوى من البندقية في يد المليشيوي، وأكثر تأثيراً. الأزعر يخاف من الناس ويهرب. يخاف من الصورة ومن الموسيقى ومن كلمة الحق. والناس يلاحقون الأزعر إلى أن يطردوه من الشارع. يقولون له إن الشارع لم يعد مكانه وأن هذا الزمن انتهى. الحرب اليوم هي على الأمل وعلى المستقبل. المغتربون من أبناء هذه البلاد شعروا بذلك أيضاً. يقولون إنهم اليوم يعيشون الغربة لأول مرة. يصرّون على أن ما يحصل هو استرجاع للوطن. يشعرون بعودة الانتماء إلى الدماء.




بأيديهم هشم الناس صور الزعيم، زعيمهم. وأحرقوا رايات الأحزاب، أحزابهم. وشتموا من صميم قلوبهم من اعتادوا الدفاع عنهم والهتاف بإهدار أرواحهم ودمائهم من أجل مناصبهم. كسر الناس الصورة المقدسة وأنزلوا الأيقونة التي لا تُطاول. سأبدأ بنفسي وبزعيمي هذه المرة، قال الناس، وليسقطوا جميعاً، حكومةً ونظاماً ونواباً. فليسقط الجميع ولتكن ثورة.

الناس لم يعودوا خائفين من شيء، ولن يجدوا من يردّهم. وهذا أهم ما يحصل اليوم. أما الباقي فتفاصيل سيأتي أوانها من دون شك.

المساهمون