أين نحن ومكتبات العالم؟!

أين نحن ومكتبات العالم؟!

21 ابريل 2018
هكذا تبدو مكتبة برمنغهام "الجميلة" (بول إليس/ فرانس برس)
+ الخط -


ما زالت المكتبة العامة في بلادنا العربية تعيش في عالم قرون غابرة لجهة مبانيها وموجوداتها بالقياس إلى مكتبات العالم الحديث. وتتباهى دول كثيرة ليس فقط بعدد مكتباتها بل بنوعية تلك المكتبات على صعيد المباني والتجهيزات والموجودات، ومدى ما توفّره للقارئ من راحة وامتيازات معرفية ومكانية لا يمكن أن يحصل عليها في أيّ مكان آخر. وتعدّ هذه الدول المكتبات العامة من معالمها الحضارية، وترد عادة في منشوراتها السياحية كعلامات فارقة ومعالم في مدنها، مثلها مثل المتاحف ودور الأوبرا والمسارح.

وبلغ التسابق على تطوير المكتبات أنّه سنوياً يصدر دليل عن أغنى مكتبات العالم أو أجملها، وأجمل لا يعني أكبر أو أشمل لجهة عدد المطبوعات والمخطوطات والمواد كافة التي تعني القارئ والمستخدم للمكتبة. وعليه، تظل مواقع الأولوية مكرّسة لكبريات المكتبات في كل من واشنطن وباريس ولندن وبون وغيرها من مدن أوروبية رئيسية. وكون هذه المكتبات هي الأكبر فهذا يعني أنّها تملك إمكانات مادية متتابعة على مدى عقود، استطاعت معها أن تجمع في خزائنها وعلى رفوفها أكبر كمّ من الإصدارات كتباً ومجلات وصحفاً ومنشورات ومجموعات وثائق وصور وغيرها.

أمّا المكتبات العامة الأجمل التي حازت قصب السبق في العام الأسبق (2016) فليس من بينها أيّ مكتبة عربية، في حين تأتي واحدة شرق أوسطية وثانية آسيوية فقط. ومثل هذا الأمر له دلالاته ويظهر مقدار ما تشغله الثقافة العامة وأداتها الرئيسية المكتبة لدى عشرات الدول. ومن المعروف أنّه كل ما ارتفع مستوى العيش باتت المكتبة بمثابة ضرورة لا غنى عنها. والمكتبات هي: دوكي الاسكندنافية، ولورانس وشيكاغو الأميركيتان، ويانغتشو الصينية، وبايزيد التركية، وفينيسلا وبودو النرويجيتان، وبرمنغهام البريطانية، وهاليفاكس الكندية، وكورنارتي المكسيكية.




المواصفات التي حازت بموجبها هذه المكتبات دون سواها هذا التقدير لا ترتبط بعدد الكتب والمخطوطات والوثائق التي تملكها، بل بأمر آخر هو تكامل البناء الهندسي مع مهمة المكتبة، وتلاؤم ذلك مع البيئة المحيطة المشجعة على القراءة. وهو الأمر الذي يعني تكاملاً بين الداخل والخارج وما توفّره لمرتاديها من بيئة ملائمة للقراءة. والمصطلح "الأجمل"، ينطلق هنا من حال الانسجام بين وظيفة المكتبة وبين هندستها الخارجية والداخلية وبين ما توفره من مناخات تجعل القراءة بمثابة رحلة ممتعة. تجدر الإشارة إلى أنّ المكتبات العامة الأجمل لا تخرج عن إطاري التقليد والإبداع العصري اللذَين يجعلانها داخلاً وخارجاً بمثابة تحفة بصرية تحقق متعة القراءة.

*باحث وأستاذ جامعي

المساهمون