حلوى غزة لم يقتلها القصف

حلوى غزة لم يقتلها القصف

29 أكتوبر 2016
يتشارك أفراد الأسرة في العمل (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
لم يستسلم الخمسيني الفلسطيني، نافذ انصيو، أو أيّ من أبنائه بعد قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية منزلهم المكون من أربع طبقات في حي الزيتون جنوبي مدينة غزة في الحرب الأخيرة، وعادوا لصناعة حلواهم التي اعتادوا بيعها منذ قرابة ثلاثة عقود.
إصرار عائلة "أبو مدحت" على الاستمرار في صناعة الحلويات وبيعها في الأسواق والمناطق الحيوية كان نابعاً من قناعة تكونت لديهم بضرورة الحفاظ على هذه المهنة اليدوية، التي ورثوها عن أجدادهم، علاوة على كونها مصدر رزقهم الوحيد.
"الكعكبان، السمسمية، الفستقية" من أقدم الحلويات التي عرفها قطاع غزة، وكانت تصنع يدوياً لبساطتها وسهولة تجهيزها، لكنها ما زالت تحتفظ بمكانتها ورونقها حتى هذه اللحظة، رغم غرق الأسواق المحلية بآلاف الأصناف من الحلويات المحلية والمستوردة.
في منزل العائلة التي تشترك في صناعة تلك الحلويات بأدواتها البسيطة، بات صغيرهم قبل كبيرهم يدرك طريقة تصنيعها. ويقول نافذ انصيو "أبو مدحت" إنه تعلم مقادير وطريقة صناعة الحلويات من والده الذي ورثها عن جده.
ويضيف لـ"العربي الجديد": "في بادئ الأمر كنا نصنع كميات كبيرة، ونبيعها في الأسواق والمناطق العامة، وتحديداً عند موقف الباصات القريب من سوق الشجاعية، في ذلك الوقت كانت الباصات تحمل العمال الفلسطينيين العائدين من أعمالهم من المُدن الفلسطينية المُحتلة عام 1948، ويقوم كل واحد منهم بشراء الحلويات لأطفاله".
ويتابع: "بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 وتدهور الأوضاع الأمنية والسياسية، تدهورت كذلك الأوضاع الاقتصادية، وأصبح الاقبال على الشراء ضعيفا، فبدأنا بتقليص الكميات، لكننا لم نتوقف عن صناعة الحلويات داخل محال تجارية أسفل منزلنا".
الثاني عشر من شهر يوليو/تموز لعام 2014 كان تاريخاً فاصلاً في حياة عائلة أبو مدحت، بعد تعرض منزلهم إلى القصف خلال العدوان الاسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وانتقالهم للعيش بالإيجار، ومن ثم الاستقرار في منزل ابنه خليل، حتى إعادة إعمار منزلهم الكبير.
وعن ذلك يقول انصيو: "كانت تجربة قاسية، لكننا قمنا بترتيب المنزل وتجهيزه للسكن، ومن ثم عدنا العمل مجدداً في صناعة الحلويات، ولكن بإمكانات أقل من السابق بسبب الخسارة التي تعرضنا لها، والتي ضاعت بموجبها كل الأدوات اللازمة للتصنيع".
طريقة تصنيع حلويات "السمسمية، الفستقية، وحلاوة جوز الهند" تتشابه، يقول انصيو، مضيفاً: "نقوم بتحميص السمسم والفستق ونجهزه في أوانٍ، ومن ثم نقوم بتحضير القطر المكون من السكر وغلوكوز القطر، وبعدها نسكب القطر على السمسم أو الفستق أو جوز الهند، ونخفقه جيداً، ونضع الخلطة في إناء حديدي، ونقوم بفرده جيداً حتى يصبح مستويا، ونتركه مدة من الزمن حتى يجف، ويصبح جاهزاً للبيع".
ويتابع: "حلويات السمسمية أو ما يعرف بالكعكبان، هي التي تختلف في الصنع، حيث نقوم بطبخ الماء والسكر وتركها لمدة طويلة حتى تصبح جامدة، وبعدها نسكب الخليط على إناء كبير أو قطعة رخام، وبعد أن تصبح متماسكة نقوم بتعليقها بـ "كُلاب" (تعليقة حديدية)، ونستمر بشدها حتى يتغير لونها الأصفر ويصبح أبيض، وتصبح هشة، جاهزة للأكل".
بعد تجهيز أواني الحلويات، يقوم الابن الأوسط محمود بحملها من أجل بيعها عند مدخل سوق الشجاعية الشعبي، ويقول: "اعتدت منذ سنوات طويلة الوقوف هنا من أجل بيع هذه الحلويات، التي يزداد الإقبال عليها في الأعياد والمناسبات، ونهاية الأسبوع".
ويضيف محمود لـ"العربي الجديد": تبدأ حركة الزبائن من الساعة الثامنة صباحاً حتى ساعات المساء، لدي الكثير من الزبائن الذين اعتادوا الشراء من هذه الحلويات لأطفالهم (..) يعتبرونها حلويات قديمة، لذيذة المذاق، وتغنيهم نكهتها المميزة عن مختلف الأنواع التي تملأ المتاجر".

المساهمون