"بلاتون" يغضب سائقي الشاحنات في روسيا

"بلاتون" يغضب سائقي الشاحنات في روسيا

19 يناير 2018
لا لـ"بلاتون" (كيريل كودريافتسيف/ فرانس برس)
+ الخط -
مهنة سائقي شاحنات النقل البري في روسيا متعبة، فالبلاد شاسعة والمخاطر عديدة على الطرقات، لكنّ السائقين يشعرون اليوم بالغبن والغضب بسبب فرض رسوم مرور بالطرقات الفدرالية، معروفة باسم "بلاتون"، قبل عامين

منذ فرض رسوم المرور بالطرقات الفدرالية الروسية (بلاتون)، في نهاية عام 2015، وتوجه الحكومة إلى زيادتها مرة أخرى، يجد سائق الشاحنة، أليكسي، نفسه أمام خيار صعب، فإما تحمّل أعباء مالية باهظة، وإما بيع سيارته والالتحاق بالعمل سائقاً في إحدى شركات النقل براتب زهيد لا يزيد على 700 دولار شهرياً، ويقلّ بأضعاف عن المبالغ التي كان يتقاضاها سابقاً.

يقتضي نظام "بلاتون" فرض رسوم على الشاحنات التي يزيد وزنها على 12 طناً. في الوقت الذي تسعى فيه السلطات الروسية إلى إيداع قيمة الرسوم في صندوق معني بتجديد الطرقات، يعتبر سائقو الشاحنات أنّها ظالمة، ويطالبون بإلغائها والاكتفاء بتحصيل الرسوم ضمن أسعار الوقود والضرائب على سياراتهم وأعمالهم.

يشكو أليكسي، الذي تعود أصوله إلى مدينة دميتروف في مقاطعة موسكو، ويعمل سائق شاحنة منذ نحو عشر سنوات، من سوء أوضاعه، يقول لـ "العربي الجديد": "حالة الطرقات في روسيا سيئة، وأسعار الوقود عالية، وندفع ثلاثة أنواع من الضرائب والرسوم. أما بلاتون، فزاد كثيراً من الأعباء التي نتحملها، فيبلغ حاليا 1.91 روبل لكلّ كيلومتر، أو 191 ألف روبل (أكثر من 3 آلاف دولار أميركي) سنوياً، في حال قطعت مسافة إجمالية تعادل 100 ألف كيلومتر". يضيف: "منذ عام 2015، لم تعد أجورنا تغطي سوى قيمة الرسوم والضرائب ونفقات عائلاتنا، ولا تكفي حتى لصيانة سياراتنا على النحو اللازم".

يتخوف أليكسي، شأنه في ذلك شأن آلاف سائقي الشاحنات في مختلف أنحاء روسيا، من أن تؤدي الزيادة الجديدة في رسوم المرور بالطرقات التي تنوي الحكومة الروسية تطبيقها في عام 2018، إلى أن يصبح عمله غير مجدٍ تماماً، في ظل عدم زيادة التعريفات السائدة في سوق النقل البري في روسيا. ويوضح ذلك: "منذ خمس سنوات تقريباً، فإنّ أسعار خدمات النقل البري لم ترتفع بسبب تفوق العرض على الطلب، وهناك توجه لإبعاد السائقين الخاصين من السوق حتى تستحوذ شركات كبرى على حصتهم ثم ترفع أسعار النقل".


يتساءل سائق شاحنة، يُدعى بوريس، هو الآخر: "كيف سنعيش؟"، مضيفاً لـ "العربي الجديد": "تدهورت أوضاعنا بسبب ارتفاع أسعار الوقود حتى قبل فرض الرسوم، لكنّ بلاتون جاء كضربة قاضية".

بعد تدهور أوضاعهم، توجّه سائقو الشاحنات في روسيا إلى تنظيم احتجاجات واعتصامات في كلّ أنحاء البلاد، ساعدت، في المرات السابقة، في تراجع السلطات عن زيادة رسوم المرور "بلاتون". وأنهى السائقون عام 2017 أيضاً باعتصام واسع النطاق في عشرات المدن والأقاليم الروسية، استمر عشرة أيام، واعتصم نحو 15 منهم على الطريق الدائري، شمال موسكو.

قرر أليكسي المشاركة في الاعتصام، للتعبير عن رفضه رسوم المرور بالطرقات، والمطالبة بإلغائها، أو تطبيقها فقط على السائقين الأجانب الذين لا يدفعون الضرائب في روسيا، كما هو معمول به في بعض الجمهوريات السوفييتية السابقة مثل تركمانستان. يقول، في هذا السياق: "نريد إلغاء بلاتون بالكامل، أو تطبيقه على شاحنات الترانزيت فقط. نحن لا نرفض دفع الضرائب، لكن يجب أن تكون عادلة".

منذ عام 2015، تجاوزت مشاكل سائقي الشاحنات أبعادها الاجتماعية، لتتحول إلى قضية سياسية متكاملة، ووصل الأمر إلى إدراج وزارة العدل الروسية "اتحاد سائقي الشاحنات الروس" على قائمة المنظمات "الوكيلة للخارج" مؤخراً، وذلك بعد أشهر من إعلان زعيم السائقين المعتصمين، أندريه باجوتين، عن نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مارس/آذار المقبل.

يعيش سائقو الشاحنات في روسيا حياة مليئة بالمتاعب، في ظل مخاطر الطرقات مثل الحوادث والسطو المسلح والأعطال الفنية والبقاء لأسابيع وربما أشهر بعيداً عن عائلاتهم، بسبب المسافات البعيدة والمساحة الشاسعة التي تتميز بها روسيا الممتدة أرضها لأكثر من 4 آلاف كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، ولنحو 10 آلاف كيلومتر من الغرب إلى الشرق، وأثناء الرحلات الطويلة، تتحول الشاحنة إلى منزل يقيم فيه السائق ليلاً ونهاراً.

يصف أليكسي مهنته بأنّها تتطلب مسؤولية كبيرة وإجادة مهن إضافية مثل الميكانيك لإصلاح السيارة، في حال حدوث عطل مفاجئ.

سائق آخر يُدعى سيرغي، يوضح لـ "العربي الجديد" أنّه غادر منزله قبل أكثر من شهرين قطع خلالهما نحو 24 ألف كيلومتر بطول روسيا وعرضها، ويحلم برؤية عائلته بعد غياب طويل. أثناء غيابهم عن منازلهم والمشاركة في الاعتصام، أصبح زملاؤه مثل أفراد أسرته، فيجتمعون داخل إحدى الشاحنات لتناول الطعام أو الشاي، ويشاركون بعضهم البعض أفراحهم وأحزانهم، آملين في استجابة الحكومة لمطالبهم وتحسين ظروفهم، أو عدم استمرار تدهورها على الأقل.