تونسيون مجهولو المصير في إيطاليا

تونسيون مجهولو المصير في إيطاليا

29 اغسطس 2017
وحدها الصورة تؤكّد أنّهم كانوا أحياء (حمدي يلدز/ الأناضول)
+ الخط -
سُجّل خلال السنوات الأخيرة تراجع في عدد المهاجرين غير الشرعيين، وشُدّدت الرقابة على السواحل التونسية للقضاء على تلك الظاهرة، غير أنّها ما زالت تمثّل مشكلة بالنسبة إلى الحكومة التونسية بعد فقدان مئات الشباب التونسيين في إيطاليا منذ عام 2011 وحتى اليوم. وما زال ملفّ هؤلاء معلقاً من دون أن تتوصّل السلطات التونسية إلى اتفاق مع نظيرتها الإيطالية يقضي إمّا بعودتهم وإمّا بتأكيد وجودهم في السجون الإيطالية وإمّا بكشف بقائهم على قيد الحياة أو وفاتهم.

وكانت عائلات المفقودين بمعظمها قد قدّمت إلى السلطات التونسية أدلّة تؤكد أنّ أبناءها على قيد الحياة. ونظّمت عشرات الاحتجاجات للمطالبة بتحديد مصيرهم وسبب انقطاع أخبارهم. وقد أدّت احتجاجات الأهالي إلى دفع وزارة الشؤون الاجتماعية في يونيو/ حزيران 2015 إلى إنشاء لجنة وطنية مكلفة بمتابعة ملف التونسيين المفقودين من جرّاء الهجرة غير الشرعية في اتجاه السواحل الإيطالية. وتتألّف اللجنة من ممثل عن وزارة الشؤون الاجتماعية وهو رئيس اللجنة، إلى جانب ممثلين عن وزارة العدل والدفاع الوطني والداخلية والشؤون الخارجية، وكذلك متخصص في القانون الدولي ومتخصص في الطب الشرعي وممثل عن المجتمع المدني وممثل عن عائلات المفقودين. أمّا مهام اللجنة فهي البحث في ملف المفقودين والتواصل مع الهيئات الرسمية ومع المجتمع المدني في تونس وفي إيطاليا على حدّ سواء.

وفي العام الماضي، بدأت تونس مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لتفعيل اتفاقية إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم أو إعادتهم إلى بلدان أخرى عبروها قبل دخولهم إلى أوروبا، في حين تجري مباحثات لوقف الهجرة غير الشرعية.

في السياق، أعلنت ألمانيا وتونس في الثالث من مارس/ آذار الماضي توقيع اتفاق جديد حول الهجرة خلال زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى العاصمة تونس، تضّمن عدداً من البنود من بينها موافقة تونس على استعادة ألف و500 مهاجر تونسي رفضت ألمانيا طلبات لجوئهم، وذلك في مقابل التزام ألمانيا بتخصيص 200 مليون دولار أميركي لدعم التنمية في المناطق الفقيرة في تونس ولتمويل المشاريع الصغيرة وخلق فرص عمل للشباب العاطلين من العمل. كذلك تلتزم ألمانيا بتوفير مبالغ لوضع آفاق بديلة للتونسيين المرحّلين منها، وبتقديم مساعدات للمرحّلين الذين يختارون العودة طوعاً.



المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحدّث عن ألف و500 مفقود، غير أنّ العائلات التونسية صرّحت بأسماء 503 أشخاص مع تواريخ فقدانهم وقدّمت أدلّة على أنّهم ما زالوا على قيد الحياة، وذلك من خلال مكالمات هاتفية ونشرات أخبار إيطالية تبيّن وصولهم إلى أراضيها. لكنّ العائلات بمعظمها لم تتواصل مع جهات رسمية أو أخرى من المجتمع المدني بهدف البحث عن أبنائها، خصوصاً تلك التي تعيش في المناطق الداخلية.

جمال الدين ميلي فقد ابنَيه محمد (33 عاماً) وبشير (30 عاماً) في مارس/ آذار 2011، بعدما انطلقا إلى إيطاليا على متن قارب برفقة عشرات الشباب الآخرين. يقول الوالد لـ "العربي الجديد" إنّه متمسّك بحقّه في الكشف عن مصيرهما، وخصوصاً أنّ "عشرات الشباب ممن رافقوهما وصلوا إلى إيطاليا".

من جهته، يستغرب والد نضال بن حليمة المفقود في إيطاليا منذ عام 2012 "عدم تسجيل أيّ مستجدات في ملفات أبنائهم على الرغم من مرور أكثر من أربع سنوات على اختفائهم، وعلى الرغم من انقضاء سنتَين على تأليف اللجنة المتابعة للملف". ويتحدّث لـ "العربي لجديد" عن "التعتيم الذي تتبعه اللجنة وعدم كشفها عن أي مستجدات"، متسائلاً عن "السبب وعمّا إذا كانت فعلاً تتابع الملف أم أنّها مجرّد لجنة صورية لتهدئة العائلات".

ويؤكد أهالي المفقودين بمعظمهم أنّهم سوف يواصلون الاحتجاج وسوف يدخلون في اعتصام مفتوح قريب أمام وزارة الشؤون الخارجية ورئاسة الحكومة، مع إضراب عن الطعام تحت شعار "ماناش ساكتين حتى نعرفو أولادنا وين" (لن نسكت قبل معرفة أين هم أولادنا). ولفت هؤلاء إلى أنّ الجهات الإيطالية طلبت معطيات وبيانات عدّة من قبيل البصمات والحمض النووي الجيني لعائلات المفقودين، بهدف تجميع قاعدة بيانات، لكنّ وزارة الخارجية التونسية لم ترسل الملفات بعد.

ويستغرب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التعتيم على عمل لجنة التحقيق حول مصير المفقودين في إيطاليا، إذ يشير رئيسه عبد الرحمان الهذيلي إلى أنّ "عدد المفقودين في إيطاليا والذين تملك الجهات الرسمية ملفاتهم يبلغ 503 مفقودين. وعلى الرغم من تكليف لجنة بمتابعة الملف فإنّ التعتيم متواصل، ولا تطرح اللجنة الملف على طاولات الحوار ولا تطلع المجتمع المدني على مختلف الزيارات الرسمية".
يضيف أنّ "الجانب الإيطالي أبدى استعداداً لإيجاد الحلول سواء مع الجهات الرسمية أو مع المجتمع المدني، في حين وجّه البرلمان الإيطالي رسائل إلى الجهات الرسمية التونسية في أربع مناسبات مختلفة، لكنّه لم يحصل على أيّ ردود".