تعليم الكبار مع صغارهم في الدنمارك

تعليم الكبار مع صغارهم في الدنمارك

04 يونيو 2017
على الأهل تعليم أطفالهم (جف باشود/ فرانس برس)
+ الخط -
فوجئت مديرة مدرسة "هولبيرغ" في كوبنهاغن سونا شناك راسموسن، بأنّ أطفال الروضات لا يعرفون ما تعنيه مفردة "طين" أو "حذاء خشبي (قبقاب)"، فبحسب المربين الذين يحفزون الصغار لغوياً ليصبحوا جاهزين للصفوف الأولى فإنّ عدداً قليلاً كان يرفع يده للإجابة على أسئلتهم بعد قراءة قصة ما. وبذلك، اختارت راسموسن أن تبادر مدرستها إلى كسر القاعدة بالطلب من أولياء أمور الأطفال الاشتراك في دورات مسائية، أطلق عليها اسم "صاروخ اللغة" بهدف تحسين لغة أطفالهم من خلال مواد تدريس يراجعونها في بيوتهم من خلال اللعب والحديث مع الأطفال.

وقالت راسموسن بعد الانتهاء من أحد دروس الدورة إنّ الأمر "لا يتطلب أكثر من 10 إلى 15 دقيقة يومياً لتحفيز لغة الأبناء". ورأت أنّ ما قامت به مدرستها "فيه مساعدة للأطفال المتأخرين عن أقرانهم، وهي محاولة لزيادة تكافؤ الفرص لدى الأطفال من خلال إشراك الأهل في تحسين فرص تعلم أطفالهم وتطورهم وازدهار مستقبلهم".

يعاني أكثر من 20 في المائة من الصغار مما يسمى "الفقر اللغوي" خصوصاً بين أطفال اللغة المزدوجة الذين لا تكون الدنماركية لغتهم الأم. ويشدد التربويون في الدنمارك على أنّ اللغة أساس تعلم بقية المواد "فحين لا يعرف الطفل مفردات بعينها يكون من الصعب عليه الإجابة على سؤال حساب من قبيل: كم حذاء خشبياً أو صندوق طين أمامك؟" بحسب المربية بيرغيتا هانسن. تعلق هانسن لـ"العربي الجديد" حول أهمية اللغة ومثل تلك الدورات: "نأمل أن تنتشر ليشكل الأهل مدخلاً لتحسين المعرفة لدى أطفالهم".

القائمون على تعليم الأهل هم أنفسهم المربون الذين يتعاملون مع أطفالهم. وقد منحهم هؤلاء بعض اللعب التي تستخدم في التحفيز اللغوي للأطفال بهدف الاستخدام المنزلي، ومنها ألعاب مصورة تمنح أيضاً الأهل فرصة تعلم مفردات وأسماء الأشياء في الوقت نفسه بينما يلعبون مع أطفالهم.

وبحسب المربية آني فوللر فإنّ "الدورة تلقى استحساناً عند الأهل. فكثيرون هم الأطفال الذين يعرفون ما تعنيه الفاكهة لكنّهم فقراء في تسمية أنواع الفاكهة وتذكرها باللغة الدنماركية، كأن نسأل عن حبات البرتقال. ما نقوله للأهل: تحدثوا ثم تحدثوا مع أطفالكم، الأمر بهذه البساطة، فكثير من الأهل ليست لديهم عادة إجراء حديث مع الأطفال".



في الدنمارك، ثار جدل تربوي وسياسي منذ عام 2007 حول إلزام البلديات بإجراء عملية "مسح لغوي" لكلّ الأطفال في سن الثالثة في الروضات. والأطفال المعنيون هم من تدور شكوك حول عدم امتلاكهم مستوى لغوياً جيداً، وذلك بهدف تقييم مستواهم اللغوي للبدء في الصف الأول التحضيري. وتظهر دراسات كثيرة تراجع مستويات التعليم بسبب نقص المعرفة اللغوية التي تؤثر على بقية منهاج التعليم لدى هؤلاء. ويعاني بعض الأطفال من تأخر البدء في نفس مستوى أقرانهم بما يقارب السنتين. عملية "المسح اللغوي" يعتبرها البعض جيدة تربوياً وفي مصلحة الصغار، إذ إنّ المتأخرين يمكن أن يحصلوا مبكراً على المساعدة المطلوبة.

تعتبر المديرة راسمسون ما أجرته مدرستها جزءاً من المبادرة الذاتية لمساعدة هؤلاء الأطفال من خلال تعليم الأهل. إحدى المربيات كاترينا لوتينغ تقول عن النصائح التي قدمت للأهل في تلك الدورة: "أخبرناهم ببساطة أنّهم حين يسيرون مع الأطفال بمحاذاة مكان ما فعليهم أن يخبروهم بما يرون، فذلك واحد من أساليب التعليم التي تعلق في ذهن الطفل ولا يشعر بأيّ ضجر منها".

بعض الأهالي، ومنهم عرب، يعبّرون عن سعادتهم بما يسمونه "تعلم طريقة جديدة لمساعدة الأطفال من خلال مساعدتنا لغوياً أيضاً". وتقول سامية: "بداية، كنت أحمل فكرة واحدة هي أنّ تعليم الأطفال يقع على عاتق المدرسة، لذا كنت مرتابة بما يهدفون إليه في هذه الدورة. أما الآن فقد استفدنا كثيراً وأصبحت أتحدث مع الأطفال عن كلّ شيء من مقاييس السنتيمتر إلى الألوان والأرقام وغير ذلك بالدنماركية، وهو ما وصل حتى إلى أشياء لم أكن أعرف اسمها في السابق".

بالرغم من نجاح المشروع وتوصية المنظمة الوطنية للبلديات الدنماركية بجعل "المسح اللغوي" إلزامياً لأطفال الروضات في سن الثالثة، إلاّ أن وزيرة الأطفال ماي ميركيدرو، من حزب المحافظين، ترفض الإلزامية لأسباب مالية وسياسية تتعلق بالموازنات التي تقرها الأحزاب الائتلافية في حكومة يمين الوسط.