بائع زهور في عمر الورد

بائع زهور في عمر الورد

25 ابريل 2017
محمد بين زهوره (العربي الجديد)
+ الخط -
سكت صوت الرصاص في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، في صيدا جنوب لبنان، وتوقفت القذائف التي استهدفت البيوت، وبدأت الحياة تعود تدريجياً إليه، فانكشف حجم الدمار الذي حلّ بالمخيم وأهله بسبب المعارك الداخلية.

وبينما يحاول المخيم لملمة جراحه، يخرج الفتى محمد (15 عاماً) المقيم في حي عرب الغوير في المخيم ليتحدى كلّ الأحداث الأليمة التي أدت إلى كمّ هائل من الدمار في العديد من المنازل في حي الطيرة، والشارع الفوقاني للمخيم، وسوق الخضر، وأدت إلى توقف تام في الحركة، ونزوح العديد من أهالي المخيم، بسبب تدمير بيوتهم، وعدم شعور بعض الناس بالأمن والأمان.

محمد بائع الزهور لا يعمل في هذه المهنة فحسب بل هو نجار أيضاً. في الدوام النهاري يعمل في منشرة، ولدى عودته يبدأ في جرّ عربته الصغيرة التي يحمّلها بالزهور الملونة المتعددة الأنواع. في هذه المسيرة تأكيد على براءة الطفولة التي تكره الاقتتال وتنبذه خصوصاً أنّها من طفل محروم من التعليم، يسير بالعربة علّه يلتقط بعض الرزق الذي يساعده في إعالة عائلته ونفسه. يمشي بالقرب من المحلات التي دمرت بالكامل في دعوة ربما إلى إعادة تأهيل المكان وإعادة الحياة إليه.

يقول محمد: "لم أحب التعليم يوماً، فتركت المدرسة لأتعلم مهنة النجارة. هذه المهنة تساعدني في تأمين متطلبات العائلة. وبالإضافة إليها أبيع الزهور الربيعية في المخيم. أشتريها من مشتل في مدينة صيدا. وبذلك، أتمكن من تأمين دخل آخر يساعد العائلة في المعيشة".

يتابع محمد: "أنا أكره الاقتتال بين الفلسطينيين في المخيم، وأكره الحرب بشكل عام، لأنّ الحرب تقتل وتدمر... تقتل كلّ ما هو جميل لدينا. هذه الحرب التي تجري في المخيم كلّ مرة تقتل أفراد الشعب الفلسطيني الواحد. وبدلاً من ذلك، يجب أن تصوّب بنادقنا نحو العدو الإسرائيلي الذي سرق منا أرضنا لنولد نحن في بلاد اللجوء محرومين من كلّ الحقوق التي يجب أن يتمتع بها أيّ إنسان، وأيّ طفل خصوصاً. نحن أطفال المخيم محرومون من الأماكن الهادئة والواسعة التي تمكّننا من ممارسة طفولتنا... لنا كلّ الحق في اللعب والحياة لكنّنا لا نتمكن من الوصول إليه في مخيماتنا".

ينهي محمد كلامه، وعيناه مصوبتان نحو الشارع التحتاني في المخيم، الشارع الذي أقام أحد فعاليات المخيم وهو وئام رباح كرنفالاً للأطفال فيه، في فرصة تنفض عنهم وجع الحرب وصوت الرصاص، ومشاهد الدمار والدم والنزوح. كان الشارع يغص بمئات الأطفال الذين تتعالى صرخاتهم ويطلقون العنان لحناجرهم. توجه محمد نحوهم بعربته المزهوة بألوان الربيع، علّه يحظى بممارسة طفولته بينهم. أخذته صيحاتهم المتعالية، فترك عربته وسط الطريق المليء بالألعاب المائية، وراح يلعب بينهم.

يقول محمد: "لا نعرف إن كنا سنبقى في المخيم في الأيام أو الأشهر أو السنوات المقبلة، ولا نعلم إن كان المخيم نفسه سيبقى بأهله وناسه، ولا نعرف إلى أين سيأخذنا هذا الاقتتال وما الذي سيكون عليه مصيرنا. ما نريده هو فقط أن نعيش بأمان وكرامة فيبقى لنا المخيم وتبقى بيوتنا. لكن، إن ذهبت بيوتنا فلا نعرف ما مصيرنا ومصير المخيم".

يثبت محمد في أفعاله وأقواله أنّ ما يحتاجه هو أو غيره من أطفال المخيم ليس أكثر من فسحة أمل وحياة. يحتاجون ذلك بشدة ليخرجوا من ركام الموت والحرب، ويذهبوا إلى المدارس وينهلوا العلم الذي يؤمّن لهم مستقبلهم، على أن تلاقيهم القوانين أيضاً فتسمح للفلسطيني بالعمل والسفر وتعامله بإنسانية.

أطفال مخيم عين الحلوة وغيره من مخيمات الشتات الفلسطيني يريدون العيش كباقي أطفال العالم، يريدون الحب والأمن والأمان. يحتاجون إلى إرساء حقهم في طفولتهم التي نسوها تحت الرصاص والقذائف. يوجهون صرخة واحدة إلى كلّ المتقاتلين من دون استثناء ألا يصوّبوا بنادقهم في وجه أبناء شعبهم، فالمطلوب توجيهها نحو عدوهم الأوحد، وهو العدو الصهيوني الذي اغتصب فلسطين وحرمهم منها قبل عقود.

المساهمون