محنة الضب بين الدين والعلم

محنة الضب بين الدين والعلم

15 ابريل 2017
معروف في السعودية أيضاً (محمد الحويطي/ فرانس برس)
+ الخط -
قبل أن تخمد نار الحرب المستعرة بسبب الكشف عن ممرات تهريب العقارب السودانية، ومرارة التعاطي مع مثل هذه القضايا على المستويين الرسمي والشعبي، في مقابل تحذيرات خبراء البيئة من كوارث إهدار الموارد، وانتهاكات النظم البيئية، ها هي حرب أخرى تستعر في السودان حول حق الضب في الحياة. جاء ذلك بعد مقال علمي حول دوره في حفظ التوازن البيئي، كتبه عالم الحشرات الشهير البروفيسور محمد عبد الله الريح المدير الأسبق لمتحف التاريخ الطبيعي.

في الجانب الآخر، وقف خطيب في أحد مساجد العاصمة يتندر ساخراً من المقال. بنى الخطيب هجومه على ما جاء في الأثر (ما يروى عن الرسول) من وجوب قتل الضب. أما دفاع محمد عبد الله فقد بناه على إثراء الضب الحياة الفطرية، إلى جانب دوره الكبير في مكافحة الحشرات الليلية خصوصاً.

الناس في تعاملهم مع الضب ألوان ومذاهب، فالبعض يأكله، والبعض لا يطيق مجرد رؤيته، وآخرون ينسجون حوله الحكايات والأساطير، منها ما هو صحيح وواقعي، ومنها ما هو قريب من أسطورة التنين. ومن أهل البادية من يؤمن أنّ الضب غالباً ما يكون مسكوناً بالجن، ويستشهد البعض في هذا السبيل بتقنيته الخاصة في الدفاع عن نفسه عند تعرضه للخطر، إذ يتخلى عن ذيله كنوع من التمويه ريثما يفر بعيداً. والرأي العلمي يقول إنّها ردة فعل عصبية تكون مختزنة وموجودة داخل الذيل، فتحدث ترددات عصبية كهربية تحرك الذيل قليلاً، ثم يتوقف بعد استهلاك الطاقة فيه. وهذه واحدة من عدة وسائل للحماية وفقاً لنوع الضب وبيئته.

من الضبان ما يبدل لونه على مدار اليوم اتقاء للحر، ومنها ما يحفر جحوراً هرمية متعرجة، فعندما تشتد الحرارة تشتد في زاوية دون أخرى. كذلك، يتميز جحر الضب بالساتر الترابي حماية من السيول. ويجنح الضب إلى البيات الشتوي لأنّه من الزواحف المتغيرة الحرارة. وينفخ الضب الصحراوي جسمه كالبالون، ويفتح فمه الأحمر الكبير، ويفح منذراً بالخطر، أو يضرب بذيله الشوكي الطويل كالسوط مهدداً. كذلك، بإمكانه العض، لكنّ عضته المؤلمة غير سامة.

تقنية أخرى تكمن في اعتماده على بناء شراكات ذكية، منها علاقته بالعقارب، فهو يؤويها في جحره لتلدغ من يتجرأ على إدخال يده لصيده. وقد أكد العلماء بعد تجارب عديدة أنّ العقارب لا تلدغ الضب، وأنّ سمها لا يؤثر فيه. وقد كان الأجداد يستخدمون شحومه للشفاء من لدغة العقرب وأيّ حشرة سامة.

يدّعي البعض أنّ الدعوة للحفاظ على البيئة "خروج عن الملة". لكن، في حكايات التدخل المباشر للبشر في الأنظمة البيئية دروس وعبر، فما بال هؤلاء يتركون الفيل ليطعنوا في ظله؟

*متخصص في شؤون البيئة

المساهمون