مفاجأة في العلبة

مفاجأة في العلبة

31 مارس 2017
كيف يكون قلبه "قفصًا دهريّا"؟ (عن الإنترنت)
+ الخط -
لا يحصل شيء اليوم. لم يحصل شيء البارحة، وربما لن يحصل شيء غداً. أؤخّر موعد نومي وأقول: "هل يعقل أن يكون هذا كل شيء لليوم؟". لا أنام. أنتظر. لا أعلم ماذا، لكني أنتظر أن يحدث شيء ما حتى أقول غداً إنه، في الأمس، حصل لي كذا وكذا.

يطول انتظاري. أفتح العلبة التي على المنضدة بجانبي. أفتحها. أي أوصل شريطاً مرتبطاً فيها بالكهرباء وأضغط على كبسة زرقاء. تفتح العلبة ويخرج منها على الفور صوت بشري. إنها علبة الأغاني. علبة يجلس الفنّانون في داخلها على كراس من خشب يمدّون أرجلهم منها كأطفال ضجرين في صالة انتظار. ينتظرون أن يأتي دورهم، أن يختارهم إله العلبة، يقول مثلاً: "دِه الوقت، زيّ العسل". فيغنّون.

يغنون، واحدهم تلو الآخر. أما أنا فأتحكّم بالعجلات. عجلات صغيرة أدير إحداها يميناً فينخفض صوت المطرب أو يساراً فيصدح صوته خارج العلبة. عجلة أخرى أديرها هي أيضاً. هكذا، أخبر إله العلبة أننا لسنا على الموجة نفسها. فوراً، تسكت العلبة لثوان قبل أن يختار لي فنّاناً آخر ربما يعجبني أكثر. أستمع إليه قليلاً، يضجرني، فأحدّث إله العلبة. يمكنني أن أتصّل به، وأطلب منه أغنية، يقول مثلاً: "هذا ما يطلبه المستمعون". أشكر إله العلبة وأتمايل ممتنّة.

أسأل غوغل "من اخترع إله علبة الأغاني"؟ لا يفهم سؤالي. أعيد كتابته: "من اخترع الراديو؟" يفهم، لكنه لا يعرف. يضيع بين ماركوني وإديسون وهيترز وبرانلي. لا يهم. فاليوم أيضاً لم يحدث شيء. أفتح العلبة، أسمع صوتاً بشرياً مألوفاً: يوري مرقدي.

تمرّ أمام عينيّ صورته بنظاراته الحمراء التي طبعت ذاكرتنا نحن جيل التسعينات. وأقول هذه هديّتي لهذا اليوم. هذا الذي حصل معي اليوم، وأفرح. فغداً، عندما أشرب القهوة مع صديقي سوف أقول له إنني البارحة، فتحت العلبة، وخرج منها صوت يوري مرقدي الذي تخلى أخيراً عن النظارات الحمراء وأصبح جذّاباً بشكل لافت.

أفتح العلبة مرّة أخرى وأسمع الصوت نفسه، يوري مرقّدي يغني "عربيّ أنا، اخشيني"، ويقول: "أغرقني لون البحر في عينيك وعادت وانتشلتني خصال شعرك". أذكر أنني كنت أردّد معه كلمات الأغنية من دون أن أفهمها كلّها، واحدة واحدة، وبالأخص كلمة "إخشيني". أو كيف يكون قلبه "قفصًا دهريّا" ويكون هذا أمرا جيّدا ومغريا. لكنني كنت أرددها مع ذلك.

أمسك العجلة السوداء الصغيرة وأبرمها يساراً فيصدح صوته، وأكون بذلك أقول لإله العلبة إننا على الموجة نفسها، وأرجوه أن يكمل الليلة على هذا المنوال. أتمايل قليلاً فيما أرتّب أوراقاً على المنضدة. أنتظر الأغنية اللاحقة، وأقول: "أي كان من اخترع الراديو مخترع عظيم، فهو اخترع المفاجأة ووضعها في علبة".


دلالات

المساهمون