قصص ما بعد النوم

قصص ما بعد النوم

29 سبتمبر 2014
تتمنّى لو تكون حبل غسيل (فرانس برس)
+ الخط -
عندما دخلا معاً غرفة الفندق، هرعت نحو الباب المفضي إلى الشرفة الضيّقة. فتحت الستائر بسرعة ثم أخبرته، من دون أن يسألها، أنها تحبّ سطوح بيروت. وأنها، في عالم آخر، تتمنى لو تكون حبل غسيل على سطح بناية في الجميزة (منطقة في بيروت).
لم يكن بعد قادراً على فهم هذه الرغبة لديها بالتحوّل إلى أشياء كثيرة مختلفة: إصبع حمرة باهظ الثمن، عشبٍ ينمو بشكل مفاجئ على جدران الدار، مرآة قديمة لا تصلح سوى لتفقّد بعض ملامح الوجه، أو حتى حبل غسيل. قالت من دون أن تتوجه إليه تحديداً بالسؤال: "قل لي، عندما تنظر إلى مبنى معظم شققِهِ مسكونة، ألا تتساءل في نفسك ما إذا كان سكان كل بيت من بيوته يعيشون حياة سعيدة؟". كأنها لا تنتظر جواباً، خلعت الجينز واستلقت على سرير شراشفه بيضاء.
اتكأ بدوره على حافّته وخلع حذاءه. يحبّ كيف تصغر عيناها عندما تشعر بالنعاس، لكنّه لم يكن معجباً كثيراً بالتوقيت الذي يختاره النعاس ليتسلّل إليهما. اقترب منها وقبّلها على جبينها، في إشارة منه إلى أنه غير منزعج من نومها المبكر هذا. انتظرها حتى تغمض عينيها ثم ترك لها السرير الأبيض الكبير، وجلس على الكرسي المقابل. عندما رآها تتقلّب في نومها، اقترب منها ليمسّد شعرها. "احكِ لي قليلاً عن عائلتك". قالت له في اللحظة التي سبقت عودتها إلى نوم جزئي. يومها لم يرو لها الحكاية كاملة. أولاً لأنه ما من حكاية كاملة لأي قصة. وثانياً لأنه يعرف أنها، على الأرجح، لن تتذكر في اليوم التالي، حرفاً واحداً ممّا قرّر أن يقصّه عليها.
لم يمرّ شهران على ارتباطهما بعد، في حين أن الحكايات في عائلته كثيرة، تتأرجح بين المأساوي والفكاهي، والمشوّق بشكل خاص. رغم ذلك، لم يساعد العنصر التشويقي في قصصه على إبقائها صاحية لسماع نهاية ليست بالضرورة سعيدة في كل مرة. عاد إلى كرسيّه. كرسيّ قديم مصنوع من المخمل النبيذي كان قد أزاحه إلى اليمين قليلاً حتى لا تفوته حركة صغيرة أو تنهيدة منها أثناء نومها. قالت له مرّة إن الغفوة شيء غير النوم. لم يسألها عن الفرق بينهما. لكنه يفكّر أنها، الآن، على الأغلب تغفو ولا تنام. عندما استيقظت مرة أخرى عند الفجر، ألقت بنظرها على الكنبة فلم تجده. كان واقفاً على باب الشرفة الزجاجي يفرغ علبته من سيجارة أخيرة. - "أنت بغاية الوسامة. ابتعد عن باب الشرفة قبل أن يراك العالم بأسره". - "لكنك أنتِ مَن فتح الستائر!". - "عندما فتحت الستائر كنت لا تزال ترتدي الجينز والقميص". ثم غفت مرة أخيرة، مطمئنة، بعدما تأكدت أنه ابتعد عن الشرفة المطلة على بيروت.

دلالات

المساهمون