الدول الإسكندنافية ليست جنة المهاجرين الموعودة

الدول الإسكندنافية ليست جنة المهاجرين الموعودة

18 ديسمبر 2017
حياة قاسية (شون غالوب/ Getty)
+ الخط -
الرفوف تواجه الطفلة وأخاها في متجر يحتوي مواد عربية وغيرها في مدينة تبعد 31 كيلومتراً عن مركز إيواء للاجئين. الطفلة تهمس بإصرار للحصول على البسكويت وراحة الحلقوم. أما البائع فيركز نظره على ردة فعل الأم فاطمة (طلبت تسميتها به) التي تميل وتقول لطفليها: "أعدكما أن أشتريها لكما في بداية الشهر". يرمق الطفلان أمهما وهما يقولان احتجاجاً: "لكنّها بداية الشهر، فنحن في السابع منه فقط".

الثمن الكلي للبسكويت والراحة ليس أكثر من 5 يورو. لم تفلح محاولة البائع دسّ طلب الطفلين بين الخبز وعلب الفول، بإصرار الوالدة على الرفض بتمتمة: "سلامة خيرك". يتوصل إلى حلّ معها: "سوف أخصم الثمن في المرة المقبلة... أعدك بذلك".

لم يكن قد مضى سوى أشهر على وصول هذه الأسرة طلباً للجوء "بعد رحلة منهكة جداً تجد نفسك معلقاً فيها بين السماء والأرض، لا أنت قادر على العمل، من دون إقامة، ولا تستطيع العيش من دون هذه المساعدة على قلّتها"، بحسب فاطمة. يخفف البائع عن المرأة مأساتها، على وقع صوت فيروز: "بسيطة، واقع لا بد منه، الناس لم تجبر على المرّ إلاّ لمرارة واقعها في بلدها... سوف تتحسن الأمور مستقبلاً، فليكن إيمانك بربّك قوياً".

بعد خروج الأسرة، يعترف البائع لـ"العربي الجديد": "أشعر بأسى حقيقي أنّي أكذب على الناس عن تحسن الأمور، فأنت تقابل أناساً حاصلين على إقامة ويعيشون الكفاف، وبعضهم يحرم نفسه وأسرته لمساعدة من تقطعت بهم السبل في بلدهم أو البلدان المجاورة... هؤلاء عندهم عزة نفس وكرامة فأنت ترى دموعاً محبوسة في معظم الأوقات".

ذلك المشهد ليس في بلد فقير، بل في مملكة الدنمارك، حيث تقيم هذه الأسرة في مركز طالبي لجوء بانتظار حسم طلب الحماية/ الإقامة، وسط جدل سياسي ومجتمعي عن توقف البلاد عن استقبال المهاجرين ودراسة إعادتهم إلى بلدانهم بُعيد استقرار الأوضاع فيها. كثيرون هم الذين مُنحوا إقامة مؤقتة، وبعضهم يعيش في ظروف مالية صعبة للغاية، حتى بعد الحصول على تلك الإقامة إثر تشديدات أدخلت على القيمة المالية المقدمة للحاصلين على اللجوء تحت عنوان "تحديد سقف المساعدات الاجتماعية".

في هذا الإطار، تلتقي "العربي الجديد" بعض طالبي اللجوء من بلدان عربية مختلفة. وبالرغم من أنّ "الصيت هو عن السوريين أكثر من غيرهم، لكن صدقني في هذا المعسكر يعيش طالبو لجوء من كلّ الدول تقريباً". يضيف كاوا الآتي من القامشلي في شمال شرق سورية: "أبداً، لم يكن اختيار السوريين لبلد اللجوء منوطاً بما يقدم من منح مالية. المسألة برمتها ارتبطت دوماً بقوانين لمّ الشمل، وقد تعقدت الأوضاع بعد تشديد هذه القوانين في هذه وتلك من الدول، وبقي المهاجرون يعانون فترة انتظار وهم غير قادرين على مساعدة من ينتظرون من زوج أو زوجة وأطفال في تركيا وغيرها، أو حتى في سورية".

يؤكد عرفان ذلك: "لم نختر، أنا وصديقي عمر، الدنمارك إلاّ لأنّ الناس كانت تقول إنّه أسهل للمّ شمل أسرنا، وليس لما نحصل عليه، وها نحن ننتظر منذ عام ونصف إنهاء لمّ الشمل بمعونة تقدم لنا لا أصفها إلاّ بالحقيرة، لأنّها بالكاد تكفي المواصلات وسد الرمق في بحثك الدائم عن سكن وعمل وتنقلك هنا وهناك للانتهاء من الأوراق المطلوبة ومراجعات القانونيين المساعدين مجاناً، وإلاّ لكانت نكسة لو طلبوا أتعاباً منا هم أيضاً".

في قضية طالبي اللجوء هؤلاء تشابه واضح عن أسباب اختيار الدول للجوء بناء على تسهيلات "إنقاذ العائلة". بعضهم يصف وصوله مثلاً إلى الدنمارك بـ"ورطة نتيجة الاستماع لإشاعات التسهيلات في صفوف المهربين، وبعد أن يأخذوا البصمة وتصبح طالب لجوء فلا يمكنك أن تذهب إلى بلد آخر" بحسب عمر الذي يصر على أنّه "نادم كثيراً لوجودي هنا، لكن ما بيدي حيلة. يجب أن أنقذ زوجتي وأطفالي".

تحت ضغط وتأثير اليمين المتشدد تبنت الدنمارك ما سمي بـ"قانون الحليّ" الذي أعطى السلطات حق انتزاع ما يملكه طالب اللجوء بسقف مالي محدد بنحو 1400 يورو، ليصرف منه قبل مساعدته مالياً. وحملت التعديلات المطبقة اليوم، ما يشكو منه المهاجرون الذين تحدثوا إلى "العربي الجديد". فبالإضافة إلى تخفيض المعونة المالية إلى الحد الأدنى فتصل إلى 210 يورو شهرياً للشخص البالغ في معسكرات (مراكز) اللجوء، مع معاملة صحية للأطفال، والأسر المنتظرة في المعسكر، تشمل العلاج والمتابعة في حالات الاضطرار للعلاج فقط، كبقية الأطفال الدنماركيين من دون تمييز، فقد زادت قوانين العام الماضي فترة انتظار معاملة لمّ الشمل إلى نحو 3 سنوات في المتوسط للحاصلين على "حماية/ إقامة مؤقتة". وفي معظم حالات الآتين فرادى فإنّ الإقامة مؤقتة.

خفّضت السلطات الدنماركية في الأشهر التالية للتعديلات المساعدة المالية 10 في المائة، فيتلقى البعض ما بين 180 و200 يورو فقط. من هذا المبلغ يجب أن يدفع الشخص تكاليف معاملة طلب لمّ الشمل التي تصل إلى حوالى 500 يورو في المتوسط. ولو احتسبنا المسافة بين معسكر طالبي اللجوء والمدينة التي التقت فيها "العربي الجديد" فاطمة وطفليها فإنّ الكلفة لن تقل عن 15 يورو (الأطفال عادة حتى سن الثامنة عشرة يدفعون نصف قيمة الحافلات). وإذا كان الشخص مدخناً، كما في حالتي كاوا وعرفان فإنّ ثمن علبة السجائر يومياً هو 6 يورو (أي 177 يورو شهرياً). ويختار بعض طالبي اللجوء من المدخنين ابتياع التبغ وفلتر السجائر مع ماكينة "لفّ" للتوفير من تكاليف شراء علبة جاهزة.

للخروج من مأزق الحاجة والعوز تمنح القوانين، بالرغم من معارضة اليمين المتشدد، طالبي اللجوء فرصة التقدم بطلب عبر دائرة الهجرة لعمل يحصلون فيه على بعض المال الذي لا تؤثر قيمته على المساعدة في حال لم يتجاوز سقفاً تحدده الاتفاقية مع أرباب العمل، وفي أغلبها أعمال لمهاجرين كمحلات جزارة وأفران وخضر ومواد غذائية ومطاعم وكراجات تصليح سيارات.

تقدر القيمة الممنوحة شهرياً لطالب اللجوء في السويد بحوالى 220 يورو، ويقيم طالبو اللجوء بشكل مؤقت ودائم في مراكز إيواء لفترات زمنية طويلة. تسمح السويد لطالبي اللجوء بالحصول على عمل بأجر زهيد، وتتعاون الدولة مع من يقبل العمل "بهدف التجهز للعودة إلى الوطن" طوعياً بتمديد عقد عمله ليتمكن من جمع بعض النقود التي تساعده في البدء بتكوين حياته من جديد في وطنه الأصلي. ويمنح طالبو اللجوء العلاج الضروري مجاناً مع تشديد واضح في قضايا لم الشمل التي يصفها المهاجرون بأنّها "تعجيز لأجل ترك السويد".

في النرويج يقيم طالبو اللجوء في معسكرات استقبال لفترات زمنية طويلة نسبياً. ويحصل هؤلاء على عقود عمل مؤقتة لستة أشهر قابلة للتمديد، بأجر زهيد، ومعظمها لدى مهاجرين آخرين مقيمين في البلاد منذ سنوات طويلة. وفي حال تقديم مركز اللجوء وجبات طعام يحصل الشخص البالغ على حوالى 95 يورو شهرياً، أي 3.16 يورو يومياً. وفي حال الإقامة في مركز لا يقدم أيّ خدمات فإنّ المساعدة في المتوسط هي في حدود 270 يورو أي نحو 9 يورو يومياً. وفي حال كان طالب اللجوء يملك أكثر من 526 يورو لا يمنح أيّ مساعدة إلى حين صرف المبلغ على أموره الضرورية الشبيهة بما تغطيه المساعدة الرسمية، وذلك وفقاً للأرقام الرسمية لدائرة الهجرة في أوسلو.

المساهمون