معونة لا تكفي المهاجرين في ألمانيا

معونة لا تكفي المهاجرين في ألمانيا

18 ديسمبر 2017
مرحب به لكن ممنوع من العمل (آدم بيري/ Getty)
+ الخط -
مع اشتداد النزاعات والحروب الأهلية في الشرق الأوسط وأفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية، وصلت إلى ألمانيا أعداد كبيرة من اللاجئين، إلّا أن العام 2015 كان نقطة تحول بتسجيل وصول أكثر من مليون مهاجر أخذت برلين على عاتقها مهمة التكفل بمصارفيهم كاملة، خصوصاً أولئك الذين استحصلوا على حق اللجوء وأغلبهم من السوريين. ومع تقديرهم لهذه المساعدات والمعونات الاجتماعية المحدودة التي تترافق أيضاً مع دفع إيجارات السكن، إلا أنّها تبقى غير كافية لمتطلبات الحياة اليومية.

هذا الواقع يعبر عنه أحمد بغصة: "الوضع المادي بالنسبة لمعظم اللاجئين غير مريح، وبالنسبة لي لا يكفي المبلغ الذي أحصل عليه أنا وزوجتي حتى نهاية الشهر، ويبقى أحد أصدقائي العازبين الذي تعرفت إليه عند وصولي عام 2015 هو ملجئي الوحيد للاستدانة منه كلما احتجت للمال".

يشير إلى أنّه على الرغم من وجوده منذ أكثر من عامين في البلاد لم يتمكن حتى اليوم من ترتيب مصاريفه مع المبلغ الشهري الممنوح له من السلطات الألمانية. مع ذلك، هو ممتن لهذا البلد الذي يتحمل عنه الكثير من الأعباء المادية، ومنها تعرفة استخدام التلفزيون بعد ملء استمارة تثبت أنّه يتقاضى معونة من مكتب العمل، بالإضافة إلى الضمان الصحي وبطاقة النقل المشترك التي يحتاج إليها لمتابعة صفوف اللغة هو وزوجته. ويستفيد من لديه أولاد من تعليمهم بالمجان، بالإضافة إلى مصروف جيب شهري للصغار.

يؤكد أحمد أنّ هناك صعوبة في الاستمرار على هذا المنوال من دون الحصول على عمل، وهو الأمر الذي أثاره عدة مرات خلال حصص اللغة الألمانية مع أستاذه الذي طلب إليه التروي والصبر ومحاولة إتقان اللغة أولاً قبل الولوج إلى سوق العمل. يمنّي أحمد النفس في أن يستحصل في أقرب وقت على فرصة عمل مناسبة له، ويلفت إلى أنّه كما كثير من مواطنيه اعتبروا بمجرد حصولهم على حق اللجوء وبالتالي الاستفادة من المعونة الاجتماعية أنّ في إمكانهم التكفل بكثير من المصاريف، لكنّهم اكتشفوا بعد ذلك أنّ الوضع مختلف في ظل متطلبات ومصاريف الحياة المرتفعة في ألمانيا.

يشرح: "على سبيل المثال، وصلتني قبل فترة رسالة تفيد بأنّ عليّ دفع مبلغ 570 يورو فرق فاتورة الكهرباء عن العام الماضي، علماً أنّي أسدد شهرياً من المعونة الاجتماعية مبلغ 66 يورو بدل كهرباء، وزاد الرسم الجديد إلى 96 يورو، فوجدت نفسي أرزح تحت أعباء جديدة، ولم أملك حلاً سوى استدانة قسم من المبلغ من شقيق زوجتي في الدنمارك والجزء الآخر من صديق على أن أسدده لهما بالتقسيط". يضيف: "ومع نهاية فصل الشتاء نتوقع الإضافات أو الفروق في فاتورة المياه والتدفئة التي تدفع أساساً مع إيجار المنزل وتبلغ 525 يورو، علماً أنّنا نحاول بقدر الإمكان التقشف وعدم التبذير في المصاريف". يتابع: "حاولت مراراً البحث عن عمل في الأسود (غير شرعي) لكن لم أنجح، خصوصاً أنّ الأمر يتطلب سرية ومعرفة بالكثير من المقيمين".

يكشف أحمد أنّه يتلقى من مكتب العمل ما مجموعه 404 يورو شهرياً فيما تتقاضى زوجته 364 يورو. ويلفت إلى أنّ المبلغ الإضافي مقارنة بزوجته وهو 40 يورو، يحصل عليه كونه مصاب بمرض مزمن ويحتاج إلى الغذاء، وهنا تتدخل زوجته لتقول إنّ مصاريف المأكل والمشرب لا ترهق الجيب إنما الفواتير الثابتة.

أما الشاب نديم، فهو الآخر ممن يعانون من قلة المال، فبعد وفاة والده في الحرب في سورية انتقل وعائلته إلى مخيم الزعتري في الأردن. وبعد فترة لجأ عبر تركيا إلى ألمانيا. هو مضطر الآن لتأمين مبلغ شهري (250 يورو) لإعالة والدته وأخته. يعبر عن حزنه لعدم قدرته على لمّ شمل والدته بعد تعديل قوانين اللجوء، خصوصاً لأصحاب الإقامة الثانوية، أي الممنوحة لعام واحد قابلة للتجديد. ويلفت إلى أنّه من حين إلى آخر يتشارك مع صديق له الذهاب إلى العمل لدى بعض أبناء الجالية من مالكي المنازل لتنظيف الحدائق أو نقل الأغراض أو ما شابه ذلك، ولو كانت المبالغ التي يتقاضاها لا تتناسب مع نوع العمل الذي يجده شاقاً ومرهقاً في آن. يتابع: "أذهب في كثير من المرات إلى السوق لابتياع بعض الحاجيات من ملابس وغيرها، لكنّي أعدل عن ذلك في اللحظات الأخيرة خوفاً من نقص مصروف الجيب".

لا يختلف وضع السوري طلال كثيراً، وإن كان من أوائل من وصلوا إلى ألمانيا عام 2014. كان يعمل في شركة والده التي كانت تستورد قطع السيارات المستعملة من ألمانيا إلى سورية على مدى أكثر من 30 عاماً. يقول إنّه مع تدهور الوضع غادر سورية إلى برلين وتقدم بطلب لجوء، وباشر بعدها بالعمل لدى تاجر صديق لوالده واستفاد مادياً طوال أكثر من عام وتمكن من لمّ شمل عائلته. يعقب أنّ الوضع تغير منذ عام تقريباً ما اضطره إلى ترك العمل، فحاول تدبر معيشته من المعونة الاجتماعية والبدل المادي المخصص لتربية طفلته. يقول: "لا نشتري إلا ما هو ضروري، ونداري أمورنا بالحسنى، وكلنا أمل في العثور على فرصة عمل مناسبة نستطيع من خلالها تحسين دخلنا". يشكو: "أخي مقيم في مدينة كولن وكنت قد قررت أن أزوره خلال عيد الأضحى الماضي، لكن بسبب أسعار بطاقات القطارات الباهظة والحاجة إلى بعض الأغراض للسفرعدلت عن الفكرة نهائياً".

أما الشاب العراقي وليد الذي جدد إقامته قبل شهرين لثلاث سنوات، كونه وصل إلى البلاد عام 2014، فيلفت إلى أنّ وضعه المادي لم يتحسن إلا بعدما لجأ إلى العمل في مقهى للنرجيلة "بالأسود" لساعات إضافية فيستفيد من مبلغ جيد. وعن الفترة السابقة، يشير إلى أنّه لطالما استلف المال من بعض الأصدقاء. كذلك، يتذكر أنّه دفع مبلغ ألف يورو سمسرة غير شرعية لأحد الأشخاص لإرشاده إلى شقة للإيجار. يقول إنّه يهيئ نفسه للزواج من قريبته بعدما تمكن من ادخار مبلغ من المال على مدى أكثر من عام من عمله غير القانوني، ليعود ويؤكد أنّه في بلد إذا لم يملك الفرد فيه مؤهلات علمية جيدة أو حرفة مع إتقان اللغة فلا يمكنه من خلال راتب عادي أن يدخر مبلغاً بسيطاً حتى، لأنّ المصاريف الثابتة كبيرة.

المساهمون