إرث مشاكل في تونس

إرث مشاكل في تونس

05 سبتمبر 2016
تشهد تونس احتجاجات عديدة منذ سنوات (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -
تغيّرت تركيبة الحكومة التونسية بعد أسابيع من المشاورات، وبعد الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية. لكنّ الجميع يدرك أنّ حكومة يوسف الشاهد الجديدة تسلّمت إرثاً مثقلاً بالمشاكل الاجتماعية التي فشلت الحكومات المتعاقبة في التخفيف من حدّتها. تركة من التراكمات تواجهها الحكومة بمعادلة صعبة تستوجب اتباع سياسة التقشف، والتخفيف من المصاريف الحكومية، والبحث عن حلول اقتصادية، في سبيل تحقيق المطالب الاجتماعية المتمثلة أساساً في التوظيف والتنمية.

لكنّ بعض المراقبين يرون أنّها خطوط عريضة لا تختلف عن مضامين الخطابات السياسية التي عهدها الشارع التونسي. كذلك، يرون أنّ الوضع يتطلب التنفيذ لا مجرد الوعود، مستغربين عدم لقاء الشاهد خلال مشاورات تشكيل الحكومة بشخصيات لها علاقة بالمجال الاقتصادي أو الاجتماعي، بل اقتصار المشاورات على الجانب السياسي.

التحدي الذي تواجهه الحكومة هو كيفية إنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية من دون الإضرار بالفئات الاجتماعية الهشة، أو المساس بحقوق العمّال والعائلات المحدودة والمتوسطة الدخل.
مثل هذا الأمر يثير الشكوك، فالشاهد أكد على إمكانية اللجوء إلى التخفيض في المصاريف الحكومية وترشيدها ومراجعة التصرف في الموارد البشرية. وهو ما قد يكون له انعكاس سلبي على التشغيل وعلى الاستقرار الاجتماعي، لا سيما التوجه إلى إلغاء التوظيف في القطاع العام، وعدم تعويض المتقاعدين، وضبط برامج الترقية والساعات الإضافية ومنح الإنتاج. كذلك، هناك إمكانية للبدء في برنامج تسريح طوعي للموظفين عام 2018. مع العلم أنّ سياسة التقشف ستنسحب أيضاً على تسريح آلاف العمال وإيقاف الاستثمار في التنمية والبنية التحتية في حال لم تجد الحكومة حلاً للأزمة الاقتصادية، بحسب رئيسها.

هذه التصريحات أثارت جدلاً كبيراً لدى الرأي العام، لا سيما أنّ الحكومة مطالبة بالاستجابة إلى المواطنين، خصوصاً لجهة زيادة النمو وخلق الوظائف. فالسنوات الماضية شهدت احتقاناً كبيراً لدى المواطنين المطالبين بالتنمية والوظائف. وهو ما يجعل الحكومة أمام تحدٍّ كبير يتمثل في حلّ ملف البطالة الذي يحرّك الشارع. وكان المدير العام للمعهد الوطني للإحصاء، الهادي السعيدي، قد أشار إلى أنّ عدد العاطلين من العمل في تونس يصل إلى 629 ألف شخص، من بينهم نحو 236 ألف عاطل من العمل من أصحاب الشهادات العليا. كذلك، أشار إلى ارتفاع نسبة البطالة في تونس في الربع الثاني من العام الجاري، إلى 15.6 في المائة بعدما كانت في حدود 15.4 في المائة خلال الربع الأول.

تشكلت الحكومة الجديدة في الوقت الذي تشهد مناطق عديدة احتجاجات شبابية. نحو 30 شاباً وشابة من محافظة القصرين يرابطون أمام وزارة التشغيل منذ أكثر من 6 أشهر في اعتصام مفتوح، مطالبين بتوظيفهم وبحقهم في الوظيفة العامة. كذلك، ينفذ نحو 25 مواطناً من خريجي التعليم العالي، اعتصاماً مفتوحاً في مقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان منذ أكثر من 5 أشهر، مطالبين أيضاً بحقهم في التوظيف، خصوصاً أنّ معظمهم تجاوز الأربعين عاماً.

الاعتصامان ليسا سوى مثالين على نشاطات جارية منذ أكثر من 5 سنوات تطالب بالحق في العمل. كذلك، يمكن الحديث عن انفجار اجتماعي قاده المحرومون من أبناء الأحياء الشعبية ومن أبناء الجهات الداخلية مطالبين بتوفير التنمية في مناطقهم وتحسين مستوى المعيشة فيها والتوظيف. يلاحظ في هذا الإطار، أنّ كلّ الإضرابات القطاعية في مختلف الاختصاصات ينفّذها أيضاً عدد كبير من الشباب الرافض لأشكال التوظيف الهشة، خصوصاً في قطاع التعليم.

من جهتها، طالبت الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل في أواخر يوليو/ تموز الماضي، البرلمان التونسي بالإسراع في المصادقة على قانون تأسيس المجلس الوطني للحوار الاجتماعي. كذلك، دعت الهيئة الحكومة إلى الشروع في التفاوض حول الملفات الكبرى، وإشراك الاتحاد العام التونسي للشغل في ذلك. وطالبت الحكومة الجديدة بالالتزام بتطبيق العهود والاتفاقيات والعمل سريعاً على حلّ كلّ الملفّات القطاعية والجهوية العالقة بهدف تحقيق الاستقرار الاجتماعي.

تواجه الحكومة الجديدة ملف عجز الصناديق الاجتماعية. وهو الملف الذي فشلت الحكومات السابقة في حلّ أزمته، فالعجز فيه قد يتجاوز ملياري دينار تونسي، أي أكثر من مليار دولار أميركي، خلال السنوات الخمس المقبلة. ويؤكد عبد الكريم جاد، المسؤول عن التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية في الاتحاد العام التونسي للشغل، لـ"العربي الجديد"، أنّ الصندوق الوطني للتقاعد في القطاع العام يواجه صعوبة كبيرة في صرف الرواتب. وفي هذا الإطار، شدد الاتحاد على خطورة الوضع وضرورة تحمّل الحكومة مسؤوليتها والبحث عن موارد تمويل لفرض استمرارية هذه الصناديق، ووضع هذا الملف في أولوياتها التي تتطلب الحلّ في السنوات المقبلة، مع ضرورة إشراك الجهات ذات الصلة في البحث عن تلك الحلول.