مناسبات.. أم أعباء

مناسبات.. أم أعباء

24 اغسطس 2015
تتحول المناسبات حنيناً، من ثم يتحول الحنين صورة (Getty)
+ الخط -

تعمل المناسبات، بسبب قوتها على فرض التشابه بالرغم من تغيّر الظروف، مثلما تعمل الآلات من دون توقف: إنها تكرر الأفعال نفسها وتنتج القيم والمشاعر ذاتها.
ثمّة تكرارٌ قويٌّ وتشابهٌ راسخٌ، يجعلاننا مُبرمجين ومتشابهين ومنتظرين، الواحد إزاء الآخر، أحداثاً ومناسبات بعينها. مناسبات تكاد تكون أعباءً ثقيلة على الذين لا يعتادون التكيّف مع نمطيّة العادات المكررة.

ثمّة لذلك مواعيد ثابتة ومكررة من سنة إلى أخرى في دائرة مغلقة، دونما تغيير أو تبدّل. ونحن في هذه الحال المستعادة على نحو رتيب وثابت، نكون أقرب إلى أسرى لهذه المناسبات. إنها تصنعنا بطريقة ما، وربما تجعلنا متماثلين، إن لم نقل مضجرين ومملين.
للمناسبات قدرة على النفاذ إلى داخل كل فرد حتى إن لم يكن ممن يحتفون بها، إنها جزء من الهواء العام، وجزء من الفضاء المحيط بالجميع. تصنعنا المناسبات على نحو عمومي وقسري. وفي الوقت الذي نظن أنفسنا مشاركين في حدث عام، إنما نكون أبعد الأشخاص عن أنفسهم.

ربما يكون الملل هو العامل الخفي وراء المناسبات هذه. الملل هو الذي يدفعنا إلى الشعور بالعبء والنفور. ربما لأن هذه المناسبات تختارنا وتشكّل وعينا، لا نحن من يختارها ويصنعها، فحينما يقلّ مدى مشاركة الواحد منا في أحداث عامة، يحسّ بغربة ووحشة.
لكن يبقى للمناسبات عامل شعور جمعيّ عام يدفع إلى الدفء والتشارك. المناسبات أقدم منا، ونحن أبناؤها الجدد. غير أن حاجة ما تظل تطاردنا لجهة تحويل القديم إلى جديد أو إحلال الجديد محله، من خلال إضفاء لمسة فردية أو إدخال معنى شخصي على حدث عام، لا بل تحويل الحدث الفردي إلى حدث عام! لم لا؟
في المناسبات ثمة شعوران يتعاركان ويتخاصمان: الشعور الجمعي العام والشعور الفردي الخاص.

لعل في قياس مدى انسجام كل واحد منا مع مجتمعه ومحيطه حصّة من هذا التعارك الخفي وغير المعلن عنه. يبدو الواجب أقوى من الرفض، كما يظهر التكيف أسبق على التمرد. ولكن هل هذه المناسبات العامة هي حقاً علامة على وعي نزيه وتشارك فاعل؟ هل هي من مادة الصورة الحقيقية عن أنفسنا، أم هي من ما صنعه آخرون لنا، آخرون ربما لا علاقة لنا بهم.

تتحول المناسبات إلى حنين، ثم يتحول الحنين إلى صورة. لكن من الملائم ربما أن نتساءل عن أثرها علينا، من جديد، كما لو أنها تحدث أول مرة. من يدري ربما تجعلنا المناسبات نفكّر مثلما يفكّر غيرنا ونشعر مثلما يشعرون من دون أن ندرك خطورة هكذا تشابه. فليس من المناسب أن نتحول إلى نسخ متطابقة من أجل أن نقدم الولاء لمناسبات لم يكن لنا يد في صنعها ولا تحويلها إلى آلات دائمة العمل، بلا أي توقف قط، وبلا مراجعة.

اقرأ أيضاً: غواية التنجيم

دلالات

المساهمون