هل يساعد فيروس كورونا في إنتاج لقاح ضد السرطان؟

هل يساعد فيروس كورونا في إنتاج لقاح ضد السرطان؟

20 نوفمبر 2020
تقنية mRNA المعتمدة في البحث عن لقاح لكورونا قد تقود إلى لقاح ضد السرطان (Getty)
+ الخط -

لم يشكل الاختراق الذي حققته شركة BioNTech في البحث عن لقاح لفيروس كورونا مجرد نتاج عرضي عن الهدف الحقيقي، فالشركة تأمل في إحداث ثورة في مكافحة السرطان بتقنية mRNA الخاصة بها.

وبحسب مركز أبحاث السرطان في مدينة نيويورك، فإنّ التوقيت الحالي هو الأفضل للوصول إلى لقاح ضد السرطان، بعدما تصدر وسائل الإعلام خبر التوصل إلى نوع جديد من اللقاح فعال بنسبة 90٪ ضد كورونا، يعمل بهذه التقنية.

"هذه البيانات تقرّبنا خطوة إلى حل محتمل للوباء العالمي الحالي"، كما يقول أوغور شاهين، المدير التنفيذي لشركة BioNTech، شركة التكنولوجيا الحيوية التي تتخذ من ماينز مقراً لها، والتي طورت اللقاح مع شركة الأدوية الأميركية Pfizer.

قد لا يشير الاختراق إلى بداية نهاية أزمة كورونا فحسب، بل قد يساهم في تغيير جذري في النهج الكامل لتطوير اللقاحات بشكل عام، إذ يتم حقن الأشخاص الذين يتلقون الأمصال، التي تم تطويرها بهذه التقنية، بجزيء مُعبأ يحتوي على مخطط بناء على شكل رسول RNA، أو mRNA، وتمتص الخلايا في الجسم هذه الجزيئات، وعندها يدفعها داخل BioNTech المرسال لإنتاج بروتين معين، وبالتالي فإن هذا البروتين "غريب" عن الجسم وتهاجمه الخلايا المناعية، ما يطور المناعة.

تقول سوزان كلايجر، الحاصلة على درجة الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد، التي تعمل على تطوير اللقاحات "تحاكي هذه اللقاحات تدريب الجهاز المناعي للجسم على مهاجمته، وبالتالي فهي قادرة على التفاعل مع الخلايا المناعية، وتشكل أداة جديدة لمكافحة السرطان".

"نتيجة تاريخية"
استمر البحث في هذه التقنية لعقود من الزمن بسبب فعاليتها المحتملة في مكافحة جميع أنواع الأمراض، بما في ذلك السرطان، والآن، في الحرب ضد فيروس SARS-CoV-2 ، أثبتت BioNTech وPfizer أنها تعمل في الإطار نفسه.

يقول عالم المناعة نيكولاس جاكسون، من ائتلاف ابتكارات التأهب للأوبئة، وهو تحالف دولي للنهوض بأبحاث اللقاحات، "هذه نتيجة تاريخية، أول لقاح mRNA يظهر فعالية مؤقتة".

وأخبر جاكسون مجلة "دير شبيغل" الألمانية أنه "إذا لم تكن هناك نكسات، يمكن لهذه النتيجة الإيجابية أن تقود حقبة جديدة من الجهود لتطبيق تقنيات داخل BioNTech المرسال تجاه الأمراض المعدية".

يوافقه الرأي نوربرت باردي، الأستاذ المساعد في جامعة بنسلفانيا، ويقول "إنه لأمر رائع أن لقاح mRNA يعمل بشكل جيد"، ويعتقد أنه إذا أثبت نفسه "سيكون هناك على الأرجح المزيد من لقاحات داخل BioNTech المرسال المعتمدة ضد السرطان والأمراض المعدية في السنوات المقبلة".

تحول الباحثون إلى تقنية mRNA لإنتاج اللقاحات جزئياً لأنّ الطرق التقليدية شاقة للغاية، حيث كان يتم إنتاج هذه اللقاحات باستخدام فيروسات ضعيفة أو أجزاء من الفيروسات، فلإنتاج لقاح الإنفلونزا على سبيل المثال، يتم استخدام 500 مليون بيضة كل عام لتكاثر فيروس الإنفلونزا، وعلاوة على ذلك، ثبت أنّ هذا النهج غير فعال في المعركة ضد بعض الأمراض المعدية، مثل الإيدز أو حمى الضنك، ناهيك عن إنتاج لقاح لمرضى السرطان.

لقاح السرطان؟
بعد هذه البداية المشجعة، يشهد المجال القليل من التقدم لبعض الوقت، والسبب أنه ثبت أنّ mRNA غير مستقر للغاية، وغالباً ما ينهار فور حقنه في الجسم أو يختفي تماماً.

أصبح الهدف هو استخدام الحيل الجزيئية لتعبئة داخل BioNTech المرسال بطريقة يمكن أن تجد طريقها إلى الخلايا من دون أن تتضرر.

فقط في السنوات العشر الماضية، كما يقول باردي، تمكنت الابتكارات التقنية وتمويل الأبحاث من تحويل mRNA إلى "أداة علاجية واعدة".

شاركت الخبيرة الطبية أوزليم توريسي وزوجها أوغور شاهين في هذا البحث. كان الزوجان يأملان في اكتشاف طرق محسنة لعلاج الأورام، وفي وقت مبكر، كانا يحلمان بالقدرة على إنتاج لقاح للسرطان.

وتقوم نظريتهما على أساس أنه عندما يبدأ النسيج السرطاني في النمو، يتم إنتاج خلايا غير طبيعية تبدو غريبة على جهاز المناعة، فقامت توريسي وشاهين بمقارنة الأنسجة السليمة بأنسجة غير طبيعية من مريض سرطان معين، وتمكنا من العثور على تلك الخلايا التي تبدو غريبة، ثم قاموا بإنتاج mRNA الذي يحتوي على مخطط لهذه الهياكل الأجنبية على وجه التحديد، لقد قاموا أيضاً بتحسين mRNA بحيث يصل في الواقع إلى الخلايا المستهدفة في الجسم.

في إحدى الدراسات، قامت توريسي وشاهين بإعطاء mRNA المناسب لـ13 مريضاً يعانون من سرطان الجلد الخبيث، ووجدا أنّ الجهاز المناعي لكل مريض قد استجاب؛ ثمانية منهم لم يشعروا بأي ورم، من 12 إلى 23 شهراً بعد ذلك. العلاج غير قادر على الوقاية من السرطان، ولكن يمكن أن يساعد في علاجه ومنع ورم خبيث.

كذلك، فإنّ نتائج مماثلة، يتوقع أن يحققها للقاح الذي أنتجته شركة "موديرنا" في كامبريدج، وهي تقوم على أن يتلقى كل مريض mRNA المصمم بدقة وفقاً للملف الجيني للسرطان الذي يعاني منه.

ولا تزال هذه العلاجات المناعية المخصصة للسرطان تُعتبر تجريبية، لكن نتائج الدراسة الأولية كانت واعدة جداً لدرجة أنّ توريسي وشاهين وفريقهما تمكنوا من نشر نتائجهم في يوليو/ تموز 2017 في مجلة Nature العلمية البارزة.

بعد عامين تقريباً، تلقى مريض سرطان الجلد البالغ من العمر 52 عاماً في الولايات المتحدة العلاج التجريبي BioNTech، وبعد ذلك قال لمجلة Nature "كنت في الواقع أشهد تقلص الخلايا السرطانية أمام عيني".

1.3 مليار جرعة
لكن في يناير/ كانون الثاني الماضي، انضمت توريسي وشاهين إلى السباق للحصول على لقاح ضد فيروس كورونا بين عشية وضحاها، بشكل أساسي، بمجرد أن أدركا خطورة الوباء الذي يلوح في الأفق. وقاما بتشكيل فريق مكون من 40 شخصاً داخل BioNTech.

في البداية، وعلى أساس التسلسل الجيني للفيروس، طوّر هذا الفريق بسرعة 20 لقاحاً مرشحاً محتملاً، وبدأ في اختبارها على حيوانات المختبر، ما أدى إلى تضييق مجال الأمصال المحتملة، وفي الوقت نفسه تحولت BioNTech إلى شركة الأدوية العملاقة Pfizer مع عرض للعمل فريقا واحدا في مرحلة الدراسة السريرية.

شارك أكثر من 43500 شخص حتى الآن في دراسة المرحلة الثالثة، وتلقّى بعض المشاركين حقنتين من دواء وهمي بفاصل ثلاثة أسابيع، بينما تلقى الآخرون الدواء المرشح للقاح.

لم يعرف الأشخاص الخاضعون للاختبار، ولا الأطباء المشاركون، منْ تلقّى اللقاح موضوع التجربة، وبمجرد وصول ما مجموعه 94 من الأشخاص الذين تم اختبارهم إلى كورونا، تم تحليل البيانات لأول مرة من قبل خبراء مستقلين، ووفقاً لذلك التحليل، أنتج اللقاح "أكثر من 90%" من الحماية، كما أشار البيان الصحافي.

ماذا عن لقاحات mRNA الأخرى التي تتنافس مع BioNTech؟

يقول فرانز فيرنر هاس، الرئيس التنفيذي لشركة Curevac للتكنولوجيا الحيوية ومقرها توبنغن، لمجلة "دير شبيغل"، إنّ اللقاح المرشح لشركته أثبت أنه آمن في جميع مستويات الجرعات التي تم اختبارها، مضيفاً أنّ الدراسة الحاسمة للموافقة ستبدأ قبل نهاية العام.

ويقول نوربرت باردي إن شركة التكنولوجيا الحيوية Moderna، التي يقع مقرها في كامبريدج، ماساتشوستس، يمكن أن تظهر قريباً "نتائج مماثلة" لتلك التي تنتجها BioNTech.

المساهمون