نقص الأدوية يرهن صحة التونسيين للنكسات

نقص الأدوية يرهن صحة التونسيين للنكسات

20 نوفمبر 2022
مئات من الأدوية مفقودة منذ أشهر في تونس (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

يُغادر عبد الرحمن المستوري (65 سنة) بخيبة أمل صيدلية في تونس العاصمة، بعدما لم يجد دواء القلب الذي بحث عنه في أكثر من 5 صيدليات في اليوم نفسه، وتبلغ من موظفيها أنّ الدواء مفقود، ولا يوجد بديل له الآن. يعاني عبد الرحمن منذ أربع سنوات من مشاكل في دقات القلب، ولا يجب أن يبقى من دون دواء أكثر من يومين، لأنه معرّض لخطر مواجهة انتكاسة صحية كبيرة في أي وقت. ويقول لـ"العربي الجديد: "توجد أزمة كبيرة منذ أشهر في توفير هذا الدواء، وأنا لم استطع شراء علب احتياطية منه، إذ لا تمنح الصيدليات إلا علبة واحدة لكل شخص من أجل توفير الدواء لمرضى آخرين. وهكذا تلازمني باستمرار المخاوف من عدم توفر الدواء الذي يبقيني حياً". وقد استفحلت أزمة فقدان نحو 700 نوع دواء خلال الأشهر الماضية، ونقص كميات أصناف أخرى، بينها تلك الأدوية العادية، مثل مسكنات الألم والمضادات الحيوية، وحتى فيتامينات ومكمّلات غذائية. 

فعلياً، كلّ من يقصد صيدلية في تونس لا يستطيع شراء أكثر من علبة دواء واحدة. حتى إذا امتلك وصفة طبية تحدد عدد علب الدواء، فالصيدلية لا توفر سوى علبة واحدة، والأدوية المخصصة لآلام الرأس أو الأسنان وغيرها من المسكنات والمضادات الحيوية، وأدوية نزلات البرد، باتت تُباع بكميات قليلة، ويمكن إيجاد بعضها، وتغيب أخرى بالكامل. وقد دفع ذلك أصحاب صيدليات ومختبرات إلى إعلان حالة الطوارئ، ومطالبة الدولة بالتدخل لحلّ الأزمة، وإيجاد حلّ لمشكلة ديون الصيدلية المركزية المتراكمة لدى المؤسسات الصحية الحكومية وصندوق التأمين على المرض.

صحة
التحديثات الحية

كريم الورتاني، صاحب صيدلية، ويقول لـ"العربي الجديد": "تتوفر بدائل لبعض الأدوية بخلاف أخرى قد تخصص لأصحاب أمراض مزمنة، ما يشير إلى أنّ الوضع بات مقلقاً جداً لأصحاب الصيدليات والمرضى على حدّ سواء. وحتى الأدوية العادية التي يمكن أن تباع من دون وصفات طبية، على غرار المسكنات والمضادات الحيوية، باتت تشهد نقصاً كبيراً، ونحن لا نبيع منها سوى علبة واحدة لكلّ مريض".

بدورها، بحثت عائدة بالشيخ (45 سنة) عن دواء لضغط الدم في صيدليات محافظات أخرى. ولم تجد إلا كتابة نداء على مواقع التواصل الاجتماعي لمحاولة إيجاد دوائها. لا نبحث عن الأدوية فقط في الصيدليات، فحتى بعض الفيتامينات باتت غير متوفرة، ولا يمكن شراء أكثر من علبة دواء واحدة".  
في المقابل، تؤكد وزارة الصحة أنّها تغطي 54 في المائة من احتياجاتها للأدوية من خلال الصناعة المحلية، وأن النقص في الأدوية ليس بالحجم الذي يتحدّث عنه أصحاب الصيدليات، وينحصر غالباً في أنواع تتوفر لها بدائل. مشيرة إلى أن فقدان بعض الأنواع يرتبط بنقص السيولة لدى الصيدلية المركزية بتأثير ارتفاع أسعار المواد الأولية. 

الصورة
باتت أدوية نزلات البرد تُباع بكميات محدودة جداً (العربي الجديد)
باتت أدوية نزلات البرد تُباع بكميات محدودة جداً (العربي الجديد)

في سبتمبر/ أيلول الماضي، دعا وزير الصحة، علي المرابط، إلى تحديد احتياجات البلاد بدقة لدى التزوّد بأدوية بهدف ترشيد النفقات في المجال، ما أثار جدلاً كبيراً، خصوصاً أنّه لا يمكن حصر عدد المرضى ونسبة الأمراض وعددها، وبالتالي الأدوية التي قد يحتاجها الناس، لا سيما في فصل الشتاء الذي تكثر فيه الأمراض. كما أن مرضى كثيرين يشترون أدوية من دون وصفات طبية. 
وسبق أن أكدت الصيدلية المركزية أنّ ديونها لدى المستشفيات والمؤسسات الصحية وصندوق التأمين على المرض تتجاوز 400 مليون دولار، ما أفقدها السيولة الكافية لتوفير الأدوية وضخها في السوق. وحددت ديونها لدى المختبرات الأجنبية بنحو 230 مليون دولار، في حين أنّ مداخيلها الشهرية تتراوح بين 30 و40 مليون دولار، مشيرة إلى أنها لا تستطيع شراء أدوية جديدة وتسديد جزء من ديونها للمختبرات في نفس الوقت، خصوصا بعدما ارتفعت أسعار الأدوية في العالم. 

ويؤكد رئيس نقابة الصيادلة نوفل عميرة، لـ"العربي الجديد"، أنّ أزمة الأدوية تعود إلى عام 2016، حين بدأت السوق التونسية تفقد عشرات الأنواع. وقد سجلنا العام الماضي فقدان أكثر من 200 نوع من الأدوية، بينها لأمراض مزمنة، بسبب تفاقم ديون الصيدلية المركزية لدى المستشفيات وصندوق التأمين على المرض الذي حرمها من السيولة الكافية لتوريد الأدوية. وقد تفاقمت الأزمة هذا العام، وارتفع عدد الأدوية المفقودة أكثر". ورأى نوفل أنّ "الأزمة الحالية تتطلب تدخلاً عاجلاً من السلطات لإيجاد حلول، خاصة بعد إغلاق ثلاثة مصانع أدوية لم تعد ترى في تونس سوقاً كبيرة لإنتاج الأدوية، لذا يجب تدخل وزارة الصحة تحديداً لإيجاد حل أو إنشاء وكالة خاصة بالأدوية".   

المساهمون