مؤتمر المركز العربي لقضايا الديمقراطية يدعو لدستورانية عربية جديدة

مؤتمر المركز العربي لقضايا الديمقراطية يدعو لتبني دستورانية عربية جديدة

29 سبتمبر 2020
من مؤتمر القضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي (المركز العربي)
+ الخط -

اختتمت، الثلاثاء، أعمال المؤتمر السنوي التاسع لقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي، والذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالتعاون مع المنظمة العربية للقانون الدستوري، وعقد افتراضيا على  مدار ستة أيام، بعنوان "المسألة الدستورية والتحول الديمقراطي في البلدان العربية".

وأوصى المشاركون في الجلسة الختامية التي أدارها الباحث في المركز العربي فرع واشنطن، رضوان زيادة، بضرورة إيلاء قضية الإصلاح الدستوري في العالم العربي أهميتها البحثية، والسعي نحو بلورة المقدمات العلمية والعملية لتبني دستورانية عربية جديدة.
وبحث المؤتمر في اليوم الأخير قضية "التطور الدستوري العربي"، في جلسة أدارتها مديرة تحرير دورية أسطور للدراسات التاريخية، آيات حمدان، وعرض أستاذ القانون بجامعة الشارقة، سيمون بدران، لمدخل تعزيز الأنظمة التمثيلية بآلية القرعة كوسيلة للإبقاء على النموذج الديمقراطي التمثيلي، وعدم الانزلاق في شرك "الديمقراطية المباشرة"، ومثال ذلك النظام السياسي اللبناني القائم على نمط استثنائي، وهو الاقتراع الانتخابي المستند إلى المحاصصة الطائفية.

وقال بدران، إن المحاصصة باتت تعيق عودة الانتظام في عمل المؤسسات الدستورية بعدما هيمن أصحاب المصالح الرأسمالية على الفضاء السياسي، وتحكموا في مجريات الانتخابات على نحو أقصى مطالب الفئات الشعبية الفقيرة. طارحا حلا يتمثل بالانتقاء العشوائي لأعضاء مجلس الشيوخ، وهو الطرح الذي يسنده وجود تنصيص دستوري صريح على ضرورة إنشاء مجلس الشيوخ منذ عام 1990.

وعرض الباحث رشاد توام، مقارنة لتداعيات الهندسة الدستورية على الانتقال، وتساءل عن أثر المؤسس الانتقالي في تشكيل السلطة التأسيسية، وإرث دساتيره الصغيرة في الدستور الكبير، وأكد الباحث تحقُّق المؤسس الانتقالي في عموم التجربة المصرية، والفترة الأولى من الانتقال في التجربة التونسية، لجهات إما فردية (رئيس الجمهورية المؤقت في كلتا الحالتين) وإما عسكرية (حالة مصر)،  ولاحظ أن الترسيخ في الدستور الجديد الذي حظيت به مؤسسات فاعلة خلال الانتقال في مصر، لم تنبِئ به الدساتير الصغيرة، أو أنبأت به بشكل محدود (حالة الجيش). ومن ثمّ اتضح أن ذلك الترسيخ يُردُّ إلى لحظة صياغة الدستور ذاتها، وهي التي تحكم فيها المؤسس الانتقالي، كما لوحظ أن الدساتير الصغيرة في التجربة المصرية - مقارنةً بالتجربة التونسية نسبيًّا - وظفت بشكل يخالف ما توصي به أدبيات الانتقال الديمقراطي.

وخصصت في اليوم  الأخير للمؤتمر جلسة حول التطورات الدستورية في الحالة الجزائرية، أدارها الباحث بالمركز العربي، محمد حمشي، وشارك فيها أستاذ القانون الدستوري بجامعة الجلفة، كمال جعلاب، والمحاضر بقسم العلوم السياسية في جامعة قاصدي مرباح ورقلة، مسلم بابا عربي، وأستاذ القانون الدستوري بجامعة مصطفى إسطمبولي  معسكر، عباس عمار.

واستعرض جعلاب الإشكاليات المرتبطة بمفهوم دولة القانون الديمقراطية، ومتطلبات دسترته، وهو المفهوم الذي يجمع دولة القانون والديمقراطية عبر البحث عن القيمة المشتركة بين المفهومين التي تصلح أن تكون أداةً دستورية خادمة لعمليّة التحوّل الديمقراطي، وخلص إلى أن التوفيق بين سلطة الأغلبية المُستمدّة من المبدأ الديمقراطي من جهة، وممارسة الحقوق والحريّات الفردية من جهة أخرى، يُعتبر أحد التحدّيات الأساسية التي يمكن أن تواجه أيّ عملية تحوّل ديمقراطي في مسارها الدستوري، وأنّ دولة القانون الديمقراطية، باعتبارها مبدأً دستوريًّا، ستسهم في ضمان أن يكون القانون مجسّدًا للبعد الشكلي للقاعدة القانونية باعتبارها نتاج عملية تشريعية تحتكرها الأغلبيّة، وأن يكون جوهره متعلّقًا في الوقت ذاته بالقيم والمبادئ الدستورية العليا، ولا سيما تلك التي تتعلّق بالحقوق الدستوريّة.

وتناول مسلم بابا عربي موضوع التدبير الدستوري للانتقال السياسي في الحالة الجزائرية، وهل تلبي الترتيبات الدستورية للمرحلة الانتقالية مطالب الحراك الشعبي؟ واتخذ مقاربة الدستورانية الانتقالية مدخلا لسبر التجربة القائمة لمعرفة مدى إمكانية إنجاز التغيير السياسي السلمي عبر الآليات، أو الترتيبات، الدستورية المستمدة من النصوص الموروثة، وخلص إلى أن التجربة الجزائرية، مقارنةً بحالات عربية مشابهة، تميزت بفرض المؤسسة العسكرية لمخطط سياسي لإدارة المرحلة الانتقالية، مستندةً إلى تدابير دستورية مستمدة من النصوص السارية، رأتها المعارضة تقييدًا لمسار التغيير يرجح كفَّة إعادة إنتاج المنظومة القديمة على حساب إمكانية إنجاز التغيير السياسي السلمي.

أما عباس عمار فناقش مسألة توسيع إخطار المجلس الدستوري الجزائري لأعضاء البرلمان، والذي وصفه بأنه "انفتاح معقلن"، وطرح أن تعديل إجراءات الإخطار سيسهم في تفعيل الدور الرقابي للمجلس الدستوري، وتعزيز تدخله لفرض احترام السلطات لقواعد الاختصاص والإجراءات، مع حماية الحقوق والحريات المكفولة دستوريًّا. وقال إن شروط الإخطار وإجراءاته الصعبة حالت دون تمرير البرلمانيين لأي إخطار بشأن عدم دستورية بعض النصوص القانونية التي أثارت جدلًا في أروقة البرلمان على غرار قوانين المالية، لأسباب منها تشتت المعارضة وتغليبها لمصالحها الضيقة، وحصر الإخطار البرلماني بين مرحلتَي التصويت والإصدار بالنسبة إلى القوانين العادية، وقبل الإصدار بالنسبة إلى التنظيمات والمعاهدات، فضلًا عن غياب الإرادة السياسية لإشراك المعارضة في العملية التشريعية.

المساهمون