لقاح كورونا... تعثّر التجارب في مصر مع غياب الثقة والضمانات

لقاح كورونا... تعثّر التجارب في مصر مع غياب الثقة والضمانات

02 أكتوبر 2020
يتخوّف المواطنون من الخضوع لتجارب على لقاحات لكورونا (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

لم تحظَ الحملة التي جرى الترويج لها بكثرة في مصر لحثّ المواطنين على التبرع لإجراء تجارب سريرية على لقاحين صينيين لفيروس كورونا، باهتمام المصريين واجتذابهم، خصوصاً في ظلّ غياب الثقة وضمانات السلامة

في مؤشر جديد على انهيار الثقة بين المواطن المصري والنظام الحاكم؛ وجدت الحكومة المصرية نفسها في مأزق كبير بسبب انخفاض أعداد المواطنين المتقدمين للتبرع للخضوع للتجارب السريرية للقاحين صينيين ضدّ فيروس كورونا الجديد. فبعد ثلاثة أسابيع تقريباً من فتح باب التبرع، بحملة دعائية كبيرة في وسائل الإعلام المختلفة والمستشفيات ومراكز التحاليل الحكومية، لم يتخط عدد المتبرعين المائتين على مستوى الجمهورية، وفقاً لمصادر حكومية مطلعة بوزارة الصحة. وأكدت هذه المصادر لـ"العربي الجديد"، تخوّف المواطنين من الخضوع للتجارب، على الرغم من أنّ الأعراض الجانبية الأكثر خطورة التي يمكن أن تترتب على أخذ اللقاح، تقلّ كثيراً عن أعراض أخرى يمكن أن تترتب على علاجات وأدوية ينخرط مئات المصريين سنوياً، بموافقتهم، في تجارب سريرية عليها بالمستشفيات الحكومية المختلفة.
وتعدّ مصر، وفقاً لتقديرات معاهد الصحة الأميركية والأوروبية، ثاني أكبر دولة أفريقية استضافة للتجارب السريرية بعد جنوب أفريقيا، ومن أكثر الدول التي استُخدمت لاختبارات الأدوية في الشرق الأوسط، ليس فقط بسبب انخفاض تكلفة البحث فيها، ولكن أيضاً لكثافة أعداد المرضى من مختلف الأعمار وتنوع الظروف الصحية، مما يمثّل قيمة علمية مضافة، وسهولة منح المرضى حوافز علاجية ومالية بسبب افتقار ملايين المصريين لمظلة تأمينية تتيح لهم العلاج بالمجان. وهو ما يجعل المشاركة في تلك التجارب أمراً إيجابياً لشرائح عريضة من المحتاجين، خصوصاً في علاج الأمراض المزمنة والأورام التي يكلّف علاجها بمصر مبالغ مالية باهظة.

الصورة
كورونا مصر 30 مايو

لكنّ الوضع بالنسبة لجائحة كورونا يختلف، فالمطلوبون للتبرع ضمن تجارب على اللقاح بالأساس هم مواطنون أصحاء ليسوا من المرضى، وليسوا من المحجوزين بالمستشفيات الذين خضعت نسبة كبيرة منهم لتجارب سريرية طويلة على مدار الأشهر الخمسة الماضية على علاجات كورونا المختلفة، وليس اللقاحات، الأمر الذي يحول إنجاح حملة التبرع الحالية إلى مسألة ثقة في ضمانات السلامة والصحة أولاً وأخيراً.
وفي محاولة لإقناع المواطنين بتوافر تلك الضمانات؛ أقدمت وزيرة الصحة هالة زايد، قبل أيام، على الخضوع لجلسة أخذ أحد اللقاحين الصينيين اللذين يتم اختبارهما حالياً بأحد المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة، لكن المفارقة أنها بعد ساعات خرجت بتصريحات تتوقع فيها زيادة عدد المصابين بكورونا بعد بدء العام الدراسي وفي فصلي الخريف والشتاء، نظراً لانتشار الإنفلونزا الموسمية أيضاً. وهو تصريح يضاف إلى سلسلة من التصريحات المتناقضة وغير العلمية للوزيرة، أسهمت في انخفاض مصداقيتها بين المصريين، فضلاً عن إدارة الوزارة للجائحة حالياً بصورة غير واقعية وإعلان أرقام إصابات أقل بكثير من الحقيقة ومن عدد المصابين المحجوزين بالمستشفيات، نتيجة منع إجراء تحاليل لحالات الاشتباه، وقصرها فقط على راغبي السفر إلى الخارج.
وأوضحت المصادر أنّه من الشروط الموضوعة لحصول مصر على أي من اللقاحين الصينيين حال نجاحهما، دعم التجارب بحوالي سبعة آلاف متبرع تجرى عليهم جميع المراحل، التي ربما تستغرق عاماً كاملاً، وأنّ حصول مصر على الكميات المتفق عليها من اللقاحات قيد التجارب بالدول الأخرى كروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة مشروط بالمشاركة أيضاً في تجارب سريرية بأعداد كبيرة من المواطنين، وهو ما يتعذر تأمينه حالياً ويتسبب في حرج للحكومة.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وعلى الرغم من وضع الوزارة شروطاً للتطوع لإجراء التجارب السريرية على اللقاحين الصينيين، منها بلوغ المتبرع 18 عاماً على الأقل، وأن يكون مقيماً في مصر أو معه إقامة سارية إذا كان أجنبياً، وأن يخضع لتقييم أهليته وسلامته للمشاركة في التجارب، وتعهدت الوزارة باحترام خصوصية بيانات المتطوع وعدم مشاركتها مع أي جهة مع حرية انسحاب المتطوع في أي وقت من التجارب دونما أي مسؤولية، وعدم انعكاس ذلك على المتابعة الطبية للحالة، إلا أنّ هذا لم يطمئن المواطنين غير المضطرين للمشاركة، لسبب رئيس هو عدم وجود ضمانات قانونية حتى الآن لحمايتهم من أي آثار سلبية.
فمع انقضاء ست سنوات بين صدور الدستور المصري الحالي وبدء جائحة كورونا، لم يكن مجلس النواب الموالي لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي قد وضع قانوناً نفاذاً للمادة الستين من الدستور التي تنصّ على أنّ "لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه أو تشويهه، أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون. ويحظر الاتجار بأعضاء الإنسان، ولا يجوز إجراء أي تجربة طبية، أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقاً للأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية، على النحو الذي ينظمه القانون".
ومرت محاولات إصدار قانون لتنظيم التجارب السريرية بمراحل غريبة عن السياق المعتاد لإصدار القوانين في عهد السيسي، والتي في الغالب لا تطول مناقشاتها ولا تبدو بشأنها خلافات واسعة بين أجهزة الحكم. إذ كانت الحكومة قد وضعت مشروع قانون عام 2017 ونوقش وأُقرّ منتصف 2018 وسط اعتراضات علمية واسعة، ليرفض السيسي إقراره في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه. وهنا تأتي المشكلة الأكبر، وهي تراخي الحكومة ومجلس النواب في الإسراع بعلاج المشاكل التي تعتري القانون وإقراره منذ ذلك الوقت وحتى نهاية شهر أغسطس/آب الماضي فقط، عندما تمت الموافقة على مشروع معدل في عجالة لا تعكس طول فترة الانتظار التي تخللتها الجائحة، وزادت في ظلها حاجة المجتمع لضمانات تشريعية للتجارب السريرية.

الصورة

المشكلة الرئيسية في المشروع الذي رفضه السيسي وقوبل بالاعتراضات من الدوائر العلمية، كانت خلطه بين الأبحاث العلمية والطبية التي تتم لمصلحة جامعات أو معاهد بمصر والخارج والتي تهدف للتعرف على أسباب الأمراض ونتائج العقاقير، وبين التجارب الدوائية التي تتم لحساب شركات أدوية شهيرة خارج مصر بالأساس والتي تهدف للتأكد من مطابقة النتائج المترتبة على العقار للدراسات النظرية والتجارب السابق إجراؤها في مناطق أخرى من العالم تمهيداً لاعتماده والسماح بتداوله.
أمّا السيسي، فكانت له مآخذ أخرى على المشروع، مثل المواد التي تتضمن نصوصاً تشترط موافقة المجلس الأعلى للجامعات والمخابرات العامة والهيئات الرقابية على بروتوكول البحث. ونظراً لأنّ الأبحاث الطبية تشمل رسائل الماجستير والدكتوراه والحرة والممولة في كليات الطب البشري والعلوم والصيدلة، فإنّ ذلك يعني وجود أعداد هائلة من الأبحاث كل شهر، تستحيل متابعتها جميعها. كذلك، اعترض السيسي على انخفاض عدد ممثلي الجامعات المصرية والمعاهد في المجلس الأعلى للبحوث الطبية، المتمثلة في أربعة فقط من أصل خمسة عشر، مع العلم أنّ 97 في المائة من الأبحاث العلمية تجرى في الجامعات والمعاهد التابعة للتعليم العالي. واعترض أيضاً على أن يتولّى الأمانة العامة للمجلس الأعلى رئيس الإدارة المركزية للعلوم الطبية في وزارة الصحة، مع العلم أنّ الوزارة لا تمثل إلا جزءاً ضئيلاً جداً من مجمل هذه الأبحاث في مصر.
واعترض السيسي كذلك على أن تكون المواد العقابية من المادة 28 إلى المادة 35 مشددة ولا تأخذ في عين الاعتبار طبيعة البحث العلمي وتعتبر المخالفات متساوية بغضّ النظر عن طبيعة وتصميم البحث، مما يحدث خوفاً شديداً لدى الباحثين ويتسبب في إعراضهم عن البحث العلمي. واعترض أيضاً على منع تحليل عينات المصريين في الخارج، وأن ينصّ القانون على أنّ إرسال عينات بشرية للخارج تترتب عليه عقوبات سجن وغرامة حتى لا يتم العبث بالجينات المصرية. وقال في خطاب للبرلمان في أكتوبر 2018، إنّ "الجينات المصرية تمت دراستها بواسطة عدد من الجهات ومنها مؤسسة أميركية، كما يوجد 10 ملايين مصري في الخارج يمكن بسهولة الحصول على عينات من جيناتهم"، مشيراً إلى أنّ هذا النص "يتناقض مع تحفيز الجامعات على البحث وإجراء البحوث المشتركة، كما أنّ إرسال العينات يتيح الفحص بأجهزة لا تكون متوفرة محلياً".

صحة
التحديثات الحية

واستجابةً لملاحظات السيسي، عدّلت الحكومة بموافقة البرلمان في أغسطس/ آب الماضي، وبعد عامين تقريباً من الإرجاء، بعض المواد على ضوء بعض المستجدات التي حصلت، لكنها لم تفرّق في المواد المختلفة بين الأبحاث العلمية والتجارب السريرية بغرض إنتاج الدواء. فأصبح المشروع ينصّ على "استطلاع رأي جهاز المخابرات العامة في حال البحوث التي تجرى مع جهات أجنبية والدراسات العالمية المشتركة" والحصول على "موافقة هيئة الدواء المصرية، وموافقة واعتماد المجلس الأعلى في حال البحوث الطبية الإكلينيكية التي تشمل استخدام مركبات دوائية مستحدثة أو بيولوجية أو دواعي استعمال جديدة، إضافة إلى أشكال أو مستلزمات أو أجهزة طبية لم تستخدم في جسم الإنسان من قبل، ولم تحصل على اعتماد الجهات الدولية، مثل: منظمة الغذاء والدواء الأميركية، أو منظمة الطب الأوروبية، على أن تجرب في دول مرجعية في ذات الوقت". كذلك، جرى تعديل تشكيل المجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الطبية الإكلينيكية ليضم ثلاثة من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات واثنين من الباحثين بالمراكز والمعاهد والهيئات البحثية وممثلين لوزارة الصحة وممثلاً لكل من وزارة الدفاع ووزارة الداخلية والمخابرات العامة ومجلس الدولة وثلاث شخصيات عامة. وأيضاً، جرى تعديل جريمة إخراج عينات مصرية للتحليل في الخارج لتنصّ المادة العقابية على أن "يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه (نحو 32 ألف دولار أميركي) ولا تزيد على مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ساهم بأي صورة كانت في خروج عينات بشرية تستخدم في الأبحاث الطبية الإكلينيكية أثناء إجرائها أو بعد انتهائها من دون الحصول مسبقاً على الموافقات المتطلبة، وفقاً لأحكام القانون".

المساهمون