سوريون يدفعون كل ما يملكون للوصول إلى أوروبا

سوريون يدفعون كل ما يملكون للوصول إلى أوروبا

28 يناير 2024
محاولات هجرة السوريين لا تتوقف (سانتي بالاسيوس/فرانس برس)
+ الخط -

يحاول الكثير من الشبان السوريين الوصول إلى أوروبا عبر طرق التهريب بعد نفاد سبل الوصول الشرعي، بحثاً عن مكان يمكنهم العيش والعمل فيه بكرامة، وإعالة أسرهم في بلدهم الذي حكم على شبابه بمستقبل مجهول.

كان السوري فواز إبراهيم يعمل في أحد أسواق مدينة القامشلي، واجتهد لسنوات حتى استكمل بناء بيته، لكنه اضطر إلى بيعه بسعر أقل من ثمنه الفعلي كي يهاجر مع ابنه إلى إحدى الدول الأوروبية، واضطر إلى أن يستأجر بيتاً لزوجته وأطفاله للعيش فيه إلى حين استكمال أوراق لم الشمل.
يقول إبراهيم لـ"العربي الجديد"، إن ما فعله كان مغامرة كبيرة، وإنه فكر كثيراً قبل أن يقدم على تنفيذها، لكن بعد وصوله أصبح على يقين بأن الأمور تتجه نحو الأفضل، ولا سيما أن حياته بدأت تتغير بشكل جذري، وسيكتمل هذا التغيير بعد أن يتمكن من لم شمل عائلته.
من جانبه، تمكن الموظف حسين أحمد من شراء البيت الذي يسكنه بعدما باع جزءاً من أرضه الزراعية، لكنه اضطر إلى رهنه لأحد السماسرة كي يتمكن من إرسال ابنه إلى ألمانيا، ليبدأ العمل هناك، ثم يعمل على تجهيز أوراق لم الشمل لوالديه وإخوته الصغار.
ويقول أحمد لـ"العربي الجديد": "اضطررنا لترك المنزل حسب الاتفاق مع السمسار، واستئجار أحد البيوت في المنطقة، رغم أن الإيجارات أصبحت تشكل عبئاً على من لا يملكون بيوتاً بعد ارتفاع الأجرة. اخترنا ألمانيا لوجود فرص أكبر للعمل، ولوجود أقارب لنا هناك، وجرت الرحلة عن طريق تركيا إلى بلغاريا وصولاً إلى ألمانيا".
بدوره، يقول الشاب محمد الحسين لـ"العربي الجديد": "يبلغ عمري 20 سنة، وقبل هجرتي إلى ألمانيا كنت أعمل في أحد المحال بسوق القامشلي، ونتيجة ضيق الأحوال المادية اضطررت لرهن البيت الذي كان يؤوي عائلتي المكونة من أربعة أشخاص. لم يكن هناك حلول أخرى للوصول إلى ألمانيا، وواجهت مشاكل عدة خلال الطريق من القامشلي إلى تركيا، ثم من تركيا إلى بلغاريا، وعشت فترات خطيرة في الغابات، وأسفل شاحنات التهريب حتى الوصول إلى ألمانيا".

فكرة الهجرة قديمة في سورية لكنها تفاقمت خلال السنوات الأخيرة

ويوضح الناشط هادي عزام، من مدينة السويداء، لـ"العربي الجديد"، أن "الهجرة عبر طرق التهريب شائعة في السويداء منذ عام 2012، والكثير من سكان المحافظة باعوا منازلهم أو أرضهم لتأمين تكاليف السفر، والتي تقدر بما يزيد عن 6 آلاف دولار. فكرة الهجرة قديمة من تاريخ (سفر برلك)، لكنها تفاقمت خلال السنوات الأخيرة التي شهدت هجرة ما بين 500 و600 ألف شخص، وكانت أكبر سنوات الهجرة هي 2015، ويمكن القول إن غالبية من هاجروا وضعهم أفضل، بينما من لم يهاجروا لا يملكون تكاليف السفر، أو لا يملكون ما يبيعونه لتوفير تلك التكاليف".

الصورة
وصل آلاف السوريين إلى أوروبا خلال السنوات الأخيرة (سين غالوب/Getty)
وصل آلاف السوريين إلى أوروبا خلال السنوات الأخيرة (سين غالوب/Getty)

ويسعى معظم الشبان في مناطق سيطرة النظام السوري للبحث عن حياة أفضل عبر الهجرة بعد فقدان الأمل بسبب ضيق الأحوال المادية، وتخوف كثيرين منهم من الخدمة العسكرية، أو الاعتقال على أيدي أجهزة النظام الأمنية، في حين دفعت الحاجة من يقيمون خارج مناطق سيطرة النظام إلى تكرار محاولات الهجرة.
يقول المهاجر عبد الحميد خضر لـ"العربي الجديد": "أجبرت مثل كثيرين على بيع أغلى ما لدي للوصول إلى مكان يمكن  لأولادي أن يبنوا فيه مستقبلاً بعيداً عن بلدهم الذي لا يعرفون مصيرهم فيه. بعت أرضي في مناطق سيطرة النظام، والتي تبلغ مساحتها 10 آلاف دونم بمبلغ 4000 دولار لأحد الجيران. كنت محروماً من زراعتها في الأصل، لذا قررت بيعها بجزء من ثمنها الحقيقي حتى أتمكن من توفير تكاليف السفر".

يهاجر الشبان من مناطق سيطرة النظام السوري هرباً من الاعتقال أو التجنيد

يضيف: "في سبتمبر/ أيلول الماضي، وصلت إلى ألمانيا، وكنت قد بعت أغراض بيتي في سلقين بمبلغ 3 آلاف دولار، وبعت دراجتي النارية ومستلزمات محل الخياطة الذي كنت أملكه، ودفعت جزءاً من المبلغ لدخول تركيا، والبقية للمهربين الذين أوصلوني إلى ألمانيا. كنت مجبراً على المغادرة وحدي وترك أولادي الأربعة وزوجتي عند أهلي في إدلب، وحالياً أنتظر إجراءات لم الشمل التي تأخذ وقتاً، لكن ما فعلته كان الحل الأنسب لتأمين مستقبل أفضل لعائلتي".

من جانبه، ينتظر سعيد العمر توفر فرصة الهجرة إلى أوروبا، وقد باع أهله الأرض الزراعية التي كانوا يملكونها في ريف حلب، وفي الوقت الحالي يعرضون البيت للبيع لاستكمال تكاليف السفر، ويقول لـ"العربي الجديد": "استخرجت بطاقة تاجر لدخول أوروبا بشكل قانوني، كون أهلي كانوا متخوفين من سلوك طرق التهريب عبر تركيا، وأعمل في الوقت الحالي لاستكمال المبلغ، وينتظر أهلي أن تتم عملية بيع البيت، فالتكاليف باتت تقدر بنحو 12 ألف يورو".

أما عبد الله جمعة فلا يزال في ريف حلب الشمالي، ويوضح لـ"العربي الجديد" قائلاً: "كنت أنتظر الفرصة للسفر إلى اليونان، وكنا نملك بيتاً في مدينة حمص، وباع أه لتوفير تكاليف السفر، لكن تم ترحيلي من تركيا إلى الشمال السوري لأني سلكت طرق التهريب. سأعيد التجربة من جديد، وأرجو أن أتمكن من الوصول هذه المرة".

المساهمون