زلزال هاتاي... المأساة ترفض طي الصفحة

زلزال هاتاي... المأساة ترفض طي الصفحة

21 فبراير 2023
فراق الأحبة صعب (أوغور ييلدريم/ Getty)
+ الخط -

لم تكد ولاية هاتاي ومركزها مدينة أنطاكيا تستفيق بعد من تبعات الزلزالين المدمرين اللذين وقعا في السادس من فبراير/ شباط الجاري، وأديا إلى انهيار أكثر من نصف مبانيها ومقتل وجرح عشرات الآلاف من ساكنيها، حتى ضربها زلزال مساء أمس بلغت قوته 6.4 درجات على مقياس ريختر، تبعه آخر بقوة 5.8 درجات. الزلزال الذي شعرت به الولايات المجاورة والدول القريبة من تركيا، شكل صدمة كبيرة للسكان والمقيمين في هذه الولايات، وحتى الدول المجاورة وخصوصاً شمال سورية، ودفع غالبية الناس للخروج من منازلها إلى الشوارع. وأمضى كثيرون ليلتهم في العراء. وحتى المنازل والمباني التي بقيت صامدة اهتزت بقوة ودفعت سكانها للبقاء في الخارج. في هذا الإطار، دعت بعض البلديات إلى إرسال المزيد من خيام الإيواء إلى الناس الذين لا يمكنهم العودة إلى منازلهم، في ظل طقس شديد البرودة. وأعلنت رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية الرسمية "آفاد"، أن ولاية هاتاي شهدت زلزالاً بقوة 6.4 درجات تبعتها هزات ارتدادية بلغت قوة أكبرها 5.8 درجات. ووقع الزلزال في منطقة "دفنة" قرب مدينة أنطاكيا مركز ولاية هاتاي عند الساعة 20:04 مساء بالتوقيت المحلي (+3 تغ).

انهيار مبان

وفي وقت لاحق، أعلنت "آفاد" تسجيل 90 هزة ارتدادية أشدها زلزال بقوة 5.8 درجات في قضاء صمنداغ، مشيرة إلى إرسال 6 آلاف خيمة ليلاً إلى المنطقة من أجل المواطنين. كما أكدت استمرار إرسال الخيام جواً وبراً. وبحسب شهود عيان تحدثوا لـ "العربي الجديد"، فإن الزلزال الجديد في أنطاكيا أدى لانهيار المزيد من المباني المتضررة، وكانت معظم الإصابات لأشخاص كانوا قرب المباني المتصدعة أو من قفز من الشرفات. وقالوا إن الإصابات شملت عمال رفع الأنقاض الذين يعملون على مدار الساعة، بالإضافة إلى عمال شركات النقل الذين يعملون على إفراغ المنازل ونقل الأشياء.
وأشار هؤلاء إلى أن الزلزال الجديد كان قوياً لكن مدته أقل. إلا أن الرعب الناتج عنه كان كبيراً جداً، وأدى إلى بقاء السكان في العراء، مطالبين بمزيد من الخيام لإيوائهم.
وكانت السلطات التركية قد عملت عقب زلزالي 6 فبراير على إجراء دراسة شملت جميع المباني في الولايات المتضررة، ووضع رموز خاصة يمكن قراءتها عبر الهواتف الذكية لمعرفة وضع المباني وحالتها الفنية. وحذرت السكان من الاقتراب من المباني المنهارة أو المتضررة، أو المهددة بالسقوط. كما وفرت الحكومة خدمة عبر بوابة الحكومة الإلكترونية للتأكد من العناوين السكنية الشخصية لمعرفة حال المنازل والشقق، وأصدرت "آفاد" كتيباً حول طريقة إفراغ المنازل.

وبفعل الزلزال الجديد، تضررت بعض الطرقات والجسور في ولاية هاتاي، وتسببت في انهيار بعض المباني التي كانت متضررة بشكل كبير من جراء الزلزال المزدوج الذي ضرب جنوبي البلاد في 6 فبراير الجاري، كما ألحق الزلزال أضراراً ببعض الطرقات والجسور في مركز الولاية وأقضيتها، وأدى إلى تشقق جسور على نهر العاصي بمدينة أنطاكية، وطرقات في شارع "توركمان باشي" ومنطقة "أوزون تشارشي" بالمدينة.
وعمدت قوات الأمن إلى إغلاق الجسور والطرقات المتضررة، ووضع عناصر في تلك المناطق من أجل سلامة المواطنين، فيما عملت على إصلاح الطريق المؤدي إلى المستشفى الميداني الذي تضرر بفعل الزلزال الجديد. كما نقلت وسائل إعلام تركية خبر إخلاء عدة مستشفيات على سبيل الاحتياط، منها مستشفى مصطفى كمال في الولاية.
كما انهار قسم من مبنى ولاية هاتاي الذي كان قد تلقى أضراراً كبيرة من هزات أرضية سابقة وقعت قبل أسبوعين بالمنطقة. ومع الزلزال الجديد، لم يستطع المقاومة أكثر ليسقط أرضاً. كما نقلت وسائل إعلام أن سيدة سورية وضعت مولودتها في شهرها الثامن من الحمل، إثر تراجع حالتها الصحية من جراء زلزال أمس. وقالت وكالة "الأناضول" الرسمية إن الزوج حسن كيكوني (28 عاماً) طلب نجدة قوات الدرك في مدينة أنطاكيا لإسعاف زوجته جوليا (22 عاما) الحامل في شهرها الثامن عندما أصيبت بالذعر بعد وقوع الزلزال.
إلى ذلك، أعلن وزير الزراعة والغابات التركي وحيد كريشجي، عدم تضرر السدود في الولاية، وقد تفقد العاملون على الفور سلامة السدود بالولاية بعد الزلزال. ونقلت قناة "خبر تورك" أن "إخراج 6 جثث من أنقاض أحد المباني، وجاري البحث عن آخرين. وكانت شركة تقوم بإفراغ أحد المنازل وعمالها سوريون وأتراك، بحسب ما أفاد أحد العاملين الذي كان موجوداً قرب السيارة، فيما بقية العمال داخل المنزل". وقالت هيئة إدارة الكوارث التركية إن ستة أشخاص لقوا مصرعهم وأصيب 294 آخرين، بينهم 18 في حالة حرجة، حتى بعد ظهر اليوم.

يحضر طعامه رغم المأساة (سامر الدومي/ فرانس برس)
يحضر طعامه رغم المأساة (سامر الدومي/ فرانس برس)

عمليات إنقاذ سريعة 

وبحسب مصادر رسمية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "فرق آفاد كانت متواجدة أساساً بالمنطقة بالإضافة إلى الفرق الطبية، ما ساهم بالتدخل بشكل سريع في عمليات الإنقاذ والإسعاف. كما أن الفرق الفنية التي تعمل أساساً بالمنطقة سارعت إلى فتح الطرقات التي أغلقت من أجل تسريع الخدمات، ما أدى إلى تدخل سريع في المنطقة فضلاً عن استمرار تدفق وإرسال الخيم لإيواء المنكوبين".
يقول مقيمون في الولايات المجاورة إن السكان شعروا بالزلزال بنسبة أقل من الزلازل السابقة، لكن الرعب كان كبيراً وأدى إلى نزولهم إلى الشوارع، في ظل عجز وحيرة أمام استمرار سلسلة الزلازل منذ أكثر من أسبوعين. ويقول الشاب محمد حاجي أوغلو، وهو من سكان مدينة أنطاكيا لـ"العربي الجديد": "نقيم في منزل جيد في الوقت الحالي ولكن الزلزال الجديد جعلنا نفر منه كالمجانين إذ لم ننس بعد تبعات الزلزال الأول وهروبنا. الأطفال باتوا يعانون من هواجس ومخاوف، وزوجتي كذلك". يضيف: "علمت أن منزلي، بحسب تقييم السطات عبر بوابة الحكومة الإلكترونية، شديد التضرر ومهدد بالانهيار، فلجأنا إلى مكان آخر. الزلزال الجديد غير من خططنا. كنت أفكر بالاستقرار في محيط مدن وبلدات محيط أنطاكيا التي لم تشهد أضراراً، ومواصلة عملي في التجارة، ومتابعة أمور المنزل في حال كانت هناك أي معاملات. لكن الزلزال الجديد غير من خططي وأفكر بالانتقال إلى ولاية أخرى. لا يمكن مواصلة العيش بين الزلازل المتواصلة". ويصف ليلة أمس قائلاً: "كانت ليلة مجنونة جديدة، عدنا لننام في السيارة كما في يوم الزلزال الأول. المنطقة كانت مليئة بالناس، والطقس بارد والرعب سيد الموقف. للأسف، نعيش واقعاً بائسا ويجب ان نخرج من هذا الجو. والأصعب هو وضع الأطفال النفسي". 

سقطت أبنية جديدة بفعل زلزال أمس (مراد ساكا/ Getty)
سقطت أبنية جديدة بفعل زلزال أمس (مراد ساكا/ Getty)

خوف من النوم

من جهته، يقول التاجر أحمد بندق وهو من سكان أنطاكيا، لـ "العربي الجديد": "كنا في منزل أحد معارفنا بمدينة الريحانية المجاورة لأنطاكيا. هرعنا إلى الخارج لحظة وقوع الزلزال، وبقينا حتى الصباح. لم يتأثر المنزل لكن كل شيء بات ممكناً ولا يمكن عمل أي شيء عندما تكون في المنزل، أي لا أمان فيه". يتابع: "بعد لجوئنا إلى الريحانية، كنا نخاف النوم في الأيام الأولى. وبعدما ألفنا السكن فيه وعادت الخدمات مجدداً من كهرباء واتصالات وطبابة، شعرنا نوعاً ما بالأمان. بداية، كنا نفكر بالذهاب إلى ولاية غازي عنتاب. لكننا غيرنا خطتنا بعدما استقرينا في الريحانية في منزل من طابق واحد، وبقينا فيه".

يتابع: "لا أعرف ماذا أفعل حالياً. منزل ابني جيد في غازي عنتاب. هل نذهب إليه أم نبقى هنا؟ في النهاية، غازي عنتاب أيضاً مهددة بالزلازل. شعور الخوف دفعنا للخروج إلى الشارع والبقاء فيه، لا ندري هل نعود هذه الليلة أو لا. كما أن الطقس بارد جداً".
أما الشاب السوري خالد الحسن، فيقول لـ "العربي الجديد" إن المبنى الذي يقيم به "منخفض الطوابق وسليم، والزلزال جعلنا نخاف ونهرب منه بسرعة. الوضع لا يطاق، لا يمكن العيش في منزل في هذه المنطقة. إما أن تكون خيمة أو الانتقال إلى ولاية أخرى. زوجتي وأطفالي لا يمكنهم تحمل المزيد من الخوف والهلع". يضيف: "بقينا في العراء في ظل هذا البرد الشديد. ظننا أن الأمور استقرت وأنها ستكون هزات ارتدادية عادية. لكن ما حصل أمر لا يمكن تصوره. أريد ترك كل شيء هنا. استبدلنا ذكرياتنا الجميلة بأخرى مؤلمة. أحبة وأقارب وأصدقاء فقدناهم ولم نفكر بالابتعاد عنهم. فهنا قبورهم. لكن الآن أرواحنا أيضا مهددة ويجب أن نرحل". ويشير إلى أن "الداخل السوري يعاني أيضاً. والشائع حالياً أن كل سكان هذه المناطق يبحثون عن خيام. لهذا حان وقت الرحيل مجدداً ولكن لا أعلم الوجهة". إلى ذلك، دعت الأمم المتحدة الدول الأعضاء إلى المساهمة بشكل أسرع في حملة المساعدات التي أطلقتها تجاه تركيا وسورية بعد زلزال جديد ضرب البلدين.

المساهمون