المصادقة على "سيداو"... يوم تاريخي لنساء السودان مع التحفّظ

المصادقة على "سيداو"... يوم تاريخي لنساء السودان مع التحفّظ

29 ابريل 2021
مطالبات بالحقوق في تظاهرات سابقة (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

 

على الرغم من أنّ سودانيين وسودانيات كثراً استبشروا خيراً بمصادقة مجلس الوزراء على اتفاقية "سيداو"، فإنّ ثمّة من ينغّص ذلك من خلال التشكيك في دستورية تلك المصادقة مشيراً إلى ضرورة إجازتها من قبل برلمان منتخب في البلاد.

حظيت مصادقة مجلس الوزراء السوداني على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" بترحيب واسع من قبل منظمات مدافعة عن حقوق المرأة، فيما فتحت المصادقة نفسها المجال أمام معارضين هددوا بالتصعيد لمنع المصادقة النهائية بواسطة البرلمان. وكان مجلس الوزراء برئاسة عبد الله حمدوك قد اتخذ قرار المصادقة، يوم الثلاثاء الماضي، مشيراً في بيان له إلى أنّ قراره يشمل كذلك تحفظه على ثلاث مواد من الاتفاقية. وسيداو اتفاقية معنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أقرّتها الأمم المتحدة في عام 1979 وتمّت المصادقة عليها عملياً في عام 1981، ووقّعتها 139 دولة موافقة على نصوصها الكاملة، وأجازتها نحو 50 دولة مع إبداء تحفظات واعتراضات، فيما رفض عدد قليل من الدول المصادقة عليها مثل السودان الذي واجهت نساؤه أشكالاً مختلفة من التمييز طوال العقود الماضية، بحسب المنظمات النسوية الفاعلة في البلاد.

على مدى 30 عاماً، تَشدّد نظام الرئيس المعزول عمر البشير في رفض الاتفاقية بحجة أنّها تناهض وتخالف القيم المجتمعية والدينية في البلاد، وإن بدا النظام أكثر مرونة في آخر أيامه وتعهّد على لسان أكثر من مسؤول فيه بإقرار الاتفاقية أسوة بعشرين دولة عربية صادقت عليها على الرغم من تحفظ عدد منها على بعض المواد فيها، مثل مصر وتونس والمغرب والإمارات ولبنان والسعودية. والأخيرة تحفّظت على كل البنود التي تخالف الشريعة الإسلامية.

وبعد سقوط نظام البشير في 11 إبريل/ نيسان من عام 2019، بدا الطريق معبّداً أمام التحاق السودان بركب اتفاقية "سيداو"، إذ لعبت المرأة دوراً مفصلياً في إسقاط النظام، وقررت قوى الثورة مباشرة مكافأتها واسترداد كامل حقوقها التي تشير إلى أنّ النظام السابق تمادى في سلبها. فعُيّنت امرأتان عضوَين في مجلس السيادة الانتقالي للمرة الأولى في التاريخ السوداني الحديث، وحازت النساء كذلك على أربعة مناصب للمرة الأولى مع رئيسة القضاء (نعمات عبد الله محمد خير) ووزيرة الخارجية (أسماء محمد عبد الله) ووزيرة الشباب والرياضة (ولاء عصام البوشي) ومديرة جامعة الخرطوم (فدوى عبد الرحمن علي طه) كبرى الجامعات السودانية، في حين كانت تعهّدات بتبوئهنّ ما لا يقل عن 40 في المائة من مقاعد مجلس الوزراء والمجلس التشريعي. وعلى المستوى القانوني، ألغي قانون النظام العام، وهو القانون الذي سُلّط على رقاب النساء لإذلالهن بسبب ملابسهنّ وأشكالهنّ، وكنّ يُجلدنَ كثيراً استناداً إلى هذا القانون. كذلك كان تعديل قانوني سمح للنساء باصطحاب أطفالهنّ في سفرهنّ إلى الخارج، من دون شرط موافقة والدهم على ذلك.

الصورة
نساء سودانيات في السودان (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
هل تنصفهنّ تلك المصادقة؟ (أشرف شاذلي/ فرانس برس)

ولم تأتِ مصادقة مجلس الوزراء السوداني على "سيداو" مطلقة، إذ كان قد تحفّظ على ثلاث مواد من جملة 30 مادة ضمّتها الاتفاقية. أولى المواد المتحفّظ عليها من قبل مجلس الوزراء هي المادة الثانية، وفيها سبع فقرات تطالب بتجسيد مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الدساتير والقانون وإلغاء كل القوانين التي تشكّل تمييزاً بين الجنسَين وإقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل وضمان الحماية الفعالة للمرأة عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى من أيّ عمل تمييزي.

أمّا ثاني المواد المتحفَّظ عليها فهي المادة 16 التي تنص على اتخاذ كل الدول التدابير اللازمة للقضاء على التمييز في كل الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، منها الحق نفسه في الزواج والحق نفسه في اختيار الزوج بالإضافة إلى الحقوق والمسؤوليات نفسها في أثناء الزواج وعند فسخه، والحقوق والمسؤوليات نفسها بوصف الزوجَين والدَين. وبغض النظر عن حالتهما الزوجية، فإنّه في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفي كل الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأوّل. كذلك نصّت المادة نفسها على حق المرأة في أن تقرر بحرية وبإدراك للنتائج، عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذى يليه، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة تلك الحقوق، وكذلك منح المرأة الحقوق والمسؤوليات نفسها في ما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنّيهم، وحقها المساوي لحق الرجل في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل، على ألا يكون لخطوبة الابن أو زواجه أيّ أثر قانوني، مع تحديد سنّ أدنى للزواج. 

بالنسبة إلى المادة الثالثة المشار إليها، فقد كان تحفّظ على فقرة واحدة من المادة 29 مثلما فعلت دول عربية كثيرة وغيرها. وتنص الفقرة على أن "يعرض للتحكيم أيّ خلاف بين دولتَين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية لا يسوّى عن طريق المفاوضات، وذلك بناء طلب واحدة من هذه الدول. فإذا لم يتمكن الأطراف، خلال ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم، من الوصول إلى اتفاق على تنظيم أمر التحكيم، جاز لأيّ من أولئك الأطراف إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية بطلب يقدّم وفقاً للنظام الأساسي للمحكمة".

لكنّ الإشارة تجدر إلى أنّ خطوة مجلس الوزراء السوداني لن تكون كافية لدخول المصادقة حيّز التنفيذ، إذ يتطلب الأمر بحسب الوثيقة الدستورية لعام 2019 عرض ذلك أمام البرلمان الانتقالي أو اجتماعاً مشتركاً بين مجلس الوزراء ومجلس السيادة للمصادقة النهائية. ويبدو أنّ الاحتمال الأخير هو الأكثر ترجيحاً، إذ إنّ المجلس التشريعي الانتقالي لم يُشكَّل حتى الآن.

تصنّف الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة انتصار العقلي مصادقة مجلس الوزراء على اتفاقية "سيداو" على أنّها "انتصار تاريخي للمرأة السودانية وتتويج لنضالات عقود من الزمن لرائدات العمل النسوي في البلاد. والانتصار ما كان ليتحقق لولا الثورة الشعبية الأخيرة في البلاد التي بدأت حملة التغيير والتصحيح السياسي والمجتمعي حتى لو تأخرت وأبطأت، لكنّ المهم لهنّ هو: أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي". لكنّ العقلي تستنكر في حديث لـ"العربي الجديد" تحفّظ مجلس الوزراء على المادة الثانية والمادة 16 من الاتفاقية، فالمادتان بحسب ما توضح "جزء أصيل من الاتفاقية وقد يؤدّي التحفظ إلى إفراغ الاتفاقية من محتواها، خصوصاً بعد البدء في رهان التنفيذ الفعلي في خلال الفترة المقبلة". تضيف العقلي "لا بدّ من وحدة جديدة بين النساء السودانيات والتكاتف لإلغاء ما تبقى من قوانين تقلل من المكتسبات التاريخية للمرأة التي ناضلت من أجلها طوال 30 عاماً"، مطالبة الحكومة بـ"الاعتماد في كل قراراتها المقبلة على المواثيق الدولية التي صادقت عليها كمرجعية أساسية لحقوق الإنسان عموماً وحقوق المرأة خصوصاً".

الصورة
نساء وتظاهرات في السودان 2 (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
لا للتمييز! (أشرف شاذلي/ فرانس برس)

من جهته، يرى المحامي كمال الأمين أنّ مصادقة مجلس الوزراء على اتفاقية "سيداو" هي "تحقيق لحلم ظل يراود كل المهتمين والناشطين في مواضيع حقوق الإنسان في البلاد، وحقوق المرأة خصوصاً". يضيف الأمين لـ"العربي الجديد" أنّ "الخطوة سوف تكون مفتاحاً لتحوّل كبير في قضايا المرأة والطفل في البلاد، لا سيّما في ظل النزاعات المنتشرة في السودان والتي غالباً ما تكون المرأة كبرى ضحاياها"، مشيراً إلى أنّ "المصادقة سوف تكرس مبدأ المواطنة كأساس للحقوق والواجبات من دون أيّ تمييز على أساس النوع مثل الذي كان يحدث في الماضي من تفصيل قوانين وتشريعات تصمّم خصوصاً لهضم حقوق المرأة وإهانتها وتقليل فرصها في الحياة". ويؤكد الأمين أنّ "مثل تلك القوانين المعيبة لن تتكرر بعد المصادقة على سيداو التي تستوجب من الآن وصاعداً مواءمة القوانين الوطنية بينها وبين موادها".

وحول مدى موضوعية تحفّظ مجلس الوزراء على ثلاث من مواد الاتفاقية، يبدو الأمين مؤيداً للتحفّظ الذي مضت فيه من قبل دول عربية أخرى، "لأنّ تلك البنود تجافي وتخالف العادات والأعراف والتقاليد السودانية". ويشير إلى أنّ "التحفّظ مكفول بموجب معاهدة دولية تعطي الحق لكل دولة في التحفّظ على أيّ بند من بنود أيّ اتفاقية سواء في مرحلة التوقيع أو المصادقة.  والتحفّظ يجمّد أيّ أثر قانوني للمادة أو البند في داخل الدولة المتحفظة". ويعيد الأمين التأكيد أنّه "إلى جانب ثمار المساواة التي تجنيها المرأة بالإضافة إلى جعلها أصيلة في العلاقات الأسرية وليس مجرّد تابع، فإنّ المصادقة على اتفاقية مناهضة التعذيب ودمجها في النظام الدستوري سوف يعزّزان كذلك صورة السودان في العالم بعد الثورة ويساهمان في تعاونه مع الدول الأخرى والحكومات والمنظمات الدولية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية".

في المقابل، تعبّر البرلمانية السابقة والمحامية مريم جسور عن صدمتها إزاء "إعلان مجلس الوزراء عن مصادقته على اتفاقية سيداو، لأنّ لا القوانين المحلية ولا الدولية تمنحه الحق في ذلك. فالمصادقة أمر من اختصاص البرلمان المنتخب"، مشيرة إلى أنّ "ما تمّ لا قيمة له سياسياً ولا قانونياً ويمكن الطعن فيه وإلغاؤه بسهولة". وتوضح جسور لـ"العربي الجديد" أنّه "من جهة الموضوعية، فإنّ اتفاقية سيداو هي اتفاقية مخالفة للشريعة الإسلامية ولأعراف وتقاليد المجتمع"، مؤكدة أنّ "تحفّظ مجلس الوزراء لا يعني شيئاً لأنّ الاتفاقية ذاتها تمنع التحفّظ على بعض البنود. فثمّة دول عبّرت عن تحفّظ في السابق لكنّها عادت وأُرغمت على تطبيق كل مواد الاتفاقية". تضيف جسور أنّ "المرأة السودانية لا تحتاج إلى تلك الاتفاقية في ظل القوانين السودانية التي أنصفت المرأة لفترة طويلة"، مستشهدة بـ"الحقوق المتساوية في التوظيف والرواتب المتساوية بين المرأة والرجل وحصولها في البرلمان الأخير على أكثر من 30 في المائة من المقاعد ومنافستها وفوزها حتى في الدوائر الجغرافية المباشرة، وغيرها من مكاسب تنكرها فئة قليلة تريد الآن أن تفرض ثقافتها على الغالبية المتمسكة بدينها وموروثاته". ورجّحت مريم جسور "قيام معارضة قوية لتوجّهات الحكومة بخصوص سيداو وبأشكال مختلفة، حتى تتراجع عن كل خطواتها، خصوصاً أنّها حكومة غير منتخبة"، لافتة إلى أنّ "معارضة سيداو سوف تتوقف في حالة واحدة فقط هي المصادقة عبر برلمان منتخب".

المساهمون