المراهنات الإلكترونية... مغامرة الحظ القليل لشبان تونسيين

المراهنات الإلكترونية... مغامرة الحظ القليل لشبان تونسيين

22 نوفمبر 2022
تستقطب المراهنات الرياضية مئات الشباب في تونس (أنيس ميلي/ فرانس برس)
+ الخط -

في محل صغير بأحد الأزقة الضيقة في شوارع تونس العاصمة، يتجمع يومياً عشرات الشباب لمتابعة المراهنات الإلكترونية. يحاولون بقدر ما يستطيعون ألّا تصدح أصواتهم خارج المحلّ، وألّا يتنبه المارة إلى ما يقومون به داخل هذا الفضاء الخاص، خوفاً من كشف أمرهم في ظلّ مرور دوريات الشرطة يومياً في الزقاق، فنشاطهم غير قانوني، وقد يحيلهم إلى السجن أو يعرضهم لدفع غرامات مالية.
عموماً لا يسهل أن يتحدث هواة المراهنات الإلكترونية عن نشاطهم، أو ما يجنونه من أموال في حال الفوز. وهم لا يثقون بسهولة بكل من يسألهم عن الأسباب التي دفعتهم إلى خوض المراهنات الإلكترونية التي تعتبر ممارسة غير قانونية. 
يقول عبد الرحمن (21 عاماً) لـ"العربي الجديد": "أمارس هذا النشاط منذ أكثر من سنتين، وقد أدمنت عليه حالياً خصوصاً أنّني تركت مقاعد الدراسة ولا أعمل إلّا لبعض الوقت في مقهى يملكه والدي". يضيف: "أكسب الأموال أحياناً لكنها ليست كثيرة كما يظنّ البعض، فالمراهنات الإلكترونية تختلف كثيراً عن القمار، وقد أكسب نحو 50 دولاراً أو أقل في بعض الأحيان، وقليلاً ما يحالفني الحظ". 
وتتعلق المراهنات الإلكترونية بكرة القدم في الأساس، وكذلك برياضات أخرى على غرار كرة السلة وكرة المضرب، وتشهد غالباً اختيار عدد من المباريات والتكهن بنتائجها أو بعدد الأهداف، وقد يحصل الفائزون على مبالغ أكبر مما دفعوها وصولاً إلى 1000 دولار أحياناً. وأصبحت اليوم تستقطب مئات من الشبان في تونس، في ظاهرة يعزوها البعض إلى ارتفاع معدلات البطالة والأزمة الاقتصادية الحادة في ظل غياب فرص العمل. ويجد العديد من الشباب في هذا الفضاء باباً لكسب بعض المال من خلال الرهان في مواقع مثل "سوفوت" و"بلانيت وين" وغيرها من مواقع المراهنات الإلكترونية الرياضية، ويحلل البعض أسباب انتشار الظاهرة إلى البحث عن كسب سهل بلا عناء. 
يقول سيف الدين (25 عاماً): "بدأت في ممارسة المراهنات الإلكترونية قبل ثلاث سنوات بحثاً عن كسب المال بطريقة سهلة، وبلا أي جهد. يكفي أن يكون ممارس هذا النشاط مغرماً بكرة القدم أو رياضات أخرى مثل التنس، ويتابع المباريات العالمية، ويملك معرفة بقدرات الفرق واللاعبين لتوقع نتيجة مباراة معيّنة. وقد ينفق مبلغاً لا يتجاوز 20 دولاراً لكسب 600 دولار أحياناً، وهو ما لن يناله عليه حتى لو حصل على وظيفة، علماً أن العمل يجعل الشخص يشقى طوال اليوم، لكنّ المراهنات الإلكترونية غير متعبة أو شاقة، ولا تتطلب الكثير من الوقت، وقد تجلب أجر شهر كامل فقط خلال ساعات". 

ويستدرك سيف بأنّه يعلم أنّ هذا النشاط لا يختلف عن القمار، وأنّه يخالف القانون، لكنّه يقرّ بأنه بات مدمناً على ممارسته خصوصاً بعدما حالفه الحظ مرات عدة في كسب أموال.
ويتسلم الفائزون ما يربحونه من أموال من صاحب المحل غالباً، إذ لا يملكون بطاقات مصرفية قد تكشف ما يفعلونه، فيما يحصل البعض على أموال من شركة الرهانات عبر بطاقات سحب بنكية، بحسب ما يقول معتز أحد أصحاب هذه المحلات لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "أعمل بحذر شديد، وسبق أن أغلق محلّي وفرض علي دفع غرامة 20 ألف دولار، لكنني فتحت محلاً آخر في العاصمة بعيداً من عيون الرقابة الغائبة غالباً". 

وسبق أن أغلقت السلطات التونسية عشرات من محلات المراهنات، وأوقفت أصحابها بعد شن حملات ضد تلك العشوائية. وفي أغسطس/ آب الماضي حجزت قوات الأمن نحو 60 ألف دولار و5 سيارات وبطاقات نقدية وآلة لعد الأموال، تابعة لمحل للمراهنات الإلكترونية. 

وتؤكد وزارة الداخلية انتشار هذه المحلات في غالبية المحافظات، وتحث المواطنين على التبليغ عنها خصوصاً أنّ أصحابها يختارون فتحها في أماكن معزولة وبعيدة عن الشوارع الرئيسية وداخل الأحياء الشعبية. وتشير إلى أنّها لا تستطيع تحديد عدد المقبلين على المراهنات الإلكترونية، أو حجم الأموال المتداولة في الألعاب لأنّه يجري تداولها خارج القانون. 
ويفسر عبد الحميد بن أحمد، المتخصص في علم الاجتماع، في حديثه لـ"العربي الجديد"، ارتفاع إقبال الشباب على مواقع المراهنات الإلكترونية بتزايد البطالة وسهولة كسب المال عبر المراهنات، إضافة إلى الفضول الذي يدفع البعض إلى تجربة الأمر في البداية رغم خطورته، قبل أن يتحوّل إلى شكل من الإدمان، خصوصاً لمن يحالفهم الحظ أكثر من مرّة، ويكسبون بعض الأموال".
يضيف: "لا يحتاج أشخاص إلى مال، ويتنافسون مع أصدقاء لهم على المراهنة على فوز فريق، ما يجعل الأمر مجرد تسلية مع كسب المال في نفس الوقت، لكن طالما أنّ المراهنات تحصل في فضاءات غير قانونية فقد تؤدي إلى ممارسات أخرى سلبية". 

ويشير فهمي بوكمشة رئيس الجمعية التونسية للرقمنة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى "وجود فراغ تشريعي في تنظيم موضوع المراهنات، كما لا يمكن الحصول على أرقام دقيقة عن عدد المراهنين أو القيمة الإجمالية للأموال المتداولة في هذه السوق غير القانونية". يضيف أنّ "الرهان الإلكتروني خطير أيضاً على الاقتصاد بسبب كبر حجم الأموال المتداولة خارج الأطر القانونية، وعلى الأفراد أيضاً سيما أنّه قد يترافق مع اختراق كبير للمعطيات الشخصية للأفراد عبر تخزين أرقامهم خارج البلاد من شركات غير قانونية لممارسة الرهان الإلكتروني. وقد يفسح ذلك أيضاً في المجال أمام تبييض الأموال. ويجب على أولياء الأمور التنبه إلى خطورة الأمر، إذ باتت المراهنات الإلكترونية تستقطب القصر أيضاً، كما يجب أن تشدد الجهات الأمنية تدابير المراقبة". 

المساهمون