الحجاب يعود إلى الواجهة في إيران بعد عراك بسبب نزع غطاء الرأس

الحجاب يعود إلى الواجهة في إيران بعد عراك بسبب نزع غطاء الرأس

16 مارس 2024
شهد العام 2022 احتجاجات إيرانية بعد وفاة الشابة مهسا أميني بسبب الحجاب (أرشيف/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- حادثة في مدينة قم تجدد الجدل حول الحجاب في إيران، حيث صور رجل دين امرأة بدون حجاب، مما أثار اشتباكاً ونقاشات واسعة بين المحافظين والإصلاحيين حول الحريات الشخصية.
- ردود فعل متباينة على شبكات التواصل الاجتماعي ومحاولات برلمانية لتشديد قوانين الحجاب، بينما تدعو زهرة وكيلي لحرية اللباس وتنتقد تصوير النساء غير المحجبات لمعاقبتهن.
- استمرار النقاشات حول الحجاب والحريات الشخصية، مع انتقادات لتصرف رجل الدين واعتقالات بتهمة نشر فيديو الحادثة، وتأكيدات على ضرورة احترام خيارات الأفراد وحقوقهم.

عاد الحجاب في إيران إلى الواجهة مرة أخرى، بعد ضجة أثارها انتشار مقطع مصور عن قيام رجل دين بتصوير مواطنة لم ترتد غطاء رأسها في مدينة قم جنوب طهران، ثم احتجاج السيدة على ذلك، الأمر الذي أدى إلى شجار واشتباك.

وكان للواقعة انعكاس واسع في البلد، سواء على شبكات التواصل الاجتماعي أو مواقف وتصريحات قوى سياسية محافظة وإصلاحية، وما زالت القضية تتفاعل في إيران، لينتقد اليوم وزير الثقافة الإيراني الأسبق عطاء الله مهاجراني تصرف رجل الدين الذي قام بتصوير الفتاة، معتبرا فعله بمثابة "إطلاق النار على القدم".

تقول صحيفة "الشرق" الإيرانية الإصلاحية إن الحادث وقع في السادس من الشهر الجاري، عندما انتبهت سيدة إيرانية كانت جالسة داخل مستوصف في مدينة قم، وفي حضنها طفل وليد، لقيام رجل دين بتصويرها، فقامت واحتجت على ذلك مطالبة إياه بحذف المقطع عنها، لكن المصور رفض ذلك، حسب فيديو متداول على شبكات التواصل الاجتماعي في إيران.

الحجاب سبب الشجار بين امرأة ورجل دين

والفيديو نشرته لأول مرة قناة "إيران إنترنشنال" ومقرها في لندن، وهي المصنفة رسميا داخل إيران "قناةً إرهابيةً"، قبل أن يُتداول على شبكات التواصل. ويظهر الفيديو شجارا عنيفا بين الرجل المصور والسيدة الإيرانية، قبل أن تتدخل سيدة أخرى لتسحب الهاتف النقال من الشخص وتبتعد عنه بضعة أمتار، وذلك لحذف صور الفتاة الإيرانية خشية عرضها على الشرطة، ما اضطر رجل الدين إلى الجري وراءها وأخذ جواله.

ما زالت القضية تتفاعل في إيران وردود الفعل متواصلة، وما زاد من سخونتها هو محاولات برلمانية متزايدة لسن مشروع قانون بشأن الحجاب والعفاف تتضمن فرض غرائم مالية على خلع الحجاب.

تأمل المواطنة الإيرانية زهرة وكيلي، في حديثها مع "العربي الجديد"، أن ينتهي الجدل والقطبية بشأن الحجاب في المجتمع، داعية إلى حرية اللبس ليختار كل من الرجال والنساء لبسهم المفضل مع مراعاة أسس وضوابط.

وتضيف وكيلي أن تصوير الفتيات والسيدات غير المحجبات بغية معاقبتهن قانونيا "لا يجدي نفعا"، مؤكدة أن هذه الأفعال ستؤسس لردود فعل لدى هؤلاء لتشديد مواقفهن والإصرار على نزع الغطاء.

وتتابع بأن نزع غطاء الرأس أو الحجاب تحول بعد احتجاجات 2022 إلى ظاهرة في المجتمع، مشيرة إلى أنه من الصعب إنهاؤها.

فجرت الواقعة من جديد خلافات قديمة حديثة بشأن الحجاب بين المحافظين المسيطرين على السلطة وغيرهم من الإصلاحيين والناشطين والإيرانيات المطالبات بحرية اللبس والحجاب. فهناك من اتهم رجل الدين بانتهاك خصوصية المواطنة الإيرانية من خلال قيامه بتصويرها من دون إذنها، لكن وسائل إعلام وناشطين محافظين يرون أن رجل الدين هذا لم يرتكب عملا غير قانوني، بل صور فعل حرام غير قانوني بغية التصدي له.

في الأثناء، أعلنت النيابة العامة في مدينة قم، الثلاثاء الماضي، اعتقال 4 أشخاص بتهمة نشر فيلم الواقعة وإرساله إلى قناة "إيران إنترنشنال" المعارضة، قائلة إن الحادث "كان مدبرا ومخططا له لبث الفرقة والفتنة في المجتمع" الإيراني، حسب تعبيرها.

وأضافت النيابة أن المعتقلين "اعترفوا بأنهم أرسلوا الفيلم إلى القناة بشكل منسق".

إلى ذلك، انتقد الإصلاحيون تصرف رجل الدين معتبرين أن ذلك إساءة إلى الدين ورجاله، فدعوا رجال الدين في قم إلى تسجيل اعتراضهم حفاظا على مكانتهم وسط انتقادات لالتزام الصمت تجاه مثل هذه التصرفات بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

في غضون ذلك، أكدت رئيسة جبهة الإصلاحات الإيرانية آذر منصوري أن هذا السلوك يتنافى مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متسائلة عن سبب صمت المرجعيات الدينية، وقالت إن مكانتها طوال التاريخ كانت بسبب دفاعها عن الناس.

وانسحب الجدل بشأن الحادث على الوسط الحقوقي والقانوني في البلد، وسط تساؤلات حقوقية عن مدى وجاهة ما قام به هذا الشخص تجاه سيدة لم ترتد الحجاب من عدمه.

وقال عضو اللجنة القضائية والقانونية البرلمانية مهدي باقري إن قيام رجل الدين ذاك بتوثيق خلع السيدة حجابها "لا يعد مخالفة إذا كان هو ضابط قضائي ويمتلك الصلاحية القانونية"، مضيفا أنه "إذا ما ارتكب هو خطأ في الإنذار، فما كان يحق للأم أن تخطئ" في سلوكها تجاهه.

وتحدث باقري عن قيام البرلمان الإيراني بإعداد مشروع جديد للعفاف والحجاب، معربا عن أمله أن "يكون مؤثرا ومفيدا ومثمرا ورادعا" وفق ما أورده موقع "فرارو" الإصلاحي.

وأكد النائب الإيراني أن حادث مستوصف قم "عمل مشيطن يهدف البعض من خلاله إلى تصوير صورة سيئة عن لائحة العفاف والحجاب في أعتاب سنها قانونا"، متسائلا عن سرّ الضجة  التي أثيرت فيما المشروع في طريقه إلى الإقرار ليتحول إلى قانون.

إلى ذلك، خرجت ردود فعل متناقضة في الوسط الحكومي الإيراني، فمن جهة، انتقدت مساعدة الرئيس الإيراني سكينة باد قيام رجل الدين بتصوير السيدة الإيرانية، معربة عن أسفها لـ"وقوع هذه القطبية" حول الحجاب في المجتمع.  

وتساءلت، وفق وكالة "إيلنا" الإيرانية، عن سبب التصوير إذا كان رجل الدين يقصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مؤكدة ضرورة تفهم ظروف الأم والغضب الذي أبدته تجاه الفعل.

ومن جهة ثانية، انتقد مستشار وزير الثقافة الإيراني ميثم نيلي السيدة الإيرانية لرد فعلها العنيف على رجل الدين، قائلا إن تصوير من يرتكب فعلا مخالفا للشرع والقانون على مرأى العالم من أعراف عصر الإعلام، مضيفا أن رجل الدين لم يرتكب خطأ لأن بيئة المجتمع ليست مكانا خاصا لنزع الحجاب.

وتحول الحجاب في الداخل الإيراني إلى موضوع ساخن منذ نحو عقدين تقريبا، على خلفية تسيير دوريات آداب في الشوارع للتصدي لظواهر عدم التقيد بمعايير الحجاب، وهو ما أطلق شرارة احتجاجات واسعة أواخر 2022 بعد وفاة الشابة مهسا أميني إثر اعتقالها من قبل دورية شرطة الآداب في طهران بتهمة خرق قواعد الحجاب. 

أفرزت احتجاجات مهسا واقعا ومشهدا مختلفين في موضوع الحجاب في المجتمع عما كان سائدا قبل اندلاعها، حيث بدأت إيرانيات بخلع الحجاب كخطوة احتجاجية، تحولت مع مرور الوقت إلى ظاهرة تنتشر، خاصة في المدن الكبرى.  

المساهمون