الجزائر عاصمة مختنقة مرورياً

الجزائر عاصمة مختنقة مرورياً

21 فبراير 2021
أزمة من دون حلّ (فرانس برس)
+ الخط -

مضنية هي الرحلة التي يقوم بها آلاف من الجزائريين يومياً من العاصمة وإليها، بسبب زحمة السير التي تبدأ على الطرقات باكراً عند الساعة السابعة والنصف صباحاً والتي توحي إلى المراقب أنّ أحداً لن يصل إلى مقرّ عمله في الوقت المناسب، من دون أن ننسى القلق والضغط النفسي اللذَين تتسبّب الزحمة بهما. ما بين مدينة تسالة المرجة ووسط الجزائر العاصمة 24 كيلومتراً فقط، لكنّ قطع هذه المسافة يستغرق نصف ساعة أو أكثر بقليل بالسيارة بسبب الازدحام اليومي عند مداخل العاصمة. وتختنق حركة السير أكثر كلّما تقدمت السيارات نحو قلب العاصمة. على الرغم من تسيير المترو والترامواي وتشييد عدد من الأنفاق والجسور، فإنّ الحكومات المتعاقبة أخفقت في حلّ أزمة السير، نظراً إلى أنّ الجزائر العاصمة تضمّ الإدارات الحكومية المركزية والجامعات وتتحرك فيها أكثر من مليونَي مركبة.

وهذا الواقع المرهق بات يدفع كثيرين من الموظفين وناقلي التلاميذ والعائلات الراغبين في دخول العاصمة، إلى الاستيقاظ والتحرّك باكراً تفادياً لضغط السير في الشوارع الرئيسية. ولا تُعَدّ أزمة السير حديثة العهد في الجزائر، فقد باتت قدراً محتوماً على الجزائريين منذ سنوات طويلة، بعدما فشلت الحكومة في تنظيم حركة النقل سواء في ما يتعلق بالحافلات أو سيارات الأجرة. بالتالي لم يجد كثيرون حلاً إلا بشراء سيارات خصوصية، وذلك بواسطة قروض مصرفية ميسّرة أطلقتها الحكومة قبل عشرة أعوام، يستفيد منها الموظفون في القطاعات الحكومية. وقد ساهم هذا الحل في تزايد عدد السيارات على الطرقات، وقد أحصت وزارة النقل أكثر من مليونَي سيارة في العاصمة وحدها قبل نهاية العام الماضي.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وهذه الزيادة الكبيرة المسجلة في مجال شراء السيارات تعود إلى بحث المواطن الجزائري عن حلول تعفيه من استقلال سيارة أجرة أو وسيلة نقل عمومية. وصرنا نجد في العائلة الواحدة خمس سيارات، بحسب ما يشير المهندس المعماري عبد الغني قلفاط، في حديث لـ"العربي الجديد". ويشرح أنّ "الحل الأسهل هو اقتناء سيارة بالتقسيط أو بالقروض المتاحة لدى مؤسسات جزائرية عدّة، خصوصاً أنّ كثيرين استغنوا عن استخدام الحافلات لأسباب عدّة، أبرزها سوء تنظيم هذا القطاع كذلك". يضيف قلفاط أنّ "سوق سيارات الأجرة فريد من نوعه في الجزائر، إذ من الجائز أن يرفض سائق الأجرة نقل الزبائن إلى وجهاتهم المختارة، بل يفرض هو عليهم وجهته. ومن شأن ذلك أن يبعد الناس شيئاً فشيئاً عن سيارات الأجرة. كذلك، وعلى الرغم من توفّر مترو بين غربي العاصمة الجزائرية ووسطها بالإضافة إلى خطّ ترامواي، فإنّ الحكومة في الجزائر تأخرت في إنجازهما".

وتكشف إحصاءات أعدّها أمن المرور في الجزائر عن أكثر من 100 نقطة سوداء تتسبّب في اختناق مروري في العاصمة الجزائرية، بسبب شبكة الطرقات القديمة ومرور أكثر من مليون و700 ألف سيارة يومياً في بلديات العاصمة وأكثر من نصف مليون سيارة عبر منافذها لتصير محطّة عبور نحو الولايات المجاورة.

الصورة
زحمة سير في الجزائر العاصمة (العربي الجديد)
الوضع دائماً على هذه الحال في قلب العاصمة (العربي الجديد)

ويربط المتخصص في العمران نصر الدين عبد اللاوي "الاختناق المروري بنسيج الطرقات الموجودة في العاصمة والتي تعرف بأنها معقدة ومتشابكة، ومنها ما هو موروث منذ استقلال الجزائر". ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الطرقات القديمة لم تُجدّد، فيما لم تُهيّأ في المقابل طرقات جديدة إلا على مستوى الأحياء المستحدثة، وهو ما زاد التعقيدات في العاصمة التي لا تمتلك إلا ثلاثة أنفاق رئيسية". يضيف عبد اللاوي أنّه "بخلاف مناطق جزائرية عدّة تأتي بأرضية منبسطة، فإنّ العاصمة تملك جغرافيا طبيعية (طوبوغرافيا) معقّدة، إلى جانب مبان موروثة منذ الحقبة الاستعمارية التي لا تستجيب لحالة التوسّع البشري والعمراني على أطراف العاصمة، ومن دون تجديد شبكة الطرقات القديمة، فيما يتزايد عدد السيارات التي تجوب شوارعها، إذ تُعَدّ وجهة للوافدين من مختلف المناطق بسبب تركّز الإدارات الرسمية والحكومية والجامعات فيها، وحتى المحاكم وأماكن الترفيه".

وبهدف فكّ أزمة الازدحام والقضاء عليها، تعتزم الحكومة الجزائرية إطلاق مشروع في شهر مارس/ آذار المقبل لاختيار شركات دولية ذات خبرة في المجال للعمل على تخفيف الازدحام في العاصمة، وذلك بعدما رست الاختيارات الأولى على مجموعتَين جزائريتين صينيتين ومجموعة صينية ماليزية. يُضاف إلى ذلك إنجاز ممرّين ضخمين على مستوى شرق العاصمة لتلافي الازدحام، وإنشاء محوّل على مستوى الطريق السريع للعاصمة الذي يربط وسطها بمنطقة المحمدية في اتجاه المطار الدولي، ومحوّل ثانٍ في غرب العاصمة، الأمر الذي من شأنه أن يفكّ خناق الحركة المرورية.

تجدر الإشارة إلى أنّ رحلة العذاب اليومي التي يعاني منها الجزائريون عند توجّههم إلى مقرّات عملهم في العاصمة الجزائرية تترافق مع تأثير نفسي سلبي على المواطن الذي يخشى التأخّر عن مواعيده وتسيير أموره. ويرى كثيرون أنفسهم مضطرين إلى ركن سياراتهم في مواقف خاصة والانتقال سيراً على الأقدام إلى مقرّات عملهم ووجهاتهم الأخرى أو إلى اعتماد وسائل نقل أخرى، لينتهي كلّ ذلك بتعب جسدي وآخر نفسي.

المساهمون