التسوّل في شوارع باكستان... حاجة واستغلال

التسوّل في شوارع باكستان... حاجة واستغلال

11 ديسمبر 2022
يحتاج بعض المتسوّلين فعلاً إلى مساعدة (فاروق نعيم/ فرانس برس)
+ الخط -

ينتشر التسوّل في العاصمة الباكستانية إسلام أباد ومدن رئيسة أخرى، مثل كراتشي ولاهور وبشاور وكويتا، رغم أن الوضع المعيشي تحسن في هذه المدن خلال الفترة الأخيرة، وتحديداً في العاصمة مقارنة بباقي المناطق النائية، لكن لا توجد أي خطوة حكومية للقضاء على الظاهرة بالكامل، أو التصدي لها بالوسائل المتاحة.
وثمّة طرق وأشكال مختلفة تقليدية وعصرية للتسوّل والحصول على مال من المواطنين خاصة الأثرياء، في حين ليس المال الهدف المنشود الوحيد، بل أيضاً الغذاء من المطاعم، لا سيما تلك التي تقع قرب الطرقات الرئيسية.
يتجوّل محمد (12 عاماً) مع والدته، وهما من منطقة نوشهره شمال غربي باكستان، على مطاعم مختلفة في منطقة جي تن ون بالعاصمة إسلام أباد، ويطلب من الناس أن يشتروا لهما الطعام والخبز، أو يعرض تقديم مساعدات مختلفة لقاء المال، بحجة أنه من متضرري الزلزال، رغم أن أباه يعمل منذ سنوات مع مقاول في العاصمة، ويتقاضى راتباً جيداً.
ويخبر محمد "العربي الجديد"، لدى وقوفه في موقع بعيد من أمه، أن "الوضع المعيشي غير جيد في المنزل رغم أن والدي يعمل، لذا نحتاج إلى التسوّل، وجمع مال لشراء الطعام".
وعن كيفية التصرف بكميات الطعام الكبيرة التي يجمعها مع والدته، يقول محمد: "نبيع الخبز إلى الجيران بنصف السعر، وهم يأخذونه بسعادة منا، أما الطعام فنأخذ ما نحتاج منه، ونعطي الباقي لجيران أو فقراء آخرين. والأهم بالنسبة لنا الحصول على طعام للأسرة، وبعض المال لتسديد إيجار المنزل ورسوم الكهرباء وغيرها من الاحتياجات".
أما والدته فتقول: "جعلتنا الحالة السيئة في أسرتنا نتجول لجمع الطعام والمال. واحتياجات أسرتنا التي تضم خمسة أولاد أكبرهم أحمد، كثيرة، وأي امرأة في عمري (44 عاماً) ترغب في أن تخرج من المنزل ليس من أجل العمل، بل لجمع طعام ومال من الناس؟ أنا لست متعلمة ولا أستطيع أن أعمل في منازل الناس للحصول على راتب لأنني مريضة بالتهاب في كليتي، وبالتالي ولم يبقَ لي إلا وسيلة التسوّل، ويرافقني ابني في هذه المهمة".
والمشكلة الأساسية بالنسبة إلى والدة أحمد التي تنتمي إلى قبائل البشتون التي لا تسمح للنساء عادة بالخروج من المنزل، ولو حتى لجلب احتياجات أساسية، أن زوجها مدمن مخدرات، ويُنفق كل ما يكسبه في عمله مع المقاول على جلب المواد المخدرة وإطعام نفسه، فيما يبقي زوجته مع أولادها الخمسة بلا طعام وملابس، ما يجبرها على التسوّل في الشوارع.

الصورة
متسوّل في كراتشي (أمير قريشي/ فرانس برس)
متسوّل في كراتشي (أمير قريشي/ فرانس برس)

كذلك يتجوّل الطفل صفدر خان الذي تقيم عائلته في منطقة هري بور (شمال غرب)، على المطاعم وفي يديه إبريق وكؤوس للشاي الأخضر، ويطلب من الزبائن شراء الشاي الأخضر منه، وعندما لا يشتري منه أحد يتسوّل ويطلب المساعدة. وهذه من الطرق التقليدية للتسوّل عبر محاولة شخص بيع ما لا يُشترى، كي يتعاطف الناس معه، ويعطوه بعض المال.
ويقول الطفل صفدر خان لـ"العربي الجديد": "توفي أبي بمرض السل، وأمي غير قادرة على العمل، لأن أعمامي لا يسمحون بخروجها من المنزل، لذا تعد لي إبريقاً من الشاي الأخضر، فأخرج في الصباح وأتجوّل حتى المساء، وأتناول الفطور والغداء حيث يتاح لي طعام توفره مطاعم أو أشخاص يساعدونني حتى إذا لم يشتروا مني الشاي الأخضر".
يقول عزيز الله الذي يملك مطعماً معروفاً في منطقة جي تن بكويتا، ويقدم مأكولات على مدار الساعة، لـ"العربي الجديد": "يأتي كثير من مدمني المخدرات إلى المكان، ويحصلون على مال بحجة أنهم لم يأكلوا، فعلوا ذلك مرات. وبهذه الذريعة يجمعون الأموال من الناس. لكن بعض المتسوّلين قد يكونون في حاجة فعلاً إلى المال، خاصة بعد الفيضانات الأخيرة، وهناك كثر يمارسون التسوّل كمهنة تكسبهم المال بهذه الطريقة".

من جهته، يقول الناشط الاجتماعي محمد عامر خان لـ"العربي الجديد" إن "معظم المتسوّلين ليسوا محتاجين، وهناك عصابات تقف وراء الظاهرة، وتجمع الأطفال من القرى والأرياف وتأتي بهم إلى المدن لاستخدامهم في جمع المال الذي تعطي جزءاً منه لهم كإيجار يومي وتأخذ الباقي. والشرطة ورجال الأمن ضالعون في الظاهرة أيضاً، ويأخذون نصيبهم من العصابات، أما الحكومة فتصمت عن كل ما يحدث. والظاهرة تؤدي أيضاً إلى الكثير من المشاكل الاجتماعية، منها السرقة وأعمال غير أخلاقية تتعلق خصوصاً بالنساء والأطفال، كما أن مساعدة المدمنين تشكل تشجيعاً لهم، ومن الخطأ التعاون معهم".
وعموماً يواجه سكان باكستان، خصوصاً في مناطق الشمال الغربي، منذ مدة، أعمال عنف ينفذها مسلحون في الشوارع الرئيسية. ونظم سكان احتجاجات للمطالبة بحسم السلطات الوضع الأمني. ومؤخراً صرح وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف بأن المخاطر الأمنية زادت شمال غربي البلاد، خاصة في وادي سوات. وألقى باللائمة على الحكومة المحلية لإقليم خيبربختونخوا (شمال غرب) التي يرأسها حزب رئيس الوزراء السابق عمران خان، المعارض للحكومة حالياً، مؤكداً أن "الحكومة المركزية ستبذل قصارى جهدها لإحلال الأمن في شمال غرب البلاد، لكن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الحكومة المحلية". 

المساهمون