استياء في الصين... لسنا آكلي خفافيش ولحوم بشر

استياء في الصين... لسنا آكلي خفافيش ولحوم بشر

01 يوليو 2021
رغم التزامها بالكمامة تستمتع بهذه الفواكه المحلّاة التقليدية أو "تانغولو" (فريد لي/ Getty)
+ الخط -

 

ضاق الصينيون ذرعاً بافتراءات كثيرة طاولتهم وقد صُنّفت بأنّها عنصريّة في أحد جوانبها، في سياق اتّهامهم بالتسبّب في فيروس كورونا الجديد، وبالتالي بالجائحة التي ما زالت تسيطر على العالم.

مع تفشّي فيروس كورونا الجديد في العالم بعد ظهوره للمرّة الأولى في سوق للمأكولات البحرية بمدينة ووهان وسط الصين في أواخر عام 2019، سُجّل تصاعد في التنمّر والعنصرية في معظم دول العالم طاولت سكان شرق آسيا عموماً والصينيين خصوصاً. هم كانوا قد اتُّهموا بأنّهم مسؤولون عن جائحة كورونا الكبرى، بسبب أطعمتهم الغريبة والتي تشمل، بحسب اعتقادات سائدة، حشرات وزواحف وحيوانات البرية.

ولم يقتصر الأمر على سلوكيات وتصرفات فردية واجتماعية، فقد تحدّث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن "الفيروس الصيني"، كذلك فعل وزير خارجيته مايك بومبيو. وهو ما أثار غضباً عارماً في الأوساط الصينية على المستويَين الرسمي والشعبي. وفي سياق متصل، عمدت بكين إلى طرد صحافي يعمل مراسلاً لدى صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، لأنّه كتب مقالاً بعنوان "الصين رجل آسيا المريض" وقد رأت أنّ المقال ينطوي على تمييز عنصري وإثارة للمشاعر ضدّ البلاد.

إزاء ذلك، لجأت السلطات الصينية إلى دبلوماسية اللقاحات والمساعدات الطبية لتحسين صورتها في الخارج، غير أنّ ذلك لم يكن كافياً، إذ لم تُعكس الصورة الحقيقية للمجتمع الصيني من الداخل، سواءً على المستوى الثقافي أو الاجتماعي، خصوصاً أنّ بلاد التّنين الممتدة على مساحة 9.6 ملايين كيلومتر مربّع تقوم على إرث حضاري عميق وتنوّع ثقافي يصعب معه إطلاق الأحكام كيفما اتّفق.

الصورة
بائع أطعمة في الشارع في الصين (Getty)
(Getty)

عن الطعام الصيني وطبيعته وما أشيع عنه خصوصاً بعد تفشّي الفيروس، تقول زانغ شي، وهي طالبة في جامعة "الشعب" في بكين إنّ "ثمّة كثيراً من التجنّي على الثقافة الصينية والمطبخ الصيني"، مشيرة إلى أنّ "الخفافيش ليست مُدرجة على قوائم الطعام في البلاد. وأكل لحومها ظاهرةٌ منتشرةٌ في جزيرة غوام الواقعة غربي المحيط الهادئ، والتي يسكنها مستوطنون أميركيون وبريطانيون وفرنسيون". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الصينيين ينظرون إلى ذلك بقرف واشمئزاز، لأنّ المطبخ الصيني يراعي المعايير الصحية، عمليات الطهي تخضع لرقابة صارمة من دوائر ومنظمات الأغذية والمشروبات في البلاد". وعن تناول لحوم الكلاب والقطط والحيوانات البرية، توضح زانغ شي أنّ "ثمّة قرى صينية ومناطق نائية شهدت مثل هذه الظواهر لكنّها ما لبثت أن اختفت"، لافتة إلى أنّ "مهرجان يولين للحوم الكلاب أوقِف بعد ضغوط شعبية ورسمية لأنّه يُسيء إلى سمعة الصين في الخارج، فضلاً عن أنّه ليس من ثقافة البلاد ولا يمثّل تقاليدها".

من جهته، يقول تيان تيان، وهو صاحب مطعم للمأكولات البحرية في مدينة تيانجين (شمال) إنّ "الحديث عن قوائم الطعام الغريبة في الصين صار أمراً لا يُطاق" مضيفاً أنّ "شعوباً كثيرة تظنّ أنّنا نأكل حتى لحوم البشر". ويؤكّد لـ"العربي الجديد" أنّ "كلّ ذلك مجرّد شائعات مغرضة ومضللة، تنطوي على معلومات مغلوطة وعدم فهم حقيقي لجوهر الثقافة الصينية".

في سياق متصل، يعيد الباحث الصيني في معهد الدراسات والعلوم الإنسانية، بمقاطعة فوجيان (جنوب شرق) تشين يونغ، بروز بعض الظواهر السلبية في ما يتعلق بطعام الصينيين، إلى "فترة المجاعة التي أصابت البلاد في أواخر خمسينيات القرن الماضي". ويوضح تشين يونغ لـ"العربي الجديد" أنّ "مئات ملايين الصينيين كانوا مهدّدين بالموت جوعاً خلال ما يُعرف بالقفزة الكبرى إلى الأمام، التي هدف من خلالها الزعيم الراحل ماو تسي تونغ، إلى تحويل البلاد من دولة زراعية إلى قوة صناعية كبرى. فاضطر الناس آنذاك إلى تناول كلّ شيء حيّ، بما في ذلك الزواحف والحشرات والحيوانات البرية" مشدداً على أنّ "تلك الفترة استثناء وحدث طارئ في تاريخ الصين. وشعوب أخرى قد تلجأ إلى الأمر نفسه لو واجهت موقفاً مشابهاً".

الصورة
مطعم في الصين مع تدابير خاصة بأزمة كورونا (فرانس برس)
(فرانس برس)

وفي حديثه عن الجذور التاريخية الخاصة ببعض السلوكيات الغريبة، يعيد تشين يونغ، بعض الظواهر إلى "معتقدات خاطئة كان يؤمن بها الصينيون القدماء، وما زالت آثارها باقية حتى اليوم. على سبيل المثال، اعتقاد سكان بعض مناطق الشمال الباردة بأنّ لحم الكلاب يمنح الجسم الدفء اللازم لمواجهة البرد. كذلك في بعض المناطق الجنوبية، مثل مقاطعة غوانغدونغ، يعتقد بعض الناس أنّ لحوم الحيوانات البرية تحصّن جسم الإنسان من الأمراض وتقوّي جهاز المناعة لديه". لكنّه يشدّد على أنّ "هذه المعتقدات ظلت محدودة جداً ومنبوذة في داخل المجتمع الصيني" لافتاً إلى أنّ "الثقافة الصينية الخاصة بالطعام والشراب تُعَدّ واحدة من أكثر الثقافات رقياً وتهذيباً، ومثال على ذلك استخدام العيدان الخشبية في تناول الطعام. وهذا أمر يدلّ على ثقافة الصين السلمية، بخلاف استخدام الشوكة والسكين في الغرب التي توحي - بحسب التصوّر الصيني - بالعنف والوحشية إذ إنّ السكين أداة من أدوات القتل".

ويتابع تشين يونغ أنّ "الصين هي البلد الوحيد في العالم الذي يقدّم مياه الشرب للضيف ساخنة" شارحاً أنّ ذلك "يعود إلى سببَين اثنَين قد لا يكونان معلومَين من قبل كثيرين. السبب الأوّل هو للتعبير عن الحفاوة الكبيرة بالضيف، لأنّ تقديم المياه باردةً بحسب الثقافية الصينية يُعَدّ إهانة أو عدم ترحيب بالزائر. أمّا السبب الثاني، فهو اعتقاد الصينيين بأنّ المياه الدافئة تنقّي الجسم وتخلّصه من السموم وتساعد المعدة في هضم الطعام بيسر".

ويلفت تشين يونغ إلى أنّ "معدّلات السمنة في الصين ظلت في أدنى المستويات، خلال العقود الماضية، حين لم تكن الأطعمة الغربية تزاحم قائمة الطعام الصينية. لكن مع الغزو الثقافي واتساع رقعة انتشار مطاعم الوجبات السريعة الأميركية، بدأت ترتفع معدّلات السمنة في البلاد. وهذا ما يؤكد أنّ الطعام الصيني صحي مقارنة بأطعمة بلدان أخرى". يضيف أنّ "الصينيين لا يستسيغون السكر ولا الملح وكذلك الزيوت النباتية، ويفضّلون الطعام مسلوقاً. حتى أنّ الأرزّ الذي يُعَدّ الطبق الأكثر انتشاراً في الصين، لا يؤكل إلاّ مسلوقاً ومن دون أيّ إضافات أو منكّهات".

المساهمون