الأزمة الديمغرافية الصينية تهدد أكبر جيش في العالم

الأزمة الديمغرافية الصينية تهدد أكبر جيش في العالم

04 يونيو 2021
يحتاج الجيش الصيني لمئات آلاف المجندين كل عام (جيا فانغوين/Getty)
+ الخط -

في ظلّ مخاطر عسكرية تحدق بالصين سواء على مستوى التهديد الذي تشكله التحركات الأميركية في المنطقة، أو على مستوى النزاعات الحدودية مع دول الجوار، يواجه جيش التحرير الشعبي الصيني تحدياً من نوع آخر ربما يكون أكثر خطراً، يتمثل في انعكاسات الأزمة الديمغرافية غير المسبوقة التي تعاني منها البلاد عليه. وأظهرت أرقام حديثة صادرة عن دائرة الإحصاء الوطنية، تراجع عدد المواليد الجدد في الصين، التي تعتبر الدولة الأكبر من حيث تعداد السكان في العالم (مليار وأربعمائة مليون)، إلى 12 مليون نسمة خلال العام الماضي، بنسبة انخفاض 15 في المائة عن العام السابق، وهو أدنى مستوى في تاريخ الصين منذ ستة عقود. وحسب خبراء، يتوقع أن يصل عدد الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً إلى ثلاثمائة مليون بحلول عام 2025.

قامت وزارة الدفاع الصينية، بتعديل وتخفيف متطلبات التجنيد

وكان مسؤولون عسكريون قد حذروا في الماضي من تأثير سياسة الطفل الواحد التي انتهجتها الصين في أواخر سبعينيات القرن الماضي، على قوام وتعداد الجيش. وبصفته أكبر جيوش العالم (2.3 مليون عنصر)، فإنه يحتاج إلى مئات الآلاف من المجندين الجدد كل عام، الأمر الذي بات غاية في الصعوبة بسبب تراجع أعداد الشباب، وانخفاض معدل الخصوبة في المجتمع الصيني.

ولمواجهة ذلك، قامت وزارة الدفاع الصينية، بتعديل وتخفيف متطلبات التجنيد، كما سمحت لعدد أكبر من النساء بالانضمام للجيش، وبررت ذلك بأن الحروب المقبلة ستركز على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وبالتالي فهي لا تحتاج إلى القوة البدنية والمواصفات القياسية.

وقد شهدت الفترة الماضية تجاوزات واستثناءات داخل مراكز التجنيد، كانت تعتبر من المحرمات في السابق، على سبيل المثال، خفض متطلبات ارتفاع الطول بالنسبة للأفراد إلى 160 سنتمتراً، وكذلك السماح بتجنيد الذين يعانون من قصر نظر أو وزن زائد. ولتحفيز الشباب، تم إلغاء الحظر الذي كان مفروضاً على احتفاظ الجنود بالهواتف النقالة، بشرط تحميل تطبيقات خاصة بالجيش لمكافحة التجسس والاختراقات السيبيرانية. أيضاً، تم السماح بضم الطلاب الجامعيين أصحاب المعدلات المنخفضة، وكذلك طلبة الثانوية العامة الذين لم يحصلوا على درجات تؤهلهم للالتحاق بالجامعات.

ما تقدم يشير إلى الأثر الكبير للتغيّر الديمغرافي في الصين على جيش عرف بضخامة قوامه، خصوصاً قواته البرية الأكبر في العالم، والتي تمثّل ستين في المائة من تعداد الجيش. وكان الجيش الصيني قد أنشئ مطلع أغسطس/آب عام 1927، وهو أكبر عمراً من الدولة، على اعتبار أن جمهورية الصين الشعبية تأسست عام 1949، ويضم في تشكيلاته خمس وحدات، هي: القوات البرية، والبحرية، والجوية، والقوة الصاروخية، وقوة الدعم الاستراتيجي.

وتتوزع قوات الجيش الصيني البالغ تعداده حوالي مليونين وثلاثمائة ألف جندي، بين أربع وحدات، تستأثر الوحدة البرية بـ 1.6 مليون جندي، يتوزع معظمهم في المناطق الحدودية شمال وجنوب غربي البلاد. الوحدات البحرية تضم حوالي ثلاثمائة ألف جندي، وتنتشر في ثلاث مناطق تتمثل في بحري الصين الجنوبي والشرقي، ومنطقة الشمال بالقرب من شبه الجزيرة الكورية. فيما تستأثر الوحدات الجوية بنحو أربعمائة ألف جندي، توكل لهم مهمة إدارة الصواريخ التقليدية والنووية. أما وحدة الدعم الاستراتيجي، فهي وحدة حديثة صغيرة نسبياً تختص بتطوير الأسلحة التكنولوجية.

الصين تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي لديها مشاكل وتوترات ونزاعات حدودية مع أغلب دول الجوار

وقد خاض هذا الجيش حروباً عدة أبرزها: الحرب ضد اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية، والحرب في شبه الجزيرة الكورية في خمسينيات القرن الماضي، أما آخر حرب خاضها الجيش الصيني، فكانت ضد فيتنام عام 1979.

وتكمن أهمية تعداد الجيش الصيني، في أمرين: الأول معنوي لضمان التفوق العددي على باقي الجيوش، والثاني استراتيجي مرتبط بالتحديات والمخاطر التي تحدق بالصين من كل الاتجاهات. فالصين تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي لديها مشاكل وتوترات ونزاعات حدودية مع أغلب دول الجوار؛ براً وبحراً، فضلاً عن أنها محاطة بأربع دول نووية (الهند، باكستان، روسيا، كوريا الشمالية). بالإضافة إلى التوترات الأمنية الداخلية؛ سواء في إقليم شينجيانغ، أو التيبت، أو في مضيق تايوان، باعتبار أن بكين تعتبر الجزيرة جزءاً لا يتجزأ من أراضيها وتهدد باسترجاعها بالقوة. لذلك، تبرز الحاجة إلى قوات برية ضخمة قادرة على الانتشار وفق خريطة النزاعات وبؤر التوتر.

وحول المخاطر التي تواجه الجيش الصيني على صعيد التعبئة في ظلّ التحديات العسكرية الراهنة، قال الباحث في معهد الجنوب للدراسات الدولية، وانغ خه، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الأزمة الديمغرافية ليست وليدة اللحظة وهي نتاج تراكمات لها علاقة بسياسات تحديد النسل في البلاد والتي استمرت لعقود". وأضاف: "على الرغم من التغيرات الكبيرة التي طرأت على شكل الجيش الصيني، والتحول في فكر القيادة خلال العقود الماضية نحو إنشاء منظومة عسكرية تقوم على أساس الكفاءة التكنولوجية وليس الضخامة العددية، فإنّ ذلك لا يقلل من مدى خطورة وتأثير تراجع معدلات الخصوبة على هذه الاستراتيجية، لأن من يقوم بإدارة وتشغيل العمليات العسكرية المتقدمة هم الشباب الذين تحتاجهم الصين. فضلاً عن أن حروب الفضاء والأسلحة الذكية لا تغني عن الحاجة لقوات برية كبيرة قادرة على الانتشار وحماية السيادة الوطنية، خصوصاً في مناطق النزاع الحدودية، مثل التوتر القائم على الشريط الحدودي مع الهند، وكذلك حفظ الأمن في إقليم شينجيانغ شمال غربي البلاد، الممتد على مساحة 1.6 مليون كيلومتر".

أكثر من 85 في المائة من الجنود في الجيش هم من جيل الطفل الواحد

وأشار وانغ خه إلى أنّ "أكثر من 85 في المائة من الجنود في الجيش هم من جيل الطفل الواحد، أي ليس لديهم أشقاء، وبالتالي، فإن خوض أي حرب يترتب عليها خسارة في الأنفس، لن تكون معوّضة، بمعنى أنّ من يُقتل سيُقطع نسله وسيمسح اسم عائلته من السجلات المدنية". ولفت إلى أنّ ذلك "ليس بالأمر السهل، وربما يبرر الخطوة الأخيرة التي دفعت السلطات الصينية قبل يومين السماح للأسر بإنجاب طفل ثالث".

من جانبه، اعتبر محرر الشؤون العسكرية في صحيفة "كانتون" المحلية، لياو ليانغ، أنّ "نقص الجنود لا يمثّل حرجاً، بل ينسجم مع توجه القيادة نحو الاهتمام بالنوع على حساب الكم"، لافتاً إلى أنّ "الصين قادرة على التأقلم مع كل الظروف، وفي إطار ذلك جاء فتح الباب أمام الإناث للانضمام للجيش الصيني الذي كان حتى وقت قريب حكراً على الذكور". وأضاف لياو ليانغ، في حديث مع "العربي الجديد" أن "نسبة النساء داخل الجيش ارتفعت من 3 في المائة في ثمانينيات القرن الماضي، إلى نحو 8 في المائة خلال السنوات الأخيرة". ورأى أنّ "الحروب المعاصرة تجاوزت شكل الحروب التقليدية، وباتت تركز أكثر على عنصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وهي أشياء لا تعتمد على القوة البدنية، بل على الكفاءة العلمية"، معتبراً أنّ "مثل هذه المتطلبات لا تستدعي المفاضلة بين الذكور والإناث".

قضايا وناس
التحديثات الحية

المساهمون