إفطارات الجزائر... حلاوة خاصة في الهواء الطلق

إفطارات الجزائر... حلاوة خاصة في الهواء الطلق

29 ابريل 2022
إفطار جماعي على الشاطئ (العربي الجديد)
+ الخط -

 

عادت مبادرات الإفطارات الرمضانية الجماعية في الهواء الطلق بقوة في الجزائر هذا العام، بعدما غابت في السنتين الأخيرتين بسبب تفشي وباء كورونا، وتطبيق الحكومة إجراءات احترازية قاسية جداً، وشملت منع التجمعات خلال شهر رمضان تحديداً. وتحاول عائلات وجمعيات كسر الروتين اليومي، وإبعاد الناس عن الإفطارات داخل البيوت، من خلال تنظيم موائد جماعية تتمتع بنكهة وحلاوة خاصة.

في أماكن هادئة بعيدة عن ضوضاء التجمعات السكانية يجرى اختيارها غالباً وسط غابات أو على شواطئ البحر، تفضل العائلات وثلة الأصدقاء وبعض الجمعيات التي تنفذ نشاطات شبابية والسياحية تنظيم موائد إفطارات خاصة خلال عطلات نهاية الأسبوع تشكل فرصاً جيدة للقاء هؤلاء الناس والتمتع بحلاوة تناول الوجبات في الهواء الطلق داخل غابات وسط أصوات الطيور والحيوانات البرية، أو على شواطئ يستمتعون فيها بنسمات هواء البحر وأصوات أمواجه التي تشرح الصدر وتعطي شهية أكبر، ما يمهد لتعزيز أواصر المحبة والتماسك بين أفراد المجتمع.

في عطلة نهاية الأسبوع، يفضل محمد شاوش وزهير حاج قويدر وشريف بوزناشة، وجميعهم موظفون في مؤسسات حكومية، تناول وجبة الإفطار برفقة أصدقائهم داخل غابة تقع في منطقة الحساسنة بمحافظة تيبازة. ويقول بوزناشة لـ"العربي الجديد: "نجهز ترتيبات مائدة الإفطار مسبقاً عبر الاتصال بالأصدقاء الذين قد يبلغ عددهم 15. نتفق على مكان الانطلاق وزمانه الذي يفضل أن يكون باكراً لتحضير بعض المأكولات في البرية، بدلاً من إحضارها من البيوت، فنحن نحاول أن نأكل ما نطبخه، ونشعر بمتعة أكبر في الطبخ داخل الغابة".

يضيف بوزناشة: "جهزنا مكاناً خاصاً لتنظيم الإفطارات داخل الغابة حيث جمعنا أغصاناً وبقايا أشجار لاستخدامها في الطبخ. ونحن نحاول استعمال الوسائل التقليدية المتوفرة لمحاولة عيش تجربة رائعة في الحياة البرية، ونتقاسم المهمات بين إحضار الحطب للطبخ وتقطيع الخضار واللحم وتحضير الأواني والمائدة، وصنع الخبز التقليدي أحياناً". 

الصورة
يجمع الإفطار أصدقاء في موقع خلاب (العربي الجديد)
يجمع الإفطار أصدقاء في موقع خلاب (العربي الجديد)

من جهته، يقول أستاذ تعليم الصفوف الابتدائية عادل بداني لـ"العربي الجديد": "أصبحت مدمناً على تناول وجبة الإفطار في الغابة خلال نهاية الأسبوع، بعدما دعاني صديق مرة إلى معايشة هذه التجربة التي أعجبتني بعدما استمتعت كثيراً واستطعت التخلص من الروتين والضغط اليومي الذي أعاني منه في العمل. أحضر باكراً إلى المكان وأشاهد المدينة من أعالي الجبل وأستمتع بالهواء النقي وأصوات الطيور والحيوانات في الغابة، ما يمنحني إحساساً رائعاً لا يعرف قيمته إلا من يعيشه". يضيف: "تؤدي المجموعة صلاة المغرب، ثم نلعب الورق أو الدومينو أو لوقارو الشعبية الترفيهية في حضور مجموعة كبيرة من الأصدقاء بعد الإفطار. ونبقى في المكان حتى موعد السحور، ثم نعود إلى منازلنا وننتظر بشغف الموعد المقبل للقاء جماعي جديد".

بدوره، يفضل ميلود دريعي، وهو صاحب مكتب للدراسات الهندسية، اصطحاب كل أفراد عائلته التي تقطن في منطقة وادي جر بمحافظة البليدة إلى شاطئ البحر لتناول وجبة الإفطار خلال عطلة نهاية الأسبوع. ويقول لـ"العربي الجديد": "أجمع كل أفراد عائلتي الكبيرة من أجل التوجه بثلاث أو أربع سيارات أو بمركب سياحي إلى شاطئ منطقة شنوة، وأدعو أخوتي وزوجاتهم وأبناءهم، وأشجعهم على اللقاء لتكتمل اللمّة الكبيرة، وتكون المتعة أكبر. وأفضل بعد وصولنا المشي فوق الرمال برفقة إخوتي أو والدي أو أصهاري، في وقت تتولى النساء تحضير المائدة والشاي والقهوة. لا شيء أروع من نكهة الأكل مع التمتع بنسمات البحر واحتساء فنجان قهوة مع سيجارة بعده، علماً أن الفرصة تسمح للأولاد أيضاً باللعب على الشاطئ الرملي أو على العشب الاصطناعي داخل المركب".

ويروي أحد أشقاء ميلود أنه يصنع مائدة وخندقاً رملياً دائرياً كبيراً يتسع لكل أفراد العائلة، ويغطيه بقماش أبيض مع وضع أجهزة ومصابيح إنارة تشغّل باستخدام بطاريات، ما يضفي منظراً جمالياً رائعاً على المكان، ونوعاً من الشاعرية، خصوصاً حين نتناول المأكولات على إيقاع نسمات البحر وأمواجه.

يملك الشاب الثلاثيني أمين سقال مؤسسة متخصصة في السياحة والحفلات والخدمات الفندقية وتلك الخاصة بالطعام في منطقتي الناظور وشرشال بولاية تيبازة، وينظم جولات ولقاءات سياحية في مختلف الجبال والغابات والمناطق السياحية التي تشتهر بها المنطقتان. وهو يعلن عنها في مواقع التواصل الاجتماعي تمهيداً لبدء التسجيل وحجز الأماكن، وتحديد موعد اللقاء والرحلة التي تنتهي بتنظيم مائدة إفطار جماعي للوافدين من مختلف المحافظات والبلديات المجاورة.

يقول أمين لـ"العربي الجديد": "توثيق اللحظات الشيقة لهذه الرحلات عبر لقطات صور تنشر في وسائل التواصل الاجتماعي تشجع الشبان والعائلات على المشاركة فيها. وتتمثل آلية الانضمام إلى هذه الرحلات في الاتصال بنا، والاطلاع على المواعيد والأماكن والمأكولات التي نطلبها أو نقترحها، علماً أننا نحاول غالباً فرض مأكولات شعبية تشتهر بها منطقتنا بهدف التعريف بها وترويجها سياحياً".

يتابع أمين: "يفضل زبائننا تحديداً منطقة جبل شنوة التي توفر فرصة لرؤية البحر والمدينة من أعالي الجبل، ونشاطنا خلال فصل الصيف وموسم الاصطياف مع جمعيات ووكالات سياحية كثيرة سمح لنا بكسب زبائن كُثر يقصدوننا لتنظيم موائد لإفطارات رمضان، علماً أن أشخاصاً كُثراً يفضلون أن يجدوا كل شيء جاهزاً، ويحاولون استغلال وقتهم في التجول داخل الغابة بدلاً من تضييعه في الطبخ والتحضير".

الصورة
تعزز الموائد الجماعية أواصر المحبة (العربي الجديد)
تعزز الموائد الجماعية أواصر المحبة (العربي الجديد)

كذلك، تدرج جمعية تنمية القصور والواحات والسياحة الصحراوية رائدة، في برنامجها السنوي، لقاءات سياحية وموائد إفطارات جماعية في مختلف المناطق التي قد تضم شواطئ أو واحات أو جبالاً ومحميات طبيعية بهدف التعريف بالكنوز السياحية للجزائر، وتوثيق أواصر الأخوّة والترابط الاجتماعية بين الشبان الذين يقطنون في مختلف المحافظات.

يقول رئيس الجمعية محمد عبد اللاوي لـ"العربي الجديد" إنه يتعاون مع أعضاء آخرين في الجمعية ومؤسسات أخرى لتنظيم موائد إفطارات جماعية سواء للشبان الذين يقطنون في محافظة تيبازة أو القادمين من محافظات أخرى، كما تنظم موائد إفطارات أيضاً على شاطئ البحر، والتي تجذب عائلات ومنظمات طلابية في جامعات على امتداد الوطن، ويجرى التنسيق مع مكاتب تقع جنوب الجزائر لتنظيم موائد إفطار على رمال الصحراء، وتحت واحات النخيل.

ويشير عبد اللاوي إلى أن موائد الإفطارات الجماعية عادت بقوة، وتشكل امتداداً لتوجه الشباب والعائلات للتخييم الليلي في الغابات في ظل الاستقرار الأمني الذي تعرفه البلاد، ورغبة الأشخاص خصوصاً أولئك الذين يقطنون داخل المدن الكبيرة في الهروب من الضجيج وسلبيات الازدحام اليومي من أجل الاستمتاع بهدوء وروعة الطبيعة وتناول إفطارات في أجواء خاصة ومميزة.

ويحاول الجزائريون منذ سنوات التخلص من روتين الحياة العصرية الجديدة بكل ضغوطها ومشاكلها، عبر تنظيم هذه اللقاءات والرحلات والمغامرات السياحية في الهواء الطلق خارج المدن التي أصبحت في بعض المحافظات تصلح لكل شيء إلا للعيش المريح، بتأثير النمط الجديد في السكن الذي فرض على الجزائريين في السنوات الأخيرة عمارات ومساكن لا تتناسب مع خصوصياتهم الاجتماعية.

وتطلق تسمية "إحياء العوايد" على العادات الخاصة بشهر رمضان في الجزائر، والتي تعني إظهار طقوس الفرح بحلول الشهر الفضيل التي تميزه عن باقي الأيام، وتمنح البهجة للعائلات وتسمح لأفرادها بتغيير عاداتهم اليومية خارج شهر الصوم تحديداً، رغم أن بعض هذه الطقوس بدأ يتلاشى بمرور الزمن بفعل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الجديدة.

المساهمون