ألعاب رمضان... منافسات مشحونة في سهرات الجزائر

ألعاب رمضان... منافسات مشحونة في سهرات الجزائر

28 ابريل 2022
منافسات ترفيهية في رمضان الجزائر (العربي الجديد)
+ الخط -

لا تزال المقاهي الشعبية والساحات العامة ومساحات المراكز الشبابية المقصد الرئيس للجزائريين خلال سهرات شهر رمضان، من أجل احتساء القهوة ولقاء الأصدقاء، وتبادل الأحاديث وإحياء جلسات السمر، والاستمتاع بألعاب معروفة شعبياً مثل الدومينو والشطرنج. 
وسمحت مواكبة جزائريين كُثر هذه الألعاب بانتشار ما يطلق عليه اسم "المحشاشات" وهي مقاهٍ صغيرة تفتح أبوابها مؤقتاً في رمضان، وتشكل ملتقى للشبان الذين يقطنون في مناطق جبلية وريفية خصوصاً التي تفتقر الى مقاهٍ مثل تلك الموجودة في المدن. كما تعكف بعض المراكز الشبابية والجمعيات الناشطة على تنظيم منافسات رياضية وترفيهية بعد الإفطار وصلاة التراويح، لخلق مساحات للفرجة وكسر الروتين والهدوء الذي يفترض أن يواكب فترات النهار في رمضان.

يخبر سامي غربيني بن عكاشة، وهو مقاول بناء "العربي الجديد" أنّه لا يستطيع البقاء في البيت بعد تناول وجبة الإفطار، لذا يسارع إلى مقهى الشهيد الشعبي المعروف وسط مدينة العفرون بمحافظة البليدة، من أجل شرب القهوة وتدخين السجائر، ولقاء الأصدقاء الذين يتجمعون لتبادل أطراف الحديث حول مختلف القضايا المحلية التي تعني الشأن العام. ويقول: "لا أنام إلا بعد صلاة الفجر، علماً أنني أتوقف عن العمل في شهر رمضان، وأكلف أخي بمتابعة بعض المشاريع لأنني غير قادر على التحكم بأعصابي خلال ساعات النهار التي أعتكف فيها في البيت أطول فترة ممكنة لتجنب العصبية التي يتسبب بها إدماني على السجائر والقهوة. وبعد الإفطار مباشرة، أسارع الى المقهى لحجز طاولة لاحتساء القهوة وتدخين سيجارتي التي تعيد لي تركيزي، وأتحين فرصة لقاء أصدقائي وتبادل أطراف الحديث معهم، وقضاء بعض المصالح المشتركة".
وتمتلئ مقاهي الساحة العامة في مدينة حجوط غرب الجزائر العاصمة بمئات من المواطنين الوافدين من مختلف البلديات والقرى المجاورة لاحتساء القهوة. ويعلّق قلعي محمد، وهو تاجر من مدينة حجوط، بأن هذه المقاهي المشهورة تعطي فرصة كبيرة للاستمتاع بجمال المدينة وحركتها ليلاً، كما تمنح فرصة لمشاهدة منافسات الكرة الحديدية ولعبة الدومينو التي تقام في ساحة المدينة خلال شهر رمضان.
وفي ساحة مدينة شرشال المطلة على البحر، يتلهف الصحافيان بو جمعة بوقشور وهشام همال لتناول القهوة بعد الإفطار مباشرة، ولقاء بعض المثقفين والأساتذة. ويقول بو جمعة لـ"العربي الجديد" إنّ "تناول القهوة ذو نكهة خاصة خلال سهرة رمضان وسط نسمات البحر التي تعانقنا وتزيد متعة الأحاديث والنقاشات حول مختلف القضايا السياسية والإعلامية الراهنة". أما هشام فيقول لـ"العربي الجديد" إنّه اكتشف العراقة الاجتماعية والتاريخية لمدينة شرشال من خلال السهر في مقاهيها الشعبية التي تعج بزبائن من مختلف الفئات والأعمار".

الصورة
بعيداً من القضايا السياسية والإعلامية (العربي الجديد)
بعيداً من القضايا السياسية والإعلامية (العربي الجديد)

لاعبون ومتفرجون
في ظاهرة لافتة، لا تزال لعبة الدومينو تفرض شعبيتها خلال سهرات رمضان، وتحضر على طاولات معظم المقاهي التي يتجمع فيها شيوخ وكهول وشبان يحرصون على التمتع بمنافساتها خصوصاً بعد صلاة التراويح، علماً أن ممارسة هذه اللعبة لا تنحصر في المقاهي، وتشمل حتى أسطح المنازل و"المحشاشات"، وتكون مسرحاً لمشاحنات ومنافسات قوية بين الأصدقاء والأقارب تزيد خصوصية السهرات الرمضانية ونكهتها.
يضرب عمي الطيب خليفة، موظف البلدية المتقاعد، موعداً للاجتماع بأصدقائه في مقهى سي قدادر الذي يقع وسط مدينة أحمر العين للتنافس في لعبة الدومينو بعد صلاة التراويح، وذلك في حضور مجموعة كبيرة من المتفرجين الذين يتمتعون بالمنافسات والمشاحنات والمواقف العصبية التي تميز الأجواء، خصوصاً أنهم يعرفون أن المتنافسين يرفضون الخسارة، ما يخلق مزيجاً فريداً من المواقف المضحكة التي تترافق مع شد أعصاب ومشادات كلامية سلمية، وأيضاً احتفالات بالانتصار.
وعلى غرار عمي الطيب، يجد أبناء حي الهواري أحمد في أعالي منطقة بورقيقة بمحافظة تيبازة، فرصة جيدة للتجمع في المقاهي التي تقع في قرية تشتهر باحتضانها منافسات محتدمة في لعبتي الورق والداما. ويسارع الجميع إلى حجز الطاولات وانتظار المنافسين، فيما تجلب المنافسة جمهوراً متنوعاً ينساق إلى متابعة المنافسات باعتبار أنه لا يملك خياراً آخر في ظل غياب المرافق الترفيهية في المنطقة، مثل دور الشباب والملاعب.

الصورة
مشادات كلامية سلمية وفرحة الانتصار (العربي الجديد)
مشادات كلامية سلمية وفرحة الانتصار (العربي الجديد)

جمهور الشباب "العائد"
وبمبادرة نوعية، ينظم مهدي، وهو مدير دار الشباب حاج علي عبد القادر في مدينة حمر العين، دورة محلية في لعبة الشطرنج تشهد مشاركة كبيرة في منافساتها التي أعادت الحياة إلى جمهور من الشباب كان هجر المقاهي جزئياً في السنوات الماضية، بسبب غزو التكنولوجيا للبيوت. ويقول مهدي لـ"العربي الجديد": "نحاول عبر هذه النشاطات تنويع أماكن ومساحات السهرات الرمضانية في المدينة، وبعث النشاط الترفيهي والشبابي خلال شهر رمضان". 
ويعلّق زبير صفوان، وهو لاعب قديم ومحترف في لعبة الشطرنج، بالقول لـ"العربي الجديد: "هذه المنافسة سمحت لنا بإعادة المنافسات في لعبة عشقناها منذ سنوات قبل أن تغيب فترة عن المدينة. وهذه فرصة ثمينة لإعادة إحياء النشاطات التي تعيد الشباب إلى الحياة الواقعية بعيداً من الألعاب الافتراضية التي فرضتها التكنولوجيا".
من جهته، يفضل الشاب لطفي بن شريف، وهو أستاذ تعليم ابتدائي، رفقة جيرانه وأصدقائه من حي بوحدة عبد القادر غربي العاصمة الجزائرية، التجمع بعد صلاة التراويح في مسكن غير مكتمل أو في الغابة المحاذية للقرية في جو أخوي تتوسطه طاولة مملوءة بالحلويات والمشروبات والشاي للاستمتاع باللعبة المفضلة لديهم والمعروفة باسم "لوقارو"، وهي لعبة ورق يشارك فيها عدد من اللاعبين. 
أيضاً، تنظم بلديات وجمعيات كثيرة دورات رياضية خلال سهرات رمضان، مثل برنامج ترفيهي اعتاد عليه جمهور المدن الجزائرية عموماً وتلك الكبيرة خصوصاً مثل العاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة والبليدة، التي تحتضن عدداً كبيراً من الملاعب والقاعات الرياضية. وتعلن الجهات المنظمة موعد الدورات قبل شهر رمضان كي تضع الفرق لوائح لاعبيها الذين تحتدم المنافسة بينهم في مباريات تشهد حضوراً جماهيريا كبيراً بعد صلاة التراويح لمناصرة فريقهم المفضل. كما تمنح هذه الدورات بعض الشباب الذين يمتهنون بيع الحلويات كالزلابية والقلب اللوز والمكسرات والشاي فرصة تحقيق مكاسب مالية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

في السياق يشرف خير الدين لكحل، رئيس جمعية ابن خلدون لمدينة العفرون بضواحي محافظة البليدة، على منافسات دورة كروية تجمع فرقاً من مختلف الأحياء. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن الدورة يحضرها جمهور غفير بعد صلاة التراويح، وتجري منافساتها بنظام الإقصاء في فئات عمرية مختلفة، وتستمر شهراً كاملاً. ويشير إلى أن "نسخة العام الحالي تعرف نجاحاً باهراً بعد عودة التجمعات إثر رفع حظر حضور الجمهور إلى الملاعب بسبب جائحة كورونا. نطمح من خلال هذه المبادرات إلى خلق بهجة، وتعزيز النشاطات داخل المدينة للتخلص من الضغوط اليومية التي يواجهها المواطنون".
أيضاً، أطلق مسؤولو نادٍ لكرة السلة في مدينة سيدي أعمر دورة خلال شهر رمضان جذبت الشبان الذين يعشقون ممارسة هذه الرياضة، وفتحوا القاعة الوحيدة بالمدينة أمام الجمهور والعائلات ليلاً لمناصرة اللاعبين.

المساهمون