إحراق "مكتبة" ثمانينيّ مشرّد في بيروت

إحراق "مكتبة" ثمانينيّ مشرّد في بيروت بعد أسبوع من زيارة وزير الثقافة له

21 يناير 2022
أسباب الحريق مجهولة (تويتر)
+ الخط -

منذ أيامٍ معدودة، حمل اللبناني الثمانيني محمد المغربي كتاباً يتصفّحه أمام عدسة الكاميرا، تحت عنوان "قصصٌ لبنانية"، دون أن يدري أنّه سيتحوّل إلى قصّةٍ تتداولها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ولن تبقى له سوى سيجارة يدخنها علّها تساعده على استيعاب مشهدٍ سوداويّ محزنٍ، بعدما التهمت النيران، ليل أمس، مكتبته ومكان إقامته الوحيد.
المسنّ اللبناني، الذي اتّخذ من مكتبته الكائنة تحت جسر "الفيات"، في بيروت، ملاذاً يؤويه من البرد والمطر، ويقضي فيه أيامه ولياليه، بعدما اضطرّته الظروف القاسية إلى التشرّد في شوارع العاصمة، يثابر منذ فترةٍ طويلةٍ على جمع عشرات الكتب والروايات والصحف والمجلّات وبيعها أو التبرّع بها لكلّ من يقصده، مردّداً قوله: "خُذ الكتاب الذي يعجبك، وإذا معك ادفع، وإذا ما معك ما تدفع"، علماً أنّها مصدر رزقه المتبقّي.
مصدر الرزق صار رمادا في لمح البصر، وأسباب الحريق لا تزال مجهولة، وتأتي بعد قرابة أسبوعٍ من زيارة وزير الثقافة اللبناني محمد المرتضى للمغربي في مكان إقامته تحت الجسر، حيث اكتفى بتقديم مجموعة كتبٍ موقّعة باسمه، من دون أيّ مبادرة لتحسين واقعه المعيشي، سواء لناحية تأمين مسكنٍ لائقٍ يحفظ كرامته أو لتلبية حاجاته اليوميّة الملحّة.
الثمانيني ذو اللحية البيضاء والعينين الملوّنتين والوجه العابق بالحكايات والروايات، علّق على حادثة الحريق، قائلاً لإحدى محطات التلفزيون: "أعداء الغيرة لم يعجبهم أنّ الوزير سيجعل من مكتبتي كيوسك (كشك)، لوزارة الثقافة، فأحرقوها، لكنّها ستُبنى من جديد".
وكان المغربي، الذي يتحدّث بلهجةٍ مصريّة تعود إلى سنوات دراسته الجامعية في اختصاص الهندسة في القاهرة، قد جعل من ذلك الحيّز الصغير تحت الجسر منزلاً دائماً له، جدرانه من الكرتون والخشب، أمّا محتوياته فبسيطة، لا تتعدّى سريراً متواضعاً من بضع ألواح خشبٍ وفراشاً قديماً وموقدة على الحطب من صنع يديه، إضافة إلى ملابس قديمة تخترقها بذلة رسمية محفوظة بكيسٍ من النايلون ومعطف محفوظ بعناية، وكأنّهما يحفظان ذكريات الزمن الجميل.

محمد، الذي لا يغفل رعاية بضع شتولٍ زيّن بها عالمه الصغير، كان يتنقّل بين كتبه المتنوّعة، في رحاب عالمٍ واسعٍ من المعرفة والثقافة، يرافقه كلبٌ قرّر مشاركته يوميّاته وحياته، على هشاشتها وبساطتها، وكأنّه رفيقه الثاني بعد الكتاب.

وكان روّاد مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا صوراً ومقطع فيديو يظهر احتراق مكتبة المغربي، معربين عن تضامنهم معه.

وكتبت زينة بزّي، وهي إحدى المغرّدات عبر حسابها على "تويتر": "الله يحرق قلوبكم مثل ما حرقتوا مكتبة العمّ محمد المغربي، لهون وصل الحقد والظلم والجهل واللاإنسانية".

وغرّد عمر حرقوص، قائلاً: "بائع الكتب محمد المغربي يقف "محروق القلب" بعد اشتعال النيران بالكتب التي يحاول بيعها في بيروت..المدينة "الجميلة" تكتب سيناريو نهايتها بأشكال مختلفة".

في حين نشر الممثل زياد عيتاني قصاصة ورقٍ التهمت النيران جانباً منها، بحيث سطّر منشوره بعبارة "ما تبقّى من مكتبة محمد المغربي تحت جسر الفيات". وفي القصاصة ذاتها، ترد جملة "أرقد في السكوت"، ولعلّها واقع حال العم محمد صباح هذا اليوم في عاصمةٍ كانت يوماً شعلةً للثقافة والحضارة ومرتكزاً أساسيّاً للحقوق والحريات.

وفي السياق، بادر ناشطون إلى إطلاق حملة تبرّعات سعياً لتمكين الرجل الثمانيني من إعادة بناء مكتبته، وتأمين مكان لائق ينهي معاناته مع التشرّد.

كما كشفت وزارة الثقافة اللبنانية في بيان لها، أنّها كانت قد بدأت "بوضع الآليات الممكنة لمساعدته اجتماعيّاً وحياتيّاً وإقامة، بعد التأكّد من أوراقه الثبوتيّة وبعض المعطيات الأخرى. إلّا أنّه ‏وقعت مساء أمس حادثة غريبة نتج عنها إحراق الكتب التي يضعها المغربي في المكان، إضافة إلى إحراق أغراضه الخاصة".

وعليه، ‏فإنّ "وزارة الثقافة ممثّلة بالوزير المرتضى تعمل بالتنسيق مع محافظ جبل لبنان القاضي محمّد مكّاوي والأمن العام اللبناني، ومع المراجع القضائيّة المختصّة لجلاء ملابسات هذه الحادثة وتداعياتها، والعمل على معالجة الموضوع في أسرع وقت ممكن، على أن يستكمل بعد ذلك العمل على معالجة أوضاعه المذكورة".
 

المساهمون