أعمال خطرة لأطفال إدلب في محطات وقود

أعمال خطرة لأطفال إدلب في محطات وقود

17 يوليو 2023
عمل الأطفال في محطات الوقود يعرضهم لمخاطر صحية (العربي الجديد)
+ الخط -

أجبرت الظروف الطفل علاء الكرمو الذي لم يتجاوز عمره 12 سنة على إعالة أمه وإخوته بعد وفاة والده في حادث سير بمحافظة إدلب السورية في نهاية العام الماضي. اتجه الطفل إلى العمل في محطة لبيع المحروقات رغم افتقار غالبية المحطات إلى أدنى مقومات السلامة، وأيضاً استهداف بعضها بقذائف.
يواجه علاء مشاكل صحية كثيرة، لكنه لا ينوي التوقف عن العمل في المحطة، لأنها ملاذه الوحيد لجلب قوت لإخوته الذين يسكنون في مخيم للنازحين شمالي إدلب. يقول لـ"العربي الجديد": "بحثت طويلاً عن عمل، ثم اشتغلت في محطة الوقود بأجرة لا تتجاوز 30 ليرة تركية  (1.14 دولار) يومياً، وهو مبلغ لا يكاد يكفي لشراء الخبز"، وهو لا يستطع إخفاء حسرته على عدم إكمال دراسته، ولا يزال يحلم  بالرجوع إلى الدراسة، لكنه يصطدم بعراقيل واقعه الذي يمنعه من ذلك، ويقول: "أحزن كثيراً عندما لا أجد نفسي بين الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس". 
يواجه الحال ذاتها الطفل عدي البرهوم (13 سنة)، والذي يعيش مع والديه وإخوته الأربعة في "مخيمات قاح" شمالي إدلب بعدما نزحوا من بلدتهم خان شيخون في نهاية عام 2019، وبات المعيل الوحيد بعد إصابة والده بشلل نتج من قصف استهدف البلدة. 
يعمل عدي في محطة وقود تقع على الطريق بين مدينتي قاح وكفرلوسين. ويقول لـ"العربي الجديد": "أنا مضطر للعمل من أجل تحصيل ثمن الدواء لوالدي، وجلب طعام لإخوتي لأنني أكبرهم. أبدأ العمل في ساعات الصباح الأولى، ويشمل العمل تعبئة خزانات سيارات الزبائن بالبنزين والمازوت بأنواعهما، وتنظيف المحطة. مبلغ الـ50 ليرة تركية (1.9 دولار) الذي أتقاضاه في أفضل الأحوال يومياً لا يتناسب مع العمل الشاق، لكنه يبقى أفضل من لا شيء في ظل عدم وجود بدائل. أعاني من حكة وحساسية في الجلد بسبب تكرار لمس المحروقات، وكذلك من أمراض معوية وتنفسية ناتجة من عدم ارتداء ملابس مناسبة للوقاية". 
وتقول مرشدة التوعية الصحية، ندى الكامل، لـ"العربي الجديد": "يعرّض هذا العمل الأطفال لمخاطر صحية عدة من جراء ملامستهم الوقود والمنتجات الكيميائية، والبقاء قرب مضخات الوقود، فضلاً عن التعرّض للضوضاء والحرارة، وأيضاً لخطر الدهس، وهم يتعرضون لمنتجات كيميائية مثل الهيدروكربونات العطرية والمذيبات الكيميائية، وكلها قابلة للاشتعال بسرعة، أو التسبب في اندلاع حرائق".

الصورة
تتسبب عمالة الأطفال في أضرار نفسية وجسدية (كاظم رماح/ الأناضول)
تتسبب عمالة الأطفال في أضرار نفسية وجسدية (كاظم رماح/الأناضول)

وتضيف الكامل: "تشكل هذه المهنة خطراً كبيراً على صحة الأطفال، إذ تزيد احتمال الإصابة بسرطان الدم النخاعي، وسرطان الدم الليمفاوي، كما قد تتسبب في اضطرابات بالجهاز الهضمي، ويمكن ملاحظة الحساسية والحكة في الجلد، خاصة على اليدين، وأيضاً تغيّرات في الجهاز العصبي المركزي مثل الدوخة، كما قد يتعرض الجهاز التنفسي لأخطار كبيرة".
بدورها، تقول المرشدة النفسية، فاتن الأسود، لـ"العربي الجديد"، إن "عمالة الأطفال تتسبب في أضرار نفسية وجسدية عدة، خاصة إذا عملوا في بيئات خطرة، ومجالات لا تتناسب مع أحجام أجسامهم وقدراتهم البدنية، ما يجعلهم يعانون من إرهاق بدني وعقلي، ويفتقرون إلى فرص التعليم، وإلى الاستمتاع بطفولتهم، ولا يستطيعون تنمية مهاراتهم وقدراتهم الفردية. الأعمال الشاقة والخطرة، ووقوف الأطفال ساعات طويلة تحت أشعة الشمس تؤثر في نفسياتهم، وتزيد شعورهم بالحرمان والاستغلال وغياب الاستقرار والأمان".

وتشير الأسود إلى أن "العمل في محطات المحروقات يجعل الأطفال في تماس مباشر مع خطر الإصابة أو الإعاقة، أو حتى مواجهة الموت في ظل عدم محاولة معالجة مشاكلهم المالية، ومحاولة إعادتهم إلى مدارسهم، وتوفير متطلبات استقرارهم في بيئات آمنة".

وتنتقد عمل منظمات المجتمع المدني في هذا المجال كونه لا يتضمن أي تدابير عملية، وينحصر في إطلاق حملات توعية وأنشطة لا ينضم الأطفال العاملون إليها لأنهم يرون أنها بلا نفع، وتقترح العمل على تعزيز فرص تعليم الأطفال، والفرص الاقتصادية للأسر التي تعاني من ظروف مادية صعبة، ووضع قوانين تمنع عمل الأطفال، كما تطالب بأن تتضافر الجهود لضمان حصول الأطفال على حقوقهم، والتعاون مع المنظمات الدولية الإقليمية المهتمة بشؤون الطفل لتبادل الخبرات، وجلب تمويل يكفي للحد من الظاهرة.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نسبة الأطفال السوريين المنخرطين في أعمال دائمة تتجاوز 25 في المائة من إجمالي نسب العاملين خلال سنوات الأزمة السورية، بعد أن كانت نحو 10 في المائة قبل اندلاع الثورة، ما يعني تضاعف عدد الأطفال الذين دخلوا إلى سوق العمل خلال السنوات العشر الأخيرة.

المساهمون