أطفال مدمنون على الهواتف في شمال سورية

أطفال مدمنون على الهواتف في شمال سورية

02 يوليو 2022
بات الهاتف وسيلتهم الترفيهية الوحيدة (عدنان الإمام)
+ الخط -

بات الهاتف الخلوي الحلّ شبه الوحيد لتسلية أطفال المخيمات في الشمال السوري، في ظل غياب الأنشطة الترفيهية التي تساهم في نموهم الجسدي والفكري. ويلاحظ الكثير من الأهل إدمان أطفالهم على الهواتف الخلوية من دون إدراك لمدى خطورتها، وخصوصاً أن بعض الألعاب الإلكترونية تشكل خطراً على سلوك المراهقين
تقول سعاد سلمان، والدة الطفل رامز سلمان (5 سنوات)، لـ"العربي الجديد": "ألاحظ أن ابني بات دائم التوتر ويفتقد القدرة على التركيز، كما أنه لا يرغب في اللعب مع أطفال آخرين"، عازية السبب إلى انشغالها عنه. "وبهدف منعه من الخروج من الخيمة بسبب درجات الحرارة المرتفعة صيفاً والبرودة القارسة شتاء، اضطررت إلى إعطائه الهاتف للتسلية". تضيف: "أصبح طفلي يلعب فترات طويلة على الهاتف حدّ الإدمان، وقد بدأ ذلك يؤثر على شخصيته. لم يعد راغباً في تعلم أي جديد. ومنذ صغره، اعتاد ألا يتوقف عن البكاء إلى أن يحصل على الهاتف".
من جهته، يقول محمود معدل، وهو والد الطفلة آلاء (14 عاماً) ومن سكان مخيم أطمة الحدودي، لـ"العربي الجديد": "مع بداية تفشي فيروس كورونا الجديد، صارت ابنتي تدرس أونلاين على غرار معظم التلاميذ، وكانت تتواصل مع مجموعات عبر تطبيق واتساب لحفظ القرآن الكريم، ما دفعني إلى شراء جهاز خاص بها لتستطيع متابعة دروسها من دون تعطيل الآخرين". يتابع: "في البداية، كان استخدامها الهاتف تحت السيطرة والرقابة. لكن بعد مدة قصيرة، بدأت تشعر بالاكتئاب والتوتر والقلق، وخصوصاً لدى انقطاع التيار الكهربائي أو نفاد شحن الهاتف، بعدما بات الأخير وسيلتها للهرب من الواقع الذي تعيشه. أيضاً، بات ونيسها وصديقها في أوقات الفراغ، إذ تتابع من خلاله عدداً من البرامج وتتحدث إلى أفراد عائلتها وصديقاتها". 
بدورها، تلاحظ ريم الحمصي أن طفلها هادي الذي لم يتجاوز السنتين من العمر، خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، أنه بات منعزلاً عن العائلة، وليست لديه شهية على تناول الطعام. اعتاد على اللعب بالهاتف مذ كان صغيراً، وكان الوسيلة الوحيدة ليتوقف عن البكاء. وفي الوقت الحالي، فإن عدم توفر الهاتف يكاد يكون السبب الوحيد الذي يدفعه إلى البكاء ساعات طويلة من دون أن يبدي أي حاجة لتناول الطعام. ويصرّ على الاستماع إلى أغنيات الأطفال ومشاهدة الرسوم المتحركة". 

الصورة
أطفال وهواتف خلوية (عدنان الإمام)
يجب على الأهل قضاء المزيد من الوقت مع أطفالهم (عدنان الإمام)

في هذا الإطار، يقول المتخصص في علم النفس أحمد خطاب، الذي يعمل في مستشفى الشفاء في عفرين بالتعاون مع الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، لـ"العربي الجديد": "عدم اكتراث الأهل لمخاطر استخدام أطفالهم الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية يرتبط بانشغالهم بتأمين قوت يومهم نتيجة الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، علماً أن هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية وسلوكية. وعادة ما يكتسب الطفل عادات سيئة تؤثر على نموه العقلي والنفسي والجسدي والاجتماعي، ما يتطلب اهتماماً ومتابعة من قبل الأهل، وتكاتف المجتمع، بدءاً من الأسرة والمدرسة، وتأمين مساحات آمنة ومراكز ترفيهية هادفة". يضيف: "إذا لاحظ الأهل أن الطفل يميل إلى الغضب والانفعال بسرعة وبات متقلب المزاج، واهتمامه محصور بالأجهزة الإلكترونية، ويميل إلى الانعزال وعدم اللعب مع الأطفال، ونومه مضطرب ويأكل أكثر من المعتاد أو أقل، ويواجه تأخراً دراسياً ويصعب عليه التركيز، أو يعاني من فرط الحركة أو العكس، يمكن القول حينها إن لتلك الأجهزة تأثيراً كبيراً عليه وقد بات مدمناً عليها". 

ويشير خطاب إلى أهمية أن يقضي الأهل المزيد من الوقت مع أطفالهم والإصغاء إليهم واحتوائهم، بدلاً من الاكتفاء بتوجيه النصائح إليهم وعقابهم والتعاطي معهم بسلبية ظناً منهم أنها وسائل ناجعة للتربية. كما أنه يجب الحد من استخدام الأجهزة الإلكترونية من خلال الاستعانة ببدائل، كممارسة الرياضة، وبعض الهوايات، كالرسم أو التدرب على الخط العربي وغير ذلك". ويلفت إلى أهمية أن تمارس المدارس دورها في التوعية حول مخاطر الإدمان على الأجهزة الإلكترونية وتأثيراتها الضارة، وزيادة الأنشطة الترفيهية". 

الصورة
أطفال وهواتف خلوية (عدنان الإمام)
بات بعض الأطفال أكثر انعزالاً (عدنان الإمام)

كما يؤكد خطاب أن للهواتف الذكية تأثيراً أكبر وأكثر خطورة على الأطفال الأصغر، والذي يظهر في وقت لاحق، وخصوصاً في مرحلة المراهقة، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث اضطرابات نفسية وعقلية". فبالإضافة إلى الاكتئاب وعدم القدرة على التعبير والعزلة والتقلبات المزاجية والقلق وقلة الثقة في النفس، قد يواجه مشاكل في النطق، على حد قوله.

قضايا وناس
التحديثات الحية

إلى ذلك، تؤكد مديرة الاتصال في شبكة "حراس الطفولة" التي تعمل في الشمال السوري ليلى حسو، في حديثها لـ"العربي الجديد"، ضرورة الإكثار من تنظيم حملات توعوية للأطفال والأهالي، مشيرة إلى أن المنظمة تقوم بحملات توعوية في هذا المجال ضمن المخيمات، وعلاج بعض الحالات التي تعاني من الإدمان في مراكزها. وتركز المنظمة، بحسب حسو، على "أضرار شبكة الإنترنت على الأطفال وخصوصاً في حال غياب الرقابة، ما قد يؤدي إلى الانحراف وفقدان الثقة في النفس والإصابة بمتلازمة الإنهاك المعلوماتي (تعد من المشاكل التي يتعرض لها الطفل بسبب استخدامه المفرط للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من دون رقابة)، عدا عن فقدان الثقة بالنفس والتغير في سلوكيات الطفل والإرهاق والتعب أو الوحدة والانطواء". 

المساهمون