الفراغ في الرئاسة اللبنانية يقسم الحكومة إلى محورَين

الفراغ في الرئاسة اللبنانية يقسم الحكومة إلى محورَين

25 فبراير 2015
سلام ينتظر صيغة سحرية لاستعادة التوافق الحكومي (حسين بيضون)
+ الخط -

لن ينعقد مجلس الوزراء اللبناني للأسبوع الثاني على التوالي نتيجة تعطّل آلية اتخاذ القرار فيه وضياع القرار بين الوزراء ورئيسهم الذين باتوا يمسكون جميعاً بصلاحيات موقع رئيس الجمهورية الشاغر منذ مايو/أيار الماضي. انفجرت الجلسة الأخيرة للحكومة، في 12 فبراير/شباط الجاري، نتيجة ملفات كثيرة، أساسية وهامشية، منها ما أخذ طابعاً شخصياً كقرار ترفيع معلمة في وزارة التربية، ومنها ما دخل إطار المحاصصة الطائفية والسياسية كتعيين إدارة المنطقة الاقتصادية في مدينة طرابلس (شمالي لبنان).

تقول مصادر رئيس الحكومة، تمام سلام، لـ"العربي الجديد" إنّ "النقاشات الحاصلة تؤكد وجوب استمرار العمل في الحكومة وعدم تفجيرها"، وهو موقف أجمعت عليه القيادات اللبنانية في أكثر من مناسبة وتحديداً في اللقاءات المتلاحقة التي عُقدت في ما بينها. اجتمع سلام بزعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، والأخير التقى النائب ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اجتمع أيضاً بسلام، ليستكمل رئيس الحكومة استطلاع الآراء من مقرّه حيث التقى ممثلين عن معظم القوى المشاركة في حكومته. إلا أنّ كل هذه اللقاءات لم تساعد على تقديم الحلول بعد بحسب المقربين من سلام، الذي بات ينتظر صيغة سحرية لإعادة التوافق إلى جلسات مجلس الوزراء.


اقرأ أيضاً: سمير الجسر لـ"العربي الجديد": آلية عمل الحكومة اللبنانية غير دستورية

في الأساس، دفعت الخلافات داخل الحكومة سلام إلى تحريك النقاش حول إمكانية تعديل آلية اتخاذ القرار في الحكومة، بما يعني ذلك تعديل الدستور الذي يُشير إلى أنه في حال وجود شغور في رئاسة الجمهوريّة يتسلّم مجلس الوزراء مجتمعاً صلاحياته، وبالتالي يصبح كل وزير قادراً على تعطيل القرارات وكل قرار بحاجة إلى 24 توقيعاً من الوزراء الأعضاء في الحكومة. ويسعى سلام للعودة إلى جوهر المادة 65 من الدستور على "اتخاذ القرارات توافقياً، وفي حال تعذر ذلك بالتصويت يتخّذ قراراته بأكثرية الحضور"، والتي تُطبّق في حالة عدم الشغور الرئاسي. وبالتالي باتت الحلول التي يبحث عنها سلام اليوم، تتجاوز حدّ إيجاد المخارج السياسية والتوافقية، وتطال الدستور وقد تدعو إلى تخطي نصوصه.

نتيجة ذلك، تشكّل بوجه سلام محور وزاري جديد ضمّ ثمانية وزراء، أي ثلث أعضاء الحكومة. وانطلق هذا المحور الجديد بمباركة رئيس الجمهورية السابق، ميشال سليمان (المتمثل بثلاثة وزراء في الحكومة)، وبمشاركة الوزراء الثلاثة لحزب الكتائب والوزيرين المستقلين بطرس حرب وميشال فرعون. يجمع هؤلاء رفض أي تعديل للآليات داخل الحكومة، مؤكدين على أنّ "تحصين الوضع الحكومي لا يمكن ان يتم على حساب رئاسة الجمهورية"، بحسب ما قاله كل من قزي وحرب بعد اجتماع جمع أعضاء المحور الجديد في منزل سليمان. مع دعوة المجتمعين إلى حلّ الأزمة بانتخاب رئيس للجمهورية بدل الهروب إلى مخارج جانبية للأزمة الفعلية.

اقرأ أيضاً: الجيش اللبناني يتخبط في التجاذبات: عون يخوض معركة صهره

كبرت كرة الرفض هذه مع انضمام البطريرك الماروني، بشارة الراعي، إليها وتأكيد على أنّ "الحكومة تتولى ممارسة صلاحياتها الدستورية بصلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة، ولا مجال لممارستها إلا بالتوافق وبذهنية تصريف الأعمال لا بابتكار آليات تتنافى والدستور".
عندها، تحوّل رفض اقتراح سلام تعديل الآليات الدستورية إلى رفض مسيحي، باعتبار أنّ المشروع يمسّ موقع رئاسة الجمهورية ويهدف إلى إيجاد أرضية سياسية وشرعية وقانونية لتأمين الأرضية اللازمة لتعايش الدولة ومؤسساتها مع واقع الشغور في منصب الرئاسة. ما يعني بشكل أو بآخر إيجاد الحلول اللازمة وتسيير الشؤون الحكومية في لبنان كأنّ موقع رئاسة الجمهورية غير ضروري وغير هام.

ينتظر هذا الإجماع المسيحي موقف رئيس تكتل الإصلاح والتغيير، النائب ميشال عون، الذي لم يصدر عنه في الإعلام أي موقف بهذا الشأن بعد. في حين تنقل مصادر وزارية عن الرابية (مقرّ إقامة عون) عدم وجود أي مانع لدى رئيس التكتل من تفعيل العمل الوزاري وفق الاقتراحات التي يتم الاتفاق عليها. وتترافق هذه الأجواء مع تأكيد مقربين من عون لـ"العربي الجديد" على وجوب "الاتفاق مع رئيس الحكومة على وجود كتل أساسية في الحكومة لا يمكن أن تمرّ القرارات بدون موافقة الجميع عليها". والمقصود بهذا الكلام الإشارة إلى أنّ القرار الحكومي يصبح بحكم توافق ثلاث كتل رئيسية، تكتل عون (مسيحياً) وكتلة المستقبل (سنياً) والكتلة المشتركة بين حزب الله وبري (شيعياً). ليكون عون قد كرّس نفسه الممثل المسيحي الأوحد في السلطة، أي عن المجد في الطائفة المسيحية، ولو جاء ذلك على حساب الموقع المسيحي الأول في الجمهورية، كما يُساهم في إعادة الروح إلى طرح المثالثة.