مفاوضات سد النهضة: تمهيد لجولة إضافية "إذا لزم الأمر"

مفاوضات سد النهضة: تمهيد لجولة إضافية "إذا لزم الأمر"

11 فبراير 2020
تخشى مصر على حصتها من مياه النيل(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -


كشفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد" عن اتفاق بين القاهرة وواشنطن على عقد جولة تفاوض إضافية حول قضية سد النهضة الإثيوبي، هذا الشهر، إذا لم تكلل بالنجاح الجولة المرتقبة التي ستبدأ غداً الأربعاء بين مصر والسودان وإثيوبيا برعاية وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي، علماً أن وزيري الخارجية والري المصريين سامح شكري ومحمد عبد العاطي، توجّها إلى العاصمة الأميركية لحضور الاجتماعات.
وقالت المصادر إنه في سياق الطمأنات التي حصلت عليها مصر من الولايات المتحدة، فإن وزير الخزانة ستيفن منوتشين، عرض استعداده لاستضافة جولة جديدة في حال عدم التوصل إلى حلول لكل المشاكل العالقة التي ستُناقش في الجولة المقبلة، على أن يتم ذلك كله قبل نهاية الشهر الحالي. وسيُخصَّص الاجتماع الأخير في واشنطن المقرر نهاية الشهر لبندين أساسيين: الأول هو توقيع الاتفاق، الذي تفضل الولايات المتحدة أن يكون بواسطة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب. أما البند الثاني، فهو إعلان واشنطن تقديم دعم مالي وفني للدول الثلاث لرفع كفاءتها الفنية وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من مياه النيل، فضلاً عن إعلان رعايتها لبعض المشاريع الأخرى التي جرى التطرق إليها خلال المفاوضات الممتدة، ومنها زراعة حزام شجري للاستمطار، على أمل زيادة فيضان النيل الأزرق.

وذكرت المصادر أن اللقاء الودي السريع الذي جرى بين السيسي وأحمد على هامش حضورهما مؤتمر القمة الأفريقية الأخير، اقتصر على تبادل العبارات الودية، لكنه عكس بوضوح دقة الطمأنات الأميركية وميل إثيوبيا إلى الاستجابة لضغوط واشنطن السياسية، وإعلان التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية الشهر.
وشددت المصادر على ما سبق أن ذكرته لـ"العربي الجديد" منذ شهر بعد تأزم المفاوضات بين مصر وإثيوبيا، وهو أن إعلان التوصل إلى اتفاق هو في الحقيقة أقصى ما تطمح إليه مصر في الوضع الحالي، بغضّ النظر عن تأثير هذا الاتفاق واقعياً في حصتها من مياه النيل، وكذلك إن إعلان التوصل إلى اتفاق هو أقصى ما يمكن إثيوبيا منحه لمصر والسودان في الفترة الحالية، بغضّ النظر عن المحتوى، وذلك كله قياساً بتوقيع السيسي على اتفاق المبادئ في مارس/ آذار 2015 الذي كلف مصر تبعات سياسية وقانونية وفنية سلبية كبيرة لا يمكن تداركها حالياً، ولا تتيح للمفاوض المصري الكثير من الخيارات.

وذكرت المصادر أن الأولوية في جولة التفاوض الجديدة ستكون لحسم ملف آليتي التنسيق وحل النزاع، الذي عطلت أديس أبابا الاتفاق بشأنه في جولة واشنطن الماضية، إذ ترى أن سلطتها على السد سيادية ومطلقة، فيما ترى مصر وتقترح الولايات المتحدة ويوافق السودان على أن تضم عدة مسارات، بتخصيص اجتماعين دوريين سنوياً بين وزراء الخارجية والمياه في كل من الدول الثلاث تقدّم فيهما أديس أبابا خطة الملء الخاصة بها، وتعرض فيهما مصر مخاوفها ومحاذيرها المختلفة. لكن إثيوبيا ترغب في إبعاد وزراء الخارجية عن النقاشات الفنية، وهناك مقترحات أخرى بأن تُشكَّل لجنة فنية خالصة من الدول الثلاث لمتابعة حالة النيل ومدى التزام كل طرف تعهداته. كذلك توجد خلافات أخرى حول اللجوء إلى دول أو مكاتب استشارية لفضّ النزاعات، إذ ترغب مصر في استمرار الاعتماد على البنك الدولي والولايات المتحدة في هذا المجال، بينما تعرض إثيوبيا إدخال طرف أفريقي، وهو ما لا ترحب به مصر. فضلاً عن صياغة البنود التي اتُّفق عليها مبدئياً حتى الآن، وهي: جدول يتضمن خطة ملء سد النهضة على مراحل، والآلية التي تتضمن الإجراءات ذات الصلة بالتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة في أثناء الملء، والآلية التي تتضمن الإجراءات الخاصة بالتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة في أثناء التشغيل، علماً بأن هذا الاتفاق لا يزال رهن التوقيع النهائي على الاتفاق الشامل.

في غضون ذلك، قال مصدر لـ"العربي الجديد"، إن القاهرة تسعى إلى اتفاق يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث، ويضمن حقوق كافة الأطراف، مشدداً على أن مصر أكدت حسن نواياها في أكثر من جولة، وآخرها الجولة الماضية في واشنطن، والتوقيع على اتفاق الخطوط العريضة. وكشف أن أي اتفاق بشأن السد سواء كان نهائياً أو تمهيدياً، سيكون من شأنه تدويل القرار الخاص بنهر النيل، بين دول الحوض جميعاً، بعدما ظلت مصر، وفق الاتفاقيات التاريخية، هي المتحكّم الأساسي في مياه النهر، عبر أكبر حصة مائية تحصل عليها إحدى دول الحوض والمقدرة بـ55 مليار متر مكعب.
وقال المصدر إن أديس أبابا استطاعت حتى الآن تحقيق انتصار مهم بالنسبة لها، حتى قبل توقيع أي اتفاقات، يتمثّل بدفعها القاهرة للقبول بالتنازل عن سيادتها المطلقة في القرار الخاص بنهر النيل، حتى باتت إثيوبيا متحكماً أساسياً، باعتبارها دولة المنبع الرئيسية، مشيراً إلى أن "أديس أبابا متمسكة بصياغة واضحة لحق الشعب الإثيوبي في الاستفادة من مياه النيل وحقه في تقرير الاستخدامات".

وقبل أيام، قال مصدر إثيوبي تابع لجبهة تحرير تغراي، أحد مكونات التحالف الحاكم الحالي والتي تجمعها علاقة متوترة سياسياً برئيس الوزراء أبي أحمد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن الأجواء في أديس أبابا تشير إلى قرب توقيع اتفاق ثلاثي بشأن سد النهضة بالفعل، وإن المسؤولين الرسميين يمهدون إعلامياً منذ 3 أيام فقط لفكرة ضرورة عقد هذا الاتفاق، كرد فعل على مقالات صحافية وشائعات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها كان متطرفاً في الهجوم على أبي أحمد، بحجة أن توقيع الاتفاق يفرّط في السيادة الإثيوبية على السد، وبعضها الآخر زعم أن أحمد سيستمر في خداع مصر وواشنطن بالمماطلة في المفاوضات.

وقبل حصول مصر على طمأنات أميركية أخيراً، كانت إثيوبيا تحاول إثارة المزيد من المشاكل، إذ أرسلت بداية الشهر خطاباً، يبدو روتينياً، اعتاد كل طرف إرساله إلى باقي الأطراف المعنية منذ انطلاق المفاوضات، لمراجعة نقاط الاتفاق والاختلاف وأهم مخرجات الاجتماع الأخير الذي عقد على مدار 4 أيام في واشنطن الشهر الماضي، لكنها ضمّنته عبارة غامضة تزعم أن "المفاوضات المقبلة ستكون مخصصة فقط لمناقشة ملء السد وتشغيله، لوضع قواعد استرشادية"، ما جعل القاهرة تتخوف من نسفها للمسار التفاوضي بشكل كامل.
وكانت أزمة قد اندلعت بعد جولة التفاوض الفني الرابعة في أديس أبابا، الشهر الماضي، عندما رفضت إثيوبيا المقترح المصري الذي يتمسك بتدفق 40 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق سنوياً، وهو متوسط إيراد النهر في أثناء فترات الجفاف والجفاف الممتد، استدلالاً بما حدث في الفترة بين عامي 1979 و1987.

وزعمت إثيوبيا أن المقترح المصري يتطلب ملء سد النهضة في فترة بين 12 و21 عاماً، وكانت قبلها تقول إنها تتوقع التوصل إلى اتفاق بالنظر إلى حالة فيضان النيل في السنوات الحالية، مع تأكيد تمسكها بأن الحفاظ على منسوب المياه في بحيرة ناصر عند 165 أو 170 متراً قد يؤدي إلى حرمانها إمكانية الملء لشهور عديدة متتابعة، نظراً لتدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي ترى أن المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب.

وردت مصر بالمطالبة بالرجوع إلى الأطر السياسية والدولية الحاكمة للقضية، قبل اتفاق المبادئ، الموقّع بين الدول الثلاث عام 2015، وعلى رأسها اتفاقية أديس أبابا 1902 التي تمنع الإثيوبيين من بناء أي أعمال إنشائية أو سدود على النيل الأزرق وغيره من روافد النيل إلا بإذن من الحكومة السودانية والحكومة البريطانية إبان احتلالها لمصر، ولوّح الجانب المصري بالمطالبة باللجوء إلى مجلس الأمن واتباع إجراءات قانونية ذات طبيعة دولية لوقف أعمال السد التي تجري من دون إذن المصريين والسودانيين.