- الهجوم يبدو مقصوداً ضمن استراتيجية لإعاقة جهود الإغاثة وتجويع السكان، مع استهداف متعمد لقوافل المساعدات ومقار الأونروا والمستشفيات، لفرض شروط إسرائيلية على إدارة القطاع.
- الاستهداف لقى إدانات دولية ودعوات لتحقيق فوري، مع تأكيد على أهمية استمرار المساعدات الإنسانية والحاجة الماسة لحل سياسي يضمن الأمن والعدالة لجميع الأطراف، مشددين على تحديات الأزمة الإنسانية.
شكّلت الضربة الإسرائيلية التي استهدفت فريق منظمة "المطبخ العالمي المركزي" في قطاع غزة واحدة من سلسلة هجمات مميتة شنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على منظمات أو جهات تعمل، على وجه الخصوص، في إغاثة سكان القطاع بالمأوى والغذاء.
وتعزز مؤشرات ووقائع عدة من كون الاستهداف عملية متعمّدة، هدفت إلى قتل الفريق الإغاثي الدولي، ضمن المحاولات الإسرائيلية لمنع عودة الحياة لمجراها، ولو بالحد الأدنى، بين مدنيي غزة.
وأسفرت الضربة عن استشهاد 7 أفراد من فريق المنظمة كانوا على متن مركبة استُهدفت بصاروخ أحدث ثقباً كبيراً في سطحها الذي ظهر عليه شعار كبير للمنظمة، إلى جانب الشعارات المماثلة على زجاج وجوانب المركبة ذاتها.
وقالت المنظمة إن فريقها تعرّض للقصف على الرغم من تنسيق تحركاته مع الجيش الإسرائيلي، بينما كان يغادر مدينة دير البلح وسط غزة في سيارتين مصفحتين بعد تفريغ مساعدات غذائية إنسانية. وقالت إيرين جور، الرئيسة التنفيذية للمنظمة، إن موظفي المجموعة قُتلوا في "هجوم مستهدف" من قبل الجيش الإسرائيلي.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه يحقق في الحادثة، مضيفاً: "لقد قمنا بمراجعة الحادث على أعلى المستويات لفهم ملابسات ما حدث وكيف حدث"، في إشارة مبطنة لكون الهجوم غير متعمد، ووقع بالخطأ أو صدفةً.
في مقابل هذا، تدلل مؤشرات عدة على أن جيش الاحتلال حدد الهدف بدقة وتعمّد الاستهداف لتحقيق أهداف تصنّفها إسرائيل تحت عنوان "اليوم التالي للحرب"، بمعنى آخر، منع حركة حماس من العودة لإدارة القطاع بشتى السبل.
وتحاول إسرائيل بعد فشل 7 أشهر من حرب الإبادة في تبديد قدرات حماس كلياً، الإمساك بعصا التجويع لفرض الجهة التي تريدها لإدارة شؤون السكان من جهة، وإحداث انقلاب على سلطة حماس من جهة أخرى. لكنها في الواقع حتى اليوم لم تحدد جهة بعينها لإدارة القطاع، إنما تعمل على استهداف كل ما يمكن أن يعيد تنظيم حياة مدنيي غزة.
وقال المحلل الفلسطيني المختص بالشأن الإسرائيلي عصمت منصور لـ"العربي الجديد"، إنه عدا عن حصول حوادث مشابهة ومتكررة نفذها جيش الاحتلال، وتدلل على تعمد الاستهداف، فإن سيارة الفريق الإغاثي الدولي "ليست سيارة مجهولة، ولا إحداثيات تنقّلها مجهولة، وفريقها معروف ويوزع مئات الآلاف من الوجبات. الاستهداف مثير للشك، ويتعلق بإحباط محاولة تنظيم حياة المدنيين".
وعمدت إسرائيل، منذ بدء الحرب، إلى استهداف قوافل المساعدات الإنسانية ومقار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وصولاً إلى محاولة تشويهها والتصريح علناً بالسعي للقضاء على دورها، ذلك أن الوكالة عملت على مدار حروب غزة من 2008 حتى 2024، على إيواء المدنيين وتجنيبهم ويلات القصف، وبالتالي منع الانهيار الكلي لنظام العيش في القطاع.
واليوم تسعى إسرائيل جاهدة عبر القوة النارية والقصف الجوي الوحشي، لاستهداف جميع محاولات إعادة الحياة للقطاع، من خلال قصف تجمعات النازحين منتظري المساعدات، وملاحقة مسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني، واغتيال فرق الشرطة المدنية التابعة لحماس من رفح جنوباً حتى شمال القطاع، وتجديد عملية تدمير المستشفيات، وآخرها مستشفى الشفاء الذي أُحرق بالكامل لتبديد آمال إحيائه مجدداً.
ولا يفصل خبراء بين هذه الهجمات على القطاعات الإنسانية البحتة، والضربة على فريق "المطبخ العالمي".
وقال منصور: "هذه الجريمة مقصودة وليست صدفة. استخدام إسرائيل سلاح الجوع والتجويع هو شيء ممنهج". وأضاف: "كلما ظهرت جهة تحاول تنظيم المساعدات وتوزيع الغذاء ومنع المجاعة تأتي إسرائيل وتخرّب هذه الجهود، سواء بالاغتيال أو القصف أو الاعتقال (...) الهجوم على مستشفى الشفاء جاء لكونه البؤرة التي تحاول تنظيم حياة المدنيين في الشمال".
هل يؤثر الهجوم في الممر البحري؟
ومضى الخبير الفلسطيني قائلاً: "القصف الذي تعرّضت له مقار "أونروا" كان بسبب دورها الإنساني. إسرائيل لا تريد لأي جهة أن تحل أزمة المجاعة في غزة". ورأى أن الضربة الأخيرة على فريق "المطبخ العالمي" ستشكل -إضافة إلى الاستهدافات الأخرى- تحدياً أمام المجتمع الدولي.
ودعا الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس إلى إجراء تحقيق فوري، قائلاً إن جمعية "ورلد سنترال كيتشن" الخيرية التي كان القتلى من موظفيها "شريك أساسي" في مبادرة توصيل المساعدات إلى القطاع عن طريق البحر.
وقالت المؤسسة الخيرية إنها ستوقف عملياتها مؤقتاً في المنطقة على الفور. وتنشط منظمة ورلد سنترال كيتشن في غزة منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول، إذ تعمل على إدخال المواد الغذائية عن طريق البر وتشارك أيضاً في عمليات الإنزال الجوي. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أطلقت أول ممر بحري لنقل المساعدات إلى القطاع من قبرص. وغادرت قافلة ثانية من السفن، تحمل ما يزيد قليلاً عن 300 طن من المساعدات من قبرص في نهاية الأسبوع الماضي، وفقاً لوكالة "رويترز".
وقال خريستودوليدس، في إشارة إلى الممر البحري: "مبادرة أمالثيا ستستمر ما دامت الاحتياجات الإنسانية موجودة".
وقالت قبرص، الثلاثاء، إن السفن تعود أدراجها من غزة حاملة نحو 240 طناً من المساعدات التي لم تسلم إلى القطاع المحاصر.
وقال أستاذ العلوم السياسية والباحث في الشأن الإسرائيلي، سهيل ذياب، لـ"العربي الجديد"، إن الاستهداف مقصود ومدروس لأسباب عدة، من بينها أن إسرائيل غير مرتاحة للجهد الدولي المتصاعد لإغاثة الشعب الجائع في غزة "والذي أجهض أهدافها العسكرية".
ومن جهة ثانية، يرى الباحث ذياب أن إسرائيل هدفت من وراء الهجوم إلى إخافة باقي الفرق الإغاثية، وخاصة الأجنبية منها، من الاندماج بهذا النشاط، "الذي هو شاهد على الإبادة، إضافة إلى دوره في تقديم المعونة". ورأى أن "هذه الإخافة" من الممكن أن تؤثر، معتبراً أن وقف المنظمة نشاطها في غزة دليل على ذلك.
هل استهدفت إسرائيل منظمة طرحتها بديلاً لوكالة أونروا؟
بينما تخوض حكومة الاحتلال الإسرائيلي حرباً على وكالة أونروا، بهدف القضاء عليها، فإنها تكرر على الدوام القول إنها تبحث عن بدائل لتسيير الوضع الإنساني في القطاع، وهو ادعاء يلقى تشكيكاً متكرراً من جهات تقول إن هدف الاحتلال هو تدمير "أونروا" كجهة إغاثية فحسب.
ونقلت صحيفة "ذا غارديان"، عن مصادر مطلعة، أن رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، هرتسي هليفي، قدّم، الأسبوع الماضي، اقتراحاً إلى مسؤولي الأمم المتحدة في إسرائيل يقضي بنقل ما بين 300 و400 موظف من "أونروا" إلى وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة، مثل برنامج الغذاء العالمي، أو إلى وكالات يجري إنشاؤها خصيصاً لنقل المساعدات إلى قطاع غزة.
ويدعو المقترح إلى نقل مزيد من موظفي الوكالة وأصولها في مراحل لاحقة، دون الكشف عن الجهة الجديدة التي ستحل محل "أونروا".
وقال الناطق باسم جيش الاحتلال، دانيال هغاري، في تعليقه على استهداف فريق "المطبخ العالمي" إن جيشه "يعمل بشكل وثيق مع المطبخ المركزي العالمي لمساعدتهم في إنجاز مهمتهم في غزة".
ولاقى الاستهداف إدانة دولية وعربية، فيما دعت دول غربية للتحقيق في الحادثة. وقال ذياب إن "العدوان سيشكل نقطة فارقة لجلب مزيد من العزلة الدولية لإسرائيل، وسيؤدي إلى انهيار سرديتها بكل أنحاء العالم. هذه الحرب ستكون نقطة فارقة في هذا الصراع".