يحيا الحزب، تسقط الدولة (2)

يحيا الحزب، تسقط الدولة (2)

08 ديسمبر 2019
الشعب يراقب وقادر على المحاسبة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
أعود مرة أخرى إلى العنوان نفسه الذي كتبته منذ سنوات، لأن ليس أفضل منه تعبيراً عما تمر به تونس هذه الأيام من سقوط بكل المعاني سببه استبسال السياسيين في تدمير ما بقي من صورتهم أمام التونسيين وتمترسهم خلف أحزابهم وشعاراتهم، كأولوية مطلقة على حساب الجميع. ويتابع التونسيون فوضى أو مهزلة البرلمان الجديد ولم تمضِ على وجوده سوى أيام، خصومة أطفال بين نائبة من "النهضة" ورئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر، تبادلا خلالها نعوتاً لا تليق بالطرفين، ولكنها تحوّلت إلى معركة سياسية فُرضت على التونسيين متابعة حلقاتها المقرفة، ولكن الأهم أنها تتسبّب في تعطيل مناقشة موازنة العام المقبل، قوت الناس المحدود أصلاً. وهي ليست معركة حقيقية ولا قضية مبدأ كما يصورونها وإنما هي استراتيجية نكاية متبادلة، هدفها الحقيقي ضرب مؤسسات الدولة وتعطيل مصالح الناس، لأن "الدستوري الحر" ومَن وراءه لم يهضموا صعود "النهضة" لرئاسة البرلمان. ولئن كان هذا من حقهم ويستوجب العمل لتغييره ديمقراطياً وعبر صناديق الاقتراع ومن خلال إثبات أنهم أجدر خلال السنوات المقبلة، فإن العكس هو الذي يحصل، ظناً من البعض أنها معركة في سوق يمكن أن تقلب الأوضاع في لحظات.

ولا يختلف سير المشاورات الحكومية عما يحدث في البرلمان، إذ إن الأحزاب، كلها، تتمترس حول مصالحها أولاً، وتتناسى أن أناساً انتخبوهم ليصلحوا أوضاعهم ويحسّنوا حياتهم، ولكن لا حياة لمن تنادي، من المستقيل الذي ينأى بنفسه عن شوائب العمل الحكومي، إلى الذي يرى أنها غنيمة تُقسم بين أفراد الحزب أولاً، بما أنه القبيلة التي لا ولاء إلا لها، وكل هذا خلف شعارات المصلحة الوطنية التي لا مصلحة فيها ولا وطنية على الإطلاق.

ويهمل هؤلاء أن الشعب متعب ومتألم، ولكنه ذكي ويعرف ويراقب ويفهم، ويتناسى هؤلاء بسرعة شديدة وبذاكرة مهترئة أن الانتخابات الأخيرة بيّنت أنه قادر على الإقصاء والمحاسبة والمعاقبة، ومحا في لحظات أحزاباً موجودة منذ عقود، ومنح المنتخَبين الجدد فرصة جديدة يضيعونها مع الأسف. كنّا نخال أنهم فهموا الدرس واستوعبوه بعدما صموا آذاننا على امتداد أيام يقرأون نتائج الانتخابات ويحللونها ويتحدثون عن رسائل الشعب وخلاصات الانتخابات ودروسها المستفادة، ولكن بمجرد أن وُضعت الكعكة تناسوا كل حديثهم وعادوا إلى عاداتهم، لأن أحزابهم أهم من الوطن.

المساهمون