6 دول تتدخل بليبيا: ما عليك معرفته عن أهدافها

6 دول تتدخل في ليبيا: ما عليك معرفته عن أهدافها

17 ديسمبر 2019
تعمق الخلافات مع اندلاع معركة طرابلس (إتيان لوران/فرانس برس)
+ الخط -
على أسوار العاصمة طرابلس الجنوبية، بدا المشهد الليبي أكثر وضوحا، لجهة تنفّذ وتدخل عدة دول في الملف، ليس على الصعيد السياسي فقط، بل على أرض الميدان.

فرنسا: انحياز مبكر لحفتر

بادرت فرنسا إلى قصف رتل معمر القذافي الذاهب إلى تدمير بنغازي في مارس/آذار 2011، قبل وصول طائرات الحلف الدولي إلى سماء ليبيا تطبيقا لقرار 1973 الأممي بشأن حماية المدنيين، ومن حينه لا تزال باريس تلعب دوراً فاعلاً وقريباً من كل مستجدات الوضع في البلاد، على الرغم من اشتراكها مع حلفائها الأوروبيين في التحذير المستمر من تحول ليبيا إلى ساحة حاضنة للإرهاب جراء الصراعات المسلحة والانفلات الأمني، وضرورة إحلال الاستقرار فيها.

وفي يوليو/تموز 2016، اعترفت الرئاسة الفرنسية بمقتل ثلاثة من جنودها بالقرب من بنغازي. ويسجل على فرنسا انحيازها المبكر لدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ الأيام الأولى لتكوين قواته شرقي البلاد.

وقبيل إعلان حفتر هجومه على العاصمة طرابلس، كشفت عدة تقارير عن وصول دعم لوجستي فرنسي إلى قواته، وتحديدا إلى غريان، تزامنا مع إعلان السلطات التونسية، منتصف إبريل/نيسان الماضي، عن ضبط أسلحة وذخائر برفقة ضباط فرنسيين في معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا أثناء عودتهم منها.

وبعد تمكن قوات حكومة الوفاق من استعادة السيطرة على غريان، نهاية يونيو/حزيران الماضي، اعترفت الرئاسة الفرنسية بمسؤوليتها عن نقل صواريخ جافلين إلى غريان، فيما قالت حكومة الوفاق إن فرنسا قدمتها دعما لمعركة حفتر على العاصمة طرابلس.

وقبيل وصوله قواته إلى جنوب طرابلس، أكدت عدة تقارير إعلامية وجود دعم فرنسي جوي لعملية حفتر للسيطرة على الجنوب الليبي، فإقليم فزان تعتبره السياسة الفرنسية عمقا لوجودها الأفريقي، لأن الإقليم غني بالثروات النفطية والغاز، والذي يتوفر على عشرات المواقع التي تعمل فيها شركة توتال الفرنسية منذ ستينيات القرن الماضي.

ولم يتوقف التدخل الفرنسي في ليبيا عند حدود دعم حفتر عسكريا للسيطرة على البلاد، فقد حاولت تمكينه سياسيا ضمن حلول اقترحتها خلال قمة باريس، في مايو/أيار 2018، حيث أكد مراقبون وقتها أن فرنسا كانت أولى الدول التي أبرزت حفتر طرفا أساسيا في معادلة الأزمة الليبية.

إيطاليا: هواجس الهجرة وخلاف مع فرنسا

على الضفة الأخرى كانت إيطاليا، الخصم التقليدي لفرنسا، تدعم حكومة الوفاق وخيارات الحل السياسي، لكنها في الوقت ذاته كانت تحاول الاقتراب من حفتر، لا سيما بعد سيطرته على منطقة الهلال النفطي الأهم في ليبيا، واستضيف كطرف سياسي بارز في الأزمة الليبية في قمة باليرمو، خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لكن ميلها لدعم الحكومة في غرب البلاد سياسيا لم يتوقف.

وطالما شكل ملف الهجرة غير الشرعية نقطة الاهتمام الإيطالي بليبيا الرئيسية، ليمتد تدخلها باتجاه الجنوب، حيث الحدود المفتوحة على مصراعيها أمام المهاجرين غير القانونيين. 

ومنذ منتصف 2018، تزايدت الأخبار عن رغبة روما في بناء قاعدة عسكرية في غات، قريبا من قاعدة ماداما الفرنسية شمالي النيجر.

وبانحسار ساحة الصراع الدولي جنوبي طرابلس، باتت المواقف الإيطالية في تراجع ملحوظ، لكنها عادت للنشاط مجددا، لتنتج تقاربا مع فرنسا خلال المشاورات الأوروبية الجارية في برلين من أجل صياغة رؤية دولية مشتركة بشأن الحل، مدفوعة بانزعاج أوروبي وقلق من التوغل الروسي في صفوف قوات حفتر، التي تسعى إلى اقتحام طرابلس، من ناحية، ومتأثرة بشكل مباشر من الاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية في المتوسط.

روسيا: تحرك بدوافع الاقتصاد

لم يعرف عنها كثير اهتمام بليبيا يخرج عن حد دعمها لعودة تيار يتزعمه رموز النظام السابق للمشهد السياسي، لا سيما نجل معمر القذافي سيف الإسلام، لكنها في الوقت ذاته استقبلت حفتر العديد من المرات، وفي بعض الأحيان بشكل رسمي على مستوى وزاري، رغم سياستها المعلنة تجاه ليبيا التي تشدد فيها على دعم الحل السياسي ورفض الخيار العسكري.

ولم تخف موسكو استعدادها لدعم حفتر عسكريا، إذ استضافته بشكل معلن على ظهر حاملة الطائرات أدميرال كوزنيتسوف مطلع 2017.

وفيما يؤكد مراقبون أن روسيا لا تطمح إلى أكثر من مصالح اقتصادية في ليبيا، وأن وجود مقاتلي شركة فاغنر الروسية إلى جانب حفتر، لا يعدو كونه محاولة للضغط على الأوروبيين للاعتراف بحصتها الاقتصادية في البلد، إلا أنها بدأت في الآونة الأخيرة، بعد الحلف القوي بين طرابلس وأنقره، في مراجعة مواقفها التي لم تتضح بعد.

مصر: نيابة عن محور الثورات المضادة

كثيرا ما تحدثت تقارير إعلامية عن رغبة التحالف المعارض لثورات الربيع العربي في اجترار شخصية عبد الفتاح السيسي، العسكري المصري الذي اعتلى سدة الحكم في مصر بانقلاب على الشرعية، في ليبيا من خلال حفتر، ويبدو واضحا الدعم السياسي لمصر في عهد السيسي لحفتر، خصوصا في حربه في بنغازي، والأكثر ظهورا خلال اقتحامه لمدينة درنة، الذي رافقه قصف جوي نفذته طائرات مصرية بأوامر مباشرة من السيسي، بدعوى استهداف خلايا إرهابية تخطط لعمليات داخل الأراضي المصرية.

وعلى الرغم منذ ذلك، فقد حاولت القاهرة الاقتراب من حكومة الوفاق، من خلال رعاية ستة لقاءات لضباط وعسكريين من الطرفين، الحكومة وحفتر، لتوحيد المؤسسة العسكرية، وبعدها لقاءات أخرى من أجل توحيد مجلس النواب المنقسم على نفسه.

وفي ظل تقارير متزايدة تتحدث عن دور عسكري داعم لحفتر في عمليته الأخيرة على طرابلس، لم يخف السيسي رغبة بلاده في الاستفادة من الثروات الليبية، فقد دعا، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى حل للأزمة الليبية على أساس "تقاسم الثروات بشكل عادل"، لكن تلك التصريحات بدت أكثر حدة مؤخرا.

فبعد موجة غضب مصرية عارمة إزاء الاتفاق البحري الموقع بين أنقره وطرابلس، صعد السيسي من لهجة خطابه إلى التهديد بالتدخل المباشر في ليبيا، بعد انتقال الحديث إلى البدء في تطبيق الاتفاق الأمني الليبي التركي.

الإمارات: تدخل مستمر في الشأن الليبي

لم تأل أبوظبي جهداً في دعم أي حراك من شأنه تقويض آثار الربيع العربي، ومثل لها حفتر منذ بداية بروزه في بنغازي، عاملا مهما لإنجاح استراتيجياتها.

فعلاوة على الدعم السياسي الذي يحظى به حفتر من خلال لوبيات الضغط الإماراتية في عواصم الثقل الدولي، لا سيما في واشنطن، والتي نجحت في إحدى المرات بإقناع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بالاتصال مباشرة بحفتر، إلا أنها سعت إلى تقوية جناحه العسكري بكل الإمكانيات، وأبرزها بناء قواعد عسكرية في ليبيا، من بينها قاعدة الخادم والخروبة، وآخرها الوجود العسكري الكبير في قاعدة الجفرة، الذي أثبته تقرير خبراء الأمم المتحدة الأسبوع الماضي.

وفي مختلف الصعد، تتدخل الإمارات في الشأن الليبي، إذ في مجال النفط، مثلا، دعمت إقامة مؤسسة نفط موازية في بنغازي، بل واشترت شحنات نفط بطرق غير شرعية.

أما على الصعيد السياسي، فقد كانت حاضرة في أغلب اللقاءات الدولية بشأن ليبيا، في باريس وباليرمو، بل نظمت لقاءات خاصة بين حفتر ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، في فبراير/ شباط الماضي، لم يعلن عن نتائجها حتى الآن.

ورغم مساعي التوفيق بين طرفي المعادلة في ليبيا، إلا أن الإمارات لم تتوقف عن دعم السفير الليبي السابق لديها، العارف النايض، كمرشح قوي لتولي حكومة وحدة وطنية تحل محل حكومة الوفاق.

تركيا: لاعب جديد أربك تدخله الجميع

وتكمن أهمية الوجود التركي في ليبيا في مواقفها الرافضة لمساعي الحلف الإماراتي المصري إلى تقويض آثار موجة الربيع العربي، فالساحة الليبية تعتبر من أهم الساحات التي يسعى فيها هذا المحور، الذي يضم أيضا السعودية، وبشكل أقل الأردن، لتحقيق أهدافه، فالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عارض، منذ إطلاق حفتر هجومه على طرابلس، الحل العسكري، مؤكدا أن بلاده ستسخر كل إمكاناتها لمنع حفتر، الذي اعتبر حربه على العاصمة "مؤامرة على ليبيا".

وبدأت مؤشرات التدخل التركي في ليبيا تزداد وضوحا بتوقيع اتفاقين مع حكومة الوفاق أمني وبحري، نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. 

وأبرز الاتفاق الثاني حقيقة الصراعات الإقليمية المرتبطة بليبيا، وتحديدا بشأن ترسيم الحدود البحرية، وكشف شكلا صارخا من اختراق عدة دول متوسطية للمياه الإقليمية الليبية.

ويبدو أن الاتفاق في شقه البحري استلزم حماية وتحصينا من كلا الطرفين، تمثل في عقد تحالف أمني، تتوجس أطراف عربية كمصر، وأوروبية كفرنسا، من أن يشرعن التدخل العسكري التركي بشكل معلن، يمنح أنقرة مساحة للمناورة أكثر بزيادة نشاطها وتحركها في فضاء أفريقي استراتيجي كليبيا.

وأبدت تصريحات أردوغان أخيرًا رغبة شديدة في إرسال جنود أتراك إلى ليبيا، في وقت تحدثت فيه صحف تركية بارزة عن رغبة أنقرة في بناء قاعدة عسكرية في طرابلس، لكن تركيا لا تزال تربط ذلك بطلب من حكومة الوفاق، فآخر تصريحات أردوغان الصحافية قال فيها "إذا أرادت ليبيا ذلك، فإن تركيا ستتخذ قرارا بشكل مستقل، ونحن لن نطلب إذنا من أحد بهذا الشأن، وتركيا مستعدة لتقدم أي دعم لليبيا".​