المغرب: غضب داخل "العدالة والتنمية" بعد التحالف مع "بام"

المغرب: غضب داخل "العدالة والتنمية" بعد التحالف مع "بام" في جهة الشمال

30 أكتوبر 2019
تحالف "العدالة" مع "الأصالة" يحمل رسالتين سياسيتين(فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
مثلما كان صعوده موجهاً ضد حزب العدالة والتنمية، فإن نزول الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة (بام) إلياس العماري، عن آخر مناصبه السياسية، أي رئاسة جهة طنجة ـ الحسيمة ـ تطوان، لم يخلُ من ارتدادات داخل الحزب الذي يقود الحكومة المغربية حالياً. النتيجة التي أسفرت عنها جلسة انتخاب رئيس جديد لمجلس الجهة، والتي جرت أول من أمس الاثنين، كان لها مفعول التفجير داخل "العدالة والتنمية"، بسبب دخول منتخبي الحزب في هذه الجهة في تحالف مع غريمهم السياسي الأول، حزب الأصالة والمعاصرة، وحصولهم على عضوية مكتب الجهة، الذي أصبحت ترأسه مرشحة الـ"بام" فاطمة الحساني، التي نالت الإجماع بعد انسحاب منافسها الوحيد، مرشح حزب العدالة والتنمية سعيد خيرون. وبمجرّد إعلان نتيجة التصويت، صدرت ردود فعل غاضبة من داخل "العدالة والتنمية"، سواء على مستوى القيادة وبعض أعضاء الأمانة العامة، أو من صفوف قواعد الحزب وشبابه. واتهمت هذه الأصوات القيادة وممثليها في الجهة، الواقعة في أقصى شمال البلاد، بمخالفة التوجهات السياسية للحزب، والانقلاب على الخيارات القائمة على مناقضة التوجه السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة.

وأوضح مصدر خاص من داخل مجلس الجهة، لـ"العربي الجديد"، أن إقدام حزب العدالة والتنمية على الدخول في تحالف يقوده حزب الأصالة والمعاصرة، يحمل رسالتين سياسيتين: "الأولى هي التعبير عن تمتع الحزب بقدر من البراغماتية والمرونة، وثانيتهما توجيه رسالة صريحة ضد ما يجري التخطيط له، من احتمال فرض هيمنة حزب التجمع الوطني للأحرار على المشهد السياسي بعد انتخابات 2021". وسارعت الأمانة العامة إلى محاولة احتواء غضب قواعد وقيادات الحزب، حيث ناقشته في اجتماعها الأسبوعي مساء الاثنين. وفي الوقت الذي جرت العادة أن يصدر البيان الخاص بأعمال الاجتماع في اليوم التالي بعد مراجعته وتنقيحه، فقد حرص نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سليمان العمراني، على تسجيل تصريح عبر الفيديو، ونشره بعد منتصف ليلة الاثنين. وقال العمراني إن الأمر يتعلّق بتحالف "تنموي" وليس سياسياً، مشدداً على أن قرار الالتحاق بمكتب الجهة "كان مؤسساتياً وسليماً، وننشد منه الدفع بعجلة التنمية في هذه الجهة".

وقبل التصريح بساعات، كانت وجوه قيادية في الحزب تعلن غضبها الشديد من دخول "العدالة والتنمية" في تحالف مع "الأصالة والمعاصرة" الذي حافظ على رئاسة جهة الشمال. وقال الرئيس السابق لجمعية محامي "العدالة والتنمية" وعضو الأمانة العامة عبد الصمد الإدريسي، في تغريدة: "في منطق السياسة، تغيير الموقف 180 درجة يقتضي نقاشاً سياسياً يجيب عن سؤال، ما الذي تغير؟ البام الذي أفسد العملية السياسية منذ 2007 هو نفسه لم يتغير؟ فإذا كان اليوم يعيش أزمة انفجار من الداخل، فلا معنى لإعطائه ترياق الحياة". من جانبه، قال النائب والقيادي على المستوى الجهوي بالحزب محمد خيي إن صفة نائب الكاتب الجهوي لحزب العدالة والتنمية، جهة طنجة ـ الحسيمة ـ تطوان، لم تشفع له الاطلاع مسبقاً على قرار التحالف مع الـ"بام"، مضيفاً: "فقد عرفت بالأمر من خلال المواقع الإلكترونية كباقي الناس". وبعد إقراره بأنه اعتذر عن حضور آخر اجتماع للكتابة الجهوية، في 20 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بسبب وعكة صحية، عاد خيي ليوضح أنه تابع أهم نتائج الاجتماع، و"خصوصاً إصدار بلاغ للرأي العام يدين التحكم في الأغلبية، ويستهجن إعادة سيناريو 2015، وبعده تم إعلان ترشيح الأخ سعيد خيرون لمنصب رئيس الجهة، ما يعني أنه لا جديد في الأفق". بل إنه ذهب إلى الطعن في شرعية قرار الدخول في تحالف يقوده حزب الأصالة والمعاصرة قانونياً، "لأنه لم يتم اتخاذه، حسب علمي، من طرف أي مؤسسة حزبية". كما طعن في شرعيته السياسية، لكون "التحالف مع البام في جهة طنجة تطوان الحسيمة يجب أن تسبقه التوضيحات الضرورية لشرح هذا التحول في التقدير السياسي وتبرير الانتقال من ضفة إلى أخرى تفادياً لسوء الفهم".

البيان الذي يشير إليه النائب عن مدينة طنجة أعطى للرأي العام وقادة وأعضاء الحزب انطباعاً باتخاذ موقف المواجهة ضد الغريم السياسي، حزب الأصالة والمعاصرة، وتأكيد التناقض بينهما، عبر مواجهته في معركة انتخاب رئيس جديد للجهة خلفاً للأمين العام السابق لحزب "البام" إلياس العماري، وإن كانت النتيجة محسومة بسبب حيازة هذا الأخير للأغلبية داخل مكتب الجهة. ووصفت الكتابة الجهوية (القيادة السياسية والتنظيمية على مستوى الجهة) اجتماعها، في 20 أكتوبر بالاستثنائي، معتبرة أن غموضاً كبيراً يلف ما يحدث في مجلس الجهة، وعبّرت عن "استهجانها لما يروج من محاولات التحكم في تشكيل التحالفات والأغلبية والأجهزة المسيرة الجديدة على مستوى جهتنا". واعتبرت، في بيان، أن "الاستمرار في منطق خلق أغلبيات هجينة هو تكرار لسيناريو 2015 نفسه مع ما ترتب عنه من هدر للتنمية"، في إشارة لما يقول الحزب إنها ضغوط مورست بعد انتخابات 2015 المحلية والجهوية، لمنعه من الحصول على الرئاسة في الجهات الـ12 الموجودة بالمغرب، خصوصاً جهة طنجة تطوان الحسيمة.

قيادة "الأصالة والمعاصرة"، التي اجتمعت ليلة الاثنين الماضي، حاولت تبرير التحوّل الذي عرفه موقع الحزب في مكتب جهة الشمال، بالقول إنه جاء استجابة لطلب تقدّم بعد حزب الأصالة والمعاصرة عبر مرشحته لرئاسة مجلس الجهة. وفي الوقت الذي لمّحت فيه بعض الأصوات الغاضبة إلى حدوث تراجع عن مواقف واختيارات الحزب، خصوصاً تلك التي اتخذت في عهد الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران، فقد حرص نائب الأمين العام سليمان العمراني على التذكير بأن القرار التنظيمي، الذي صدر عشية انتخابات 2015 المحلية والجهوية عن قيادة الحزب، "ينص على أنه تشرف على تدبير التحالفات وتعيين مرشحي الحزب للرئاسة أو لعضوية مكاتب مجالس الجهات أو المدن الكبرى لجان يعينها الأمين العام وتعمل تحت إشرافه". وأوضح العمراني أن "ممثلي الكتابة الجهوية نقلوا إلى الأمين العام مع اللجنة المعنية الحيثيات والخلاصات التي انتهى إليها اجتماع الكتابة الجهوية وفريق الحزب بهذه الجهة، والذي كان توجهه العام هو المشاركة في التسيير تفاعلاً بطريقة إيجابية مع الدعوة للدخول إلى الأغلبية، بعدما تقدم حزب العدالة والتنمية بترشيحه للرئاسة".

توضيح مماثل صدر عن سعيد خيرون، مرشح الحزب السابق لرئاسة الجهة، والذي أعلن سحب ترشيحه خلال جلسة التصويت، قبل أن يحصل على منصب النائب الأول للرئيسة الجديدة. وقال خيرون، في تغريدة، قبل اجتماع الأمانة العامة للحزب، إنه فوجئ بالتصريحات الصادرة عن قيادات حزبية، معرباً عن أسفه لعدم قيامها بالاتصال بالمعنيين بالأمر للتأكد من صحة المعلومات. وأوضح أن ما أقدم عليه ممثلو الحزب في الجهة كان بعلم القيادة وموافقتها، و"جميع الخطوات التي تم تبنيها كانت تحت إشراف ومتابعة من طرف الأمين العام إلى حدود لحظة التصويت"، في إشارة إلى الأمين العام ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني. تغريدة خيرون كانت قد جاءت رداً على تصريحات أدلى بها القيادي البارز وعضو الأمانة العامة عبد العزيز أفتاتي، الذي قال إن "موضوع التحالف مع حزب البؤس (عبارة يطلقها على حزب الأصالة والمعاصرة)، لم يناقش داخل الأمانة العامة للحزب". وأضاف أفتاتي، في تصريحات نقلها موقع "اليوم 24"، أن "من يملك تفاصيل الظروف والشروط على مستوى الجهة، هم الإخوة في الجهة". وشدد على أن قناعته تبقى راسخة حول ضرورة مواجهة "حزب البؤس" ودفعه إلى ما وصفه بمصيره الحتمي، "لأنه صنيعة الدولة العميقة، واستمراره مؤشر على السلطوية والفساد، ويعني استمرار محاولة الالتفاف على الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي".

المساهمون