المحكمة الاتحادية في العراق بمرمى الاتهامات... قرارات تغذي الانقسام

المحكمة الاتحادية العليا في العراق بمرمى الاتهامات... قرارات تغذي الانقسامات

31 مارس 2024
اتهم نائب رئيس المحكمة الاتحادية جاسم العميري بالضغط عليه (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- العراق يشهد جدلاً حول قرارات المحكمة الاتحادية العليا المتهمة بالانحياز للإطار التنسيقي ضد خصومه، بما في ذلك إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب وسحب السلطة المالية من حكومة إقليم كردستان.
- اتهامات للمحكمة الاتحادية بفقدان الاستقلالية والانحياز لأحزاب سياسية، مما أثار تساؤلات حول شرعيتها واستقلاليتها، خاصة بعد انسحاب أحد أعضائها احتجاجاً.
- المحكمة تدافع عن نفسها ضد الهجمة الإعلامية، بينما تهدد حكومة إقليم كردستان بمغادرة الحكومة الحالية، مما يضع مستقبل العملية السياسية في العراق تحت الشك.

لا يهدأ الخلاف بشأن قرارات المحكمة الاتحادية العليا في العراق التي اتخذتها خلال الأشهر القليلة الماضية، تجاه ملفات وقضايا وأزمات مختلفة، اعتُبرت أنها منحازة لطرف وهو التحالف الحاكم (الإطار التنسيقي)، ضد خصومه الآخرين، بينما تقول المحكمة إنها تتعرض لهجمة إعلامية مدفوعة من الداخل والخارج.

قرارات المحكمة الاتحادية العليا في العراق تعصف بالوضع السياسي

وخلال الأشهر الماضية، عصفت قرارات المحكمة الاتحادية بالوضع السياسي وغيّرت ملامحه كثيراً، وأدت إلى فورات في الأوساط السياسية، بدأت بقرار إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، بناءً على دعوى قضائية ضد الحلبوسي، فيما وصف الأخير هذا القرار بـ"الغريب".

عقب ذلك أصدرت المحكمة مجموعة قرارات غير مسبوقة، سحبت بموجبها سلطة التصرف في الشؤون المالية من حكومة إقليم كردستان العراق، وحوّلت مسؤولية توزيع مرتبات موظفي الإقليم، البالغ عددهم أكثر من مليون وربع المليون موظف، إلى حكومة بغداد بشكل مباشر.

أنهت المحكمة عضوية الحلبوسي في البرلمان، كما سحبت مسؤولية التصرف بالشؤون المالية من حكومة كردستان

كما أصدرت المحكمة أمراً بأن تتولى مفوضية الانتخابات العراقية تنظيم انتخابات برلمان الإقليم، وإلغاء مفوضية الانتخابات التي تعمل في الإقليم منذ عام 2006. وتسبّبت هذه القرارات بانقسام القوى الكردية، فبينما رفضها الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، الذي يقود حكومة الإقليم، دعمت الأحزاب الكردية الأخرى وبشكل خاص "الاتحاد الوطني الكردستاني" تلك القرارات، وسط تحذيرات من تطور الخلاف بين تلك الأحزاب وتأثيرها على الإقليم.

وكانت جميع تلك القرارات تصبّ في مصلحة تحالف "الإطار التنسيقي"، وهو ما عزز التشكيك باستقلالية المحكمة التي انسحب أحد أعضائها البارزين وهو القاضي عبد الرحمن زيباري في منتصف الشهر الحالي احتجاجاً على قرارات للمحكمة اعتبرها غير صحيحة تجاه إقليم كردستان.

لكن الجدل زاد أكثر بعد إعلان النائب السابق مشعان الجبوري أنه تعرض للتهديد من رئيس المحكمة جاسم العميري، في حال لم ينسحب من التحالف الثلاثي (تحالف إنقاذ وطن) الذي تشكّل عقب انتخابات 2021 بين الصدريين والأكراد والسنّة لتشكيل الحكومة.

مهام المحكمة الاتحادية

والمحكمة الاتحادية هي أعلى سلطة قضائية في العراق، أنشئت عام 2005، ومقرها في بغداد، وتتألف من رئيس وثمانية أعضاء، وتختص بالفصل في النزاعات الدستورية، وتعتبر قراراتها باتّة وملزمة للسلطات كافة. وعلى الرغم من أن الدستور العراقي أقرَّ بأن تكون هذه المحكمة مستقلة، إلا أن الأحزاب النافذة تناوبت على طرح قضاة يمثلونها.

وتتلخص مهام المحكمة الاتحادية بـ"الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتفسير نصوص الدستور، والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية".

ومن مهامها أيضاً "الفصل في المنازعات القضائية والإدارية التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية، والفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، والتصديق على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب".

يرى مراقبون أن معظم القرارات الكبرى للمحكمة الاتحادية تقترب من وجهات نظر سياسية لزعماء أحزاب كبيرة

لكن مراقبين يرون أن معظم القرارات الكبرى للمحكمة الاتحادية تقترب من وجهات نظر سياسية لزعماء أحزاب كبيرة، لعل أبرزهم نوري المالكي، الذي يُعرف عنه أنه يملك نفوذاً كبيراً داخل القضاء، أسس له في فترة رئاسته الحكومة لدورتين بين 2006 و2014.

وبالنظر إلى قراراتها فإنها كانت قريبة دائماً من مصلحة القوى الشيعية ذات النفوذ الأكبر، وتحديداً جبهة نوري المالكي التي عادة ما تسيطر على معظم القرار السياسي الشيعي ضمن ائتلافات واتفاقات لا تستمر طويلاً إلا أنها تؤسس لحالات تبقى ثابتة لمدة من الزمن.

قرارات جدلية للمحكمة الاتحادية

للعراقيين ذاكرة مع مواقف المحكمة الاتحادية، لعل أبرزها عقب انتخابات البرلمان عام 2010، عندما انتُزِع حق تشكيل الحكومة من الكتلة الفائزة آنذاك (ائتلاف العراقية) بزعامة إياد علاوي، ومُنِح نوري المالكي فرصة للبقاء ولاية ثانية عبر تفسير "الكتلة الكبرى"، الذي ينص الدستور العراقي على أن تكون الفائزة في الانتخابات.

لكن رئيس المحكمة آنذاك مدحت المحمود فسّرها بأن تكون الكتلة المشكّلة عقب إعلان نتائج الانتخابات، وليست الفائزة فيها.

بالإضافة إلى إعادة فرز الأصوات يدوياً في انتخابات 2018 بناءً على طلب زعماء أحزاب، كان أبرزهم المالكي، وكذلك قرار المحكمة بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان العراق وإلغائه، ثم الحكم بمنع تمويل رواتب موظفي الإقليم.

وأخيراً، قال العضو السابق في مجلس النواب مشعان الجبوري إنه "تلقى تهديدات من رئيس المحكمة الاتحادية في العراق جاسم العميري بإسقاط عضويته في البرلمان في حال عدم تخليه عن التحالف الذي كان يقوده الصدر".

وأضاف في لقاء متلفز أن العميري قال له: "أنت تشارك في تحالف ضد العراق، وعليك الانسحاب منه، لأننا نملك ما يلغي عضويتك". وبالفعل ألغت المحكمة الاتحادية في مايو/ أيار 2022 عضوية الجبوري في مجلس النواب بتهمة تزوير شهادته الثانوية في سورية.

قالت المحكمة الاتحادية إنها تتعرض لهجمة إعلامية داخلية وخارجية لثنيها عن إكمال الواجبات الدستورية

عقب تعليق الجبوري، أكدت المحكمة الاتحادية العليا تعرضها لهجمة إعلامية داخلية وخارجية لثنيها عن إكمال الواجبات الدستورية.

وذكرت المحكمة في بيان، أن "الغرض من ممارستها لاختصاصاتها هو التطبيق الصحيح للدستور، ونتيجة لقراراتها التي اتخذتها صوناً للدستور تتعرض إلى هجمة إعلامية داخلية وخارجية لثنيها عن إكمال واجباتها الدستورية تجاه الوطن والشعب، ونعتقد أن هذه الهجمة مسيسة هدفها الإساءة إلى سمعة المحكمة الاتحادية العليا واستهداف شرعيتها وتعتبر مساساً باستقلال القضاء، وهو ما يقتضي اتخاذ السبل القانونية اللازمة لردعها وإفشالها".

سياسي عراقي بارز في بغداد اعتبر أن موجة الاتهامات الجديدة ضد المحكمة الاتحادية سببها كونها "لم تكن عادلة، ويظهر التأثير السياسي واضحاً فيها". وأكد السياسي الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "إقحام القضاء بالصراعات السياسية يهدد مستقبل التعامل مع القضاء ويجعله عرضة للتشكيك الدائم".

وكشف أن "حكومة إقليم كردستان هددت باللجوء إلى خيار مغادرة الحكومة الحالية كحالة رفض لما يحصل من تمادٍ على القانون والدستور في ظل موافقة ودعم سياسي من قبل تحالف الإطار التنسيقي، بالتالي فإن التصدع لم يعد يهدد الحكومات كما كان يحصل في السابق، بل يهدد بنية النظام بشكله الكامل".

وكان المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان بيشوا هوراماني قد أكد أخيراً، "عدم وجود محكمة دستورية في العراق حتى الآن"، وأن "مواقف الداعمين لهذه المحكمة في كردستان تأتي لأنها تعمل لمصلحتهم وتصدر قرارات غير دستورية، ولكن من الضروري أن يعلم شعب كردستان أن بائعي أنفسهم لا يهتمون لحجم الحقوق الدستورية لكردستان التي يفرطون فيها".

وعزا ذلك إلى أن "ما تسمى بالمحكمة تعمل لصالح هؤلاء ضد الحكومة (حكومة الإقليم) وتتخذ قرارات ضد حقوق كردستان الدستورية".

في السياق، قال عضو الحزب "الديمقراطي الكردستاني" ريبين سلام، لـ"العربي الجديد"، إن "قرارات المحكمة الاتحادية منذ عام 2021 ولغاية الآن موجهة لمصلحة فئة واحدة، وهي تحالف الإطار التنسيقي، وتقف بالضد من المكوّن السنّي والكردي".

وأوضح أن "كواليس قرارات المحكمة مرتبطة بالأزمة السياسية والمشاكل بين الأطراف الحاكمة حالياً، وأنها تمارس وجهات نظر سياسية لأحزاب شيعية كبيرة، وأن في هذا تهديداً للنظام السياسي الحالي".

لكن وائل عبد اللطيف، وهو وزير سابق وأحد كتبة الدستور العراقي، أشار إلى أن "المحكمة الاتحادية محكمة دستورية أسست وتشكلت بموجب قانون رقم 30 لسنة 2005، أي في حكومة إياد علاوي حين كانت تمتلك السلطتين التشريعية والتنفيذية، لكن الدستور جاء بعدها بعام واحد، ليبين أن المحكمة موجودة، وقد اصطدمت بعقبات، من بينها خبراء وفقهاء القانون وقد عدل مشروع قانونها، لكن إلى حد الآن لم يجر التصويت على قانونها في البرلمان، وهذا لا يعني عدم دستوريتها".

وأكمل عبد اللطيف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "المحكمة حالياً تستند إلى المادة 130 من الدستور العراقي، التي تنص على أن إجراءاتها وقراراتها نافذة". وبشأن الاتهامات الموجهة للمحكمة الاتحادية من قبل المتضررين من قراراتها، أشار إلى أن "هذه طبيعة المحاكم في العراق، وأن الخاسر من أي قرار قضائي يمارس الطعن في القرار والمحكمة".
 

المساهمون