الجزائر: الاستثمار في إشاعة القلق

الجزائر: الاستثمار في إشاعة القلق

02 يناير 2019
الخوف في الجزائر سياسة قائمة بذاتها لكبح التغيير (Getty)
+ الخط -

تقع الجزائر في شمال أفريقيا بين ساحل الصحراء وماء المتوسط، ويقع الجزائريون بين ميكانيكا العنف وكيمياء الفزع وأسطرة الجوع. وحين يتحدث الجيش في بيان عن "خطة مبيتة ومؤامرة دبرتها دوائر" تضم "عسكريين خدموا في صفوف الجيش والتحقوا بدوائر خفية"، يكون الجزائريون بصدد جرعة جديدة من الفزع والقلق.

يرد الجيش بهذا البيان على مقالات ومواقف عسكريين صحا ضميرهم، أو اكتشفوا الحقيقة في لحظة غير عسكرية. والجيش في الجزائر كجسم عسكري سابق لوجود الدولة، لا تختلف أدبياته السياسية، عندما يتحدث عن الأوضاع الداخلية، عن أدبيات الحكومة والرئاسة. قبل بيان الأحد الماضي الذي أصدره الجيش ويتحدث فيه عن "مؤامرة ومتآمرين ومجموعة خفية"، بقليل، كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد حذر الجزائريين من "مغامرين يحاولون دفع البلاد إلى المجهول". وقبل ذلك كان رئيس الحكومة أحمد أويحيى قد هدد الجزائريين "بالشرطة والدرك"، و"بسنوات صعبة وعجاف"، كما لو أن كاتب الخطب والبيانات نفسه.

في الدول التي تخطط لغدها، يكون الخوف مدخلاً للبحث عن المخارج الآمنة وحافزاً محرضاً على استجلاب الأمن، ودافعاً لإحداث القطيعة مع المسارات الخاطئة. لكن في الجزائر الخوف سياسة قائمة بذاتها لكبح التغيير واستدامة العطب ومنع تحرير المبادرة في المجتمع السياسي والثقافي والاقتصادي، ومشروع مصمم للحكم وخطاب في صلب أدبيات الدولة والحكومة والجيش، ومنظومة لتعطيل كل قراءة مغايرة للوضع أو مستشرفة للمستقبل. برسم الواقع لا يعاني الجزائريون من دكتاتورية مرعبة، لكن أكبر معاناتهم هي مع دكتاتورية الفكر البيروقراطي وتجَبُّر الرأي السلطوي وغطرسة الموقف المركزي وهيمنة الرواية الرسمية وكثافتها في كل المجالات.

تستثمر الدول في الأمن وفي إشاعة الطمأنينة، وتستثمر أجهزة الحكم في الجزائر في إشاعة القلق. تغير العالم وما تغير للمؤسسات الحكومية في الجزائر خطاب. كل أضلع السلطة في الجزائر، رئيسها وأحزابها والحكومة والعسكر، تتحدث عن "اليد الخفية المقامرة" و"الأيادي الأجنبية المتآمرة ". تريد هذه الأضلع التي تتقاسم المصالح وتتقاطع في المصلحة للجزائريين أن يستطعموا العيش في حالة مزمنة من الخوف من التغيير، وداخل زمن مستمر من القلق والتوجس، وبين حيطان الغموض والحيرة، بينما يتطلع الناس في ذات البلد الكبير الراسخ في التاريخ والممتد على 2.2 مليون كيلومتر مربع وبساحل طوله 1200 كيلومتر إلى العيش بكرامة ووضوح، وإلى أن يجربوا صناعة المستقبل بعيداً عن الدوغمائية التي أنتجها النظام السياسي المسكون بعقيدة المؤامرة وتمجيد العسكرية.